الرئيسية » أخبار » إلهامي الميرغني يكتب العصبيات العائلية والقبلية العابرة للمراحل

إلهامي الميرغني يكتب العصبيات العائلية والقبلية العابرة للمراحل

العصبيات العائلية والقبلية العابرة للمراحل

منذ بدأت مصر تجربتها الليبرالية كانت المشاركة في العملية الانتخابية تخضع للعصبيات العائلية والقبيلية وكانت المناصب الإدارية في الريف المصري توزع ايضا لترضية العائلات الكبيرة ، العائلة الأقوي يكون منها العمدة والعائلة الثانية يكون منها شيخ البلد وهكذا.وكانت كل الاحزاب تحفظ التقسيمات العائلية وتعرف هذه القرية تعطي الوفد وهذه للأحرار الدستوريين وهكذا .

وفي ظل انتشار الأمية وغياب السياسة  تخضع عملية الاختيار لتوجه الأسرة وبالرموز الانتخابية نتيجة انتشار الأمية.بعد ثورة يوليو تم اقصاء عائلات كبار الملاك ولكن مع صعود تنظيمات يوليو زحفت عائلات جديدة للسيطرة علي لجان الاتحاد الاشتراكي ومن ثم الجمعية الزراعية والمجلس المحلي.والعجيب ان بعض العائلات القديمة غيرت جلدها واصبحت تظهر تأييد الاشتراكية لتحافظ علي وجودها ونفوذها السياسي باشخاص اخرين.

ومع عسكرة الحياة السياسية أصبحت العائلات تدفع شبابها للالتحاق بكلية الحربية والشرطة واحيانا الحقوق لإكتساب المكانة والنفوذ وفرص الترقي السياسي. واستمر هذا النظام السياسي الجامد من الستينات الي السادات الي مبارك وحتي الآن.وحتي بعد الوجود العلني لجماعة الأخوان المسلمين في السبعينات اصبحت ايضا عائلات وقبائل وقري تصوت للأخوان واخري تصوت للحزب الوطني او لمستقبل وطن .

النفوذ السياسي يجعل الاسرة تختار العمدة وربما شيخ البلد ورئيس الجمعية الزراعية ورئيس الوحدة المحلية ورئيس اللجنة الحزبية في القرية. وفي السبعينات ايضا راجت تجارة الأصوات الانتخابية وقد شاهدت في انتخابات الوايلي شخص حضر ومعاه شنطة تضم 3000 بطاقة انتخابية يعرضها للبيع وتطور السعر من عشرة جنيهات الي خمسين الي مائة جنيه ووصلت في بعض الدوائر الساخنة الي 200 جنيه وأكثر .

وعندما يتوجه المواطن الي لجنته الانتخابية يجد احد كبار العائلة أمام اللجنة يأمره ادي الجردل او ادي الجمل والنخلة ويكون ذلك بمقابل او بدون مقابل نظير خدمات يتوقع المواطن الحصول عليها بدأ من خروج ابنه الذي قبض عليه بسيجارة بانجو من قسم الشرطة او استثناء ابنته من سن المدرسة او نقلها لمدرسة جنب البيت او اصدار قرار علاج علي نفقة الدولة والتي كلها حقوق لا يعرفها ذلك المواطن.

فشلت ثورة يوليو وما تلاها في القضاء علي نظام وملاعيب العصبيات العائلية والقبلية وظل الاختيار خاضع لتوجه كبير العائلة العارف بمصالحها.واصبحت العائلات تقسم النفوذ بينها فهذه الدائرة لسيادة اللواء والأخري لسيادة المستشار وهكذا.

كل هذه المظاهر تجعل الديمقراطية التمثيلية شكلية ولا يوجد اختيار حقيقي ولا توجد مفاضلة سياسية وتظل الأحزاب السياسية ضعيفة لأن الاختيار يخضع لمعايير أخري بعيدا عن الرؤية والتوجهات السياسية .ويذهب العامل والفلاح لاختيار من هو معادي لمصالحه الاقتصادية والاجتماعية ذلك بفرض ان الانتخابات نزيهة .

اخيرا فإن تدخلات جهات الإدارة في العمليات الانتخابية تجعل منها إجراء شكلي والتلاعب يبدأ في اختيار لجان الاشراف علي الانتخابات ثم لجان الفرز وتلعب الشرطة والمحليات دور حاسم في هذه المرحلة . اضافة لدفع اصحاب العمل لحشدعمالهم للتصويت باستخدام اتوبيسات الشركة كما يفعل محمد ابو العنين او حشد اتوبيسات حكومية مليئة بالموظفين لدعم مرشح معين تدعمه الوزارة. كل ذلك يحول دون وجود ديمقراطية حقيقية .

في ظل الجهل والفقر والمرض يصعب الحديث عن حرية الاختيار أو عن اي شكل للديمقراطية. فالمواطن المستلب لا يملك ارادته رغم انه يحمل بطاقة رقم قومي وصوت انتخابي قد يبيعه او يهدره بلا مقابل وفقا لتوجهات العائلة او القبيلة أو العصبية الدينية.

لذلك نواجه جميعا تحدي حقيقي مستمر من بداية التجربة الليبرالية في مصر وحتي الان .كيف نواجه نفوذ العائلة والقبيلة والدين ؟!

يحضرني هنا مقولة فؤاد عسكر ( وحيد سيف ) في فيلم “محامي خلع” عندما طلبت منه موكلته رشا الورداني ( داليا البحيري ) فصل المحامي بدر النوساني ( هاني رمزي ) قالها مقدرش ده ابوه عمدة.فسألت يعني ايه عمدة قالها يعني سبع الالاف صوت انتخابي يقولهم الجمل يبقي كلهم جمال يقولهم النخلة تلاقي سبع الاف نخلة .هكذا تدار الأمور منذ عشرينات القرن الماضي وحتي الآن.

لذلك قررت ان نفكر معا بصوت عالي.كيف نواجه هذه الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وكيف يمكن للاحزاب ان تلعب دور في التوعية في ظل الحصار ومصادرة الاعلام ومنعها من التواصل.اننا أمام اشكالية حقيقية تمنع وجود اي شكل من اشكال الديمقراطية . مؤكد اننا نحتاج للعديد من التعديلات التشريعية وهذا معروف ومكتوب فيه رسائل جامعية وكتب وبحوث ودراسات ومقالات. ما نحتاج ان نناقشه هو كيف نواجه هذه الظاهرة بحيث يعرف كل مواطن في قري الدلتا والصعيد أهمية صوته الانتخابي لمستقبله ومستقبل ابنائه.

إلهامي الميرغني

25/7/2020

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.