لماذا يتم تخسير وتدمير متاجر القطاع العام ؟!
تاريخ عريق لمتاجر السلاسل في مصر
تأسست محلات عمر أفندي عام 1856 على يد عائلة أودلف أوروزدي في عهد الخديوى سعيد باشا تحت اسم أوروزدى باك أي منذ 163 سنة. بدأت أول فروعها في شارع عبد العزيز بالقاهرة لتلبية احتياجات العملاء من المصريين والأجانب. وصممه المعماري راؤول براندن علي طراز الروكوكو عام (1905 – 1906) وهو مكون من ستة طوابق. لمع صيت الشركة كواحدة من أعرق وأشهر السلاسل التجارية في العالم بعد أن اشتراها أحد أثرياء مصر اليهود عام 1921 وأطلق عليها عمر أفندي، حتى تم تأميمها عام 1957.
وتأسست محلات هانو عام 1882 على يد الخواجة هانو اليهودي الفرنسي أي منذ 137 سنة كمحل للعب الأطفال في شارع الموسكي وسرعان ما ضم إليه قسم كبير للملبوسات والأقمشة ثم افتتح فرعاً ضخماً في الإسكندرية أمام فندق آبات بميدان المنشية. في عام 1887 قرر بيع المتجر الذي أصبح من أشهر المتاجر إلى أحد الموظفين الذين عملوا لديه وهو مورينيو شيكوريل مهاجر يهودي قادم من إزمير بتركيا وهو عميد عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل .
كما تأسست محلات شيكوريل عام 1887 على يد مورينيو شيكوريل عميد عائلة شيكوريل، وكان رأسمالها 500 ألف جنيه في ذلك الوقت، وعمل بها 485 موظفاً أجنبياً و142 موظفاً مصرياً ثم قام مورينيو ببيعها إلى التاجر المصري حسنين الجابري، وذلك بعد خروج اليهود من مصر بعد حرب 1956. أما باتا فهي شركة تشيكية تأسست عام 1894 في قرية زلين الواقعة في جنوب جمهورية التشيك على يد توماش باتا وأخيه أنطونين وأخته أنَّا. في مصر دخلت أحذية باتا منذ ثلاثينيات القرن الماضي وبنت فيها مصنعًا للأحذية .
كذلك تأسست محلات صيدناوي على يد السوريان سليم وسمعان صيدناوي عام 1913أي منذ 106 سنة وتم تأميمها في الستينيات كما تم دمجها مع محلات شملا والطرابيشي وإسلام سنة 1967 تحت اسم شركة الملابس والمنتجات الإستهلاكية، وتملك الشركة 70 فرع في كل مدن مصر و65 مخزن. حاليا هي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام.
و تأسست شركة بيع المصنوعات المصرية على يد طلعت حرب بمرسوم ملكي في أكتوبر 1932، وبدأت نشاطها عام 1933 بست فروع وبرأسمال 5000 جنيه مصري. حاليا هى إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام. وكانت فلسفة طلعت حرب هي تأسيس سلسلة متاجر تجزئة لبيع منتجات الشركات الوطنية التي أنشأها ومجموعة بنك مصر.
أما آحدث هذه المتاجر فهي محلات بنزايون التي تأسست عام 1950 على يد الخواجة بنزايون أي منذ 69 سمة وتم تأميمها عام 1960 وتم دمجها حاليا في شركة الأزياء الحديثة التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام.
إذن عرفت مصر سلاسل البيع بالتجزئة منذ أكثر من 163 سنة علي يد التجار الأجانب.
التأميمات تطبق نظرية طلعت حرب
بدأت التأميمات لمتاجر السلاسل التجارية اعتبارا ً من عام 1957 عندما أمم الرئيس عبدالناصر محلات عمر أفندي.وفي الستينات تم التوسع في حركة التأميمات لتشمل العديد من متاجر التجزئة المنتشرة في كل مدن ومحافظات مصر لتبيع منتجات شركات القطاع العام كما فعل طلعت حرب لمواجهة الاستغلال بربط الصناعة بالتجارة لمنع الاستغلال والسيطرة علي الأسعار بالسوق والتمتع بخصومات الحجم الكبير. اضافة الي إنشاء العديد من الشركات معارض ومحلات لبيع منتجاتها مثل شركة إيديال وشركة الشوربجي ومصر المحلة ومصر حلوان للغزل والنسيج وستيا للاصواف وشركة البلاستيك الأهلية وغيرها .
لكن لم تؤدي التأميمات الي تطويرات كبري في هذه الشركات وظلت مسيطرة علي السوق.وفي الستينات كانت الحكومة تطبق نظام ” استمارة الشراء ” علي موظفي الحكومة والقطاع العام حيث يحصل الموظف علي استمارة بقيمة 20 جنيه او 50 جنيه تتيح له شراء منتجات بأسعار مخفضة من متاجر القطاع العام له ولأسرته . وفي مطلع السبعينات ظهرت تجربة صيدناوي الجامعة الذي أعطي استمارات شراء مخفضة لطلبة الجامعات ولكنها لم تقتصر علي المنتجات الوطنية وشملت منتجات مستوردة خاصة من الصين .
وتعرضت شركات القطاع العام التجارية للتخسير والافساد مع بدأ تحرك نظام السادات للانفتاح والخصخصة وعانت من منافسة المستورد الذي أغرق البلاد وتوسعات متاجر القطاع الخاص وتحولت بورسعيد في فترة الي منطقة حرة وبوابة لعبور الملابس المستعملة والمهربة . ومع ضعف وتدهور منتجات القطاع العام انهارت متاجر سلاسل البيع بالتجزئة حتي وصلت للمرحلة الأخيرة.
مبارك ومرحلة بيع الشركات
تم خلال حكم مبارك بيع شركة عمر أفندي والتي كشف المهندس يحي حسين الفساد التي شابها فيما عرف بأكبر قضية فساد في الخصخصة .ثم توقف المشتري السعودي عن التطوير وأعاد الشركة للدولة التي اوقفت كل مشاريع التطوير سواء في عمر أفندي أو في باقي سلاسل التجزأة .
عودة القطاع الخاص والمستورد للسيطرة علي السوق
ظهرت عدة شركات سلاسل تجزأة منذ مطلع الألفية مثل القاهرة للمبيعات والتوحيد والنور واخيرا محلات النور ورنين وغيرها. وظل السؤال يطاردني لماذا نجح الشيخ السويركي صاحب محلات التوحيد والنور في السيطرة علي السوق وفشلت شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام.وهو الذي لا يوظف الا الملتحين.
مع التفرقة بين متاجر تعتمد علي المنتجات الوطنية منذ شركة بيع المصنوعات التي أسسها طلعت حرب عام 1932 وكذلك المتاجر في الستينات بعد التأميم كانت تعتمد علي تسويق المنتجات الوطنية وتوفير نظام بيع بالتقسيط لتلفزيونات شركة النصر للتليفزيون وبوتاجازات المصانع الحربية وثلاجات أيديال .
لكن القطاع العام منذ التسعينات اصبح مثل القطاع الخاص يبيع منتجات مستوردة كما ان تخلف موديلات شركات القطاع العام وعدم تطويرها لتجاري خطوط الموضة جزء من خطة إفشال وتخسير القطاع العام ومتاجر القطاع العام التي أصبحت الان تابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق وبحيث اهدر التخصص واصبحت الشركات القابضة مجرد جراجات لتصفية الشركات تمهيدا لبيعها.
تجربة شخصية ومعاملة متميزة
قادتني الاقدار الي محل من المحلات التابعة لشركة بيوت الازياء الراقية علي ناصية شارعي محمود بسيوني وكريم الدولة.فوجئت بمعاملة العاملين الراقية والمحترمة وتعاونهم وحرصهم علي توفير كل متطلبات العميل . ورغم انخفاض الاسعار للعديد من السلع والملابس الا انني فوجئت بتخفيض يتراوح بين 15% ، 20% علي أسعار أقل من متاجر القطاع الخاص .
أكتشفت من معاملة موظفي وعمال الفرع انه من غير المعتاد دخول الزبائن للمحل رغم تاريخه العريق ورغم جودة المنتجات من المصانع الوطنية.
وظل السؤال المعلق : لماذا تحرص الحكومة علي تخسير وافشال هذه الشركات التي كانت توظف الالاف من العمال وتصل الي معظم المدن والمحافظات المصرية ؟!وتوفر سلع ومنتجات عصرية باسعار في متناول الأسرة المصرية.
وهل يملك اصحاب التوحيد والنور وشارع عبدالعزيز مهارات لا تتوفر في شركات القطاع العام التي فرطت في خبرائها الذين خرجوا في المعاش المبكر.واتذكر ان بعض هذه الشركات كان لديها خبراء في تنظيم الفترينات وتحديد الاسعار وعرض المنتجات وتنظيم الأوكازيونات ،كل ذلك تم تدميره لصالح الشيخ السويركي وغيره .
ان متاجر سلاسل التجزأة تمتلك عدد ضخم من الفروع التي تعاني الركود وتحتاج للمزيد من الاهتمام والتطوير.
ليعمل القطاع الخاص ولكن يجب ان يعود القطاع العام بتطوير المحلات والفروع وتطوير المنتجات بما يلبي احتياجات المستهلك المصري ويوفر له سلع جيدة باسعار في متناول الجميع.
ان تحويل محلات القطاع العام لخرابات ومعاناة عمالها وموظفيها هي جزء من مخطط تخريب وتركيع مصر.بعض الاهتمام وضخ استثمارات جديدة في هذه الشركات قادر علي إحداث توزان في الأسواق لصالح المستهلك الذي تنهشه محلات القطاع الخاص ووكلاء المستورد.
رحم الله طلعت حرب المصري صاحب الرؤية التكاملية ووقانا الله شر الخراب والتخريب والمخربين.
اشتري البيجامات الكستور المصري وسيبك من الترننج الصيني .
إلهامي الميرغني
5/12/2019