الرئيسية » تقارير وتحقيقات » إنفراد للتحالف – تحليل لنتائج المرحلة الأولي من الانتخابات التونسية

إنفراد للتحالف – تحليل لنتائج المرحلة الأولي من الانتخابات التونسية

  • القوي السياسية كانت تستعد للانتخابات البرلمانية ولكن وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي عجل بالانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية 
  • كيف انقسمت الجبهة الشعبية الي كتلتين 
  • استطاع حزب العمال تجميع 10 الاف توقيع من بعض المحافظات لتأييد ترشح الرفيق الهمامي 
  • كيف ركز حزب العمال علي الدعاية والتحريض ولم يعطي العملية الانتخابية الاهتمام الكافي فتراجعت أصوات الرفيق حمة الهمامي عن 2014

حصلت ” التحالف ” علي تحليل أولي لنتائج المرحلة الأولي من الانتخابات الرئاسية التونسية أعده الرفاق في حزب العمال وهو تقييم في غاية الأهمية للتعرف علي أجواء الانتخابات التونسية وأوضاع الجبهة الشعبية وحزب العمال ومختلف القوي السياسية وأهم خبرات المعركة الرئاسية التي جاءت في نفس توقيت الاستعداد للانتخابات الرئاسية. وقد جاء في التقرير :

تم كما تعلمون الدور الأول للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها  يوم 15 سبتمبر 2019، وقد تقدم للانتخابات 26 مترشحا بعد أن كانوا في الأصل  98  تقدموا بمطالب للترشح. علما بأن الموعد الانتخابي الرئاسي كان مبرمجا في الأصل يوم 11 نوفمبر بعد إجراء الانتخابات التشريعية المبرمجة ليوم 6أكتوبر، لكن موت رئيس الدولة السابق الباجي قايد السبسي يوم 25 جويلية ( يوليو ) الجاري فرض تعديلا للرزنامة الانتخابية حتى يقع التقيد بالآجال الدستورية لانتخاب رئيس جديد في ظرف 3أشهر لذلك وقعت تسبقة الاستحقاق الرئاسي في الموعد المذكور.

– لقد أدخل الموعد الجديد ارتباكا على مجمل القوى السياسية التي كانت تستعد في الأصل للانتخابات التشريعية وكانت بصدد إعداد أجندتها الخاصة وكان أمر الرئاسية متروكا لما بعد ذلك أي أنه سيكون متأثرا بنتائج فسيفساء البرلمان. إن هذا ما يفسر كثرة الترشحات التي طالت تقريبا كل الأحزاب، إذ تقدم كل منها بمرشحه الخاص سواء من داخله أو من خارجه، لذلك ترشح من الأحزاب الليبرالية الحاكمة سابقا أكثر من عشرة (حزب النداء وشقوقه وتفرعاته)، كما ترشح عن التيار المحافظ (أي النهضة وفضائها الواسع) أكثر من خمس مرشحين. ولم تنجو الجبهة الشعبية من ذات الوضع إذ ترشح عن كل قسم منها مرشح، فقد رشح “ائتلاف الجبهة” الرفيق حمة الهمامي، فيما رشح “حزب الجبهة الشعبية” القيادي بحزب الوطد الموحد منجي الرحوي. كما ترشح أمين عام “حزب تونس إلى الأمام” عبيد البريكي، الوزير السابق والقيادي السابق بالاتحاد العام التونسي للشغل والقيادي السابق بحزب الوطد الموحد.

– لقد كان استعدادنا للاستحقاق الانتخابي متسرعا ولم يكن نتاج مدة كافية من العمل الدؤوب، فقد انشغلنا طيلة الأشهر الماضية بالصراع الداخلي الذي عرفته الجبهة على الأقل بشكله السافر منذ جانفي ( يناير ) 2019 والذي انتهى في شهر جوان ( يونيو ) الى انقسام الجبهة الى قسمين، قسم يضم حزبنا (حزب العمال) وحزب التيار الشعبي (ناصري)الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي وحركة البعث والحزب الشعبي للحرية والتقدم، فيما ضم القسم المقابل حزب الوطد الموحد وحزب اليسار العمالي (تروتسكي) وحزب الطليعة العربي الديمقراطي (بعثي)، كما انقسمت الكتلة البرلمانية (15نائبا) إلى مجموعتين، مجموعة من خمسة معنا، ومجموعة من عشرة موالية للشق المقابل،لقد كان الصراع بيننا صراعا حول الخط السياسي والتكتيك والموقف من جملة من القضايا الأساسية المطروحة في بلادنا. صراع بين خط ثوري وجذري وخط اصلاحي طبّع مع المنظومة السائدة وأصبح لا يرى نفسه الاّ ضمنها وضمن أطر عملها واشتغالها، لذلك على الجبهة واليسار (حسب رأيهم) ” أن يخرج من منطق الرفض والاحتجاج إلى منطق البناء والمساهمة”، وهذا جوهر الخلاف معهم والذي انتهى إلى الانقسام مرورا بمعركة سياسية/قانونية حول احتكار اسم الجبهة الذي ارتبط بمعارك ونضالات عارمة وتضحيات كبرى وشهداء، وقد استعملوا للغرض التحايل القانوني بتكوين حزب وهمي اسمه “حزب الجبهة الشعبية” للحفاظ على رمزية الاسم رغم الخروج الواضح عن الأرضية السياسية والنصوص المؤسسة للجبهة.

– لقد دخلت الجبهة هذا الاستحقاق منقسمة ومنهكة وجاهزيتها مضطربة، ورغم ذلك فقد قام مناضلونا بعمل جدي ونشيط بدءا من جمع التزكيات اللازمة للترشح للرئاسية (10الاف من 10 مقاطعات على الأقل)، إذ تم جمع أكثر من 30ألف تزكية في بداية شهر أوت            ( أغسطس ) ، وتم تقديم الترشح في أجواء نضالية ومميزة، مقابل ذلك قام مرشح الشق المقابل باعتماد التزكية البرلمانية (8  من زملائه من الكتلة القديمة للجبهة،و 2 من حزب “مشروع تونس” المشارك في الحكم، و المنشق عن “نداء تونس”،فيما كان تشتت مرشحي اليمين وعجز البرجوازية عن إيجاد مرشح موحّد بما شكل ظرفا سانحا لنا يتزامن مع أزمة اقتصادية/اجتماعية/سياسية/قيمية عميقة، لكن دخولنا منقسمين أثر سلبا على مخزوننا الانتخابي المتكون أساسا من أوساط برجوازية صغيرة غير منتظمة وغير متحزبة وترى في الجبهة إطارا أفضل لتجاوز الحزبية والصراعات القديمة التي وسمت تاريخ اليسار، وقد اختار أغلب هؤلاء عدم التصويت للجبهة والامتناع عن التصويت أصلا أو التوجه نحو مرشحين آخرين للبرجوازية أو للقوى الشعبوية.

– لقد جرت الانتخابات في مناخ محافظ وراكد رغم وجود بعض الاحتجاجات أثناء الحملة الانتخابية التي استمرت 12 يوما فقط عوضا عن ثلاثة أسابيع. ورغم المجهودات المبذولة من قبل مناضلي الجبهة وتحديدا من قبل مناضلي الحزب، إلا أن أداءنا اتجه أكثر (ككل مرة) للدعاية والتحريض السياسي عوضا عن الدعاية الانتخابية الهادفة لإقناع الناس بالتصويت لنا ولمرشحنا. لقد اتسمت الحملة بإقبال ضعيف وتقريبا لامبالاة من قبل الجماهير الواسعة، في الوقت الذي نشطت فيه المقاولات الانتخابية بشكل رهيب، وتنافس ممثلو البرجوازية والدولة العميقة على الرشاوي وشراء الذمم وتوزيع الأموال واستقطاب آلاف الشباب للعمل الانتخابي المأجور (تكليف بتوزيع المواد الانتخابية،تنظيم التجمعات،المواكب، عملية المراقبة…)، فيما اتجهت قوى أخرى لتوزيع العطايا خاصة لدى الأوساط الرثة والهشة في المدن والأرياف. فيما ركبت قوى أخرى موجة الجملة الثورية ذات المضمون الشعبوي والرابط مع الأطروحات المحافظة والتقليدية (مسألة الهوية والعقيدة..) والتي استهدفت الفئات المتدينة والمحافظة والرجعية والغاضبة من أداء “حركة النهضة” التي “استسلمت” للقوى الليبرالية. في ذات الوقت تنافست قوى الدولة العميقة على استعمال المرفق العمومي ووسائل الدولة من أجل الضغط والإكراه ووصل الأمر حدّ اعتقال “نبيل القروي” صاحب قناة”نسمة” ورئيس حزب “قلب تونس” الذي بينت عمليات سبر الآراء صعوده المكوكي، ورغم حيازته للمرتبة الثانية ومروره للدور الثاني،فانه لازال إلى حد اللحظة حبيس الجدران في إطار معركة كسر عظام بين فصائل المافيا المحلية ذات الارتباطات الإقليمية والدولية.

– في هكذا أوضاع متعفنة جرى التصويت يوم 15 سبتمبر، شارك في العملية 48.98% من المسجلين . كان اتجاه التصويت عقابيا انتقاميا إذ استهدف كل مكونات المنظومة السائدة وعلى رأسها رئيس الحكومة يوسف الشاهد مرشح “حزب تحيا تونس”،ورئيس البرلمان بالنيابة مرشح “حركة النهضة” عبد الفتاح مورو، وكذلك وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ، مرشح لفيف من الأحزاب الليبرالية وأهمها “نداء تونس”. كما استهدف كل شقوق نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي سنة 2012 لـ”مواجهة” حركة النهضة فتحالف معها وحكما معا منذ 2014. كما طال التصويت العقابي مرشحنا إذ لم يحصل الرفيق حمة الهمامي إلا على 23ألف صوت (مقابل 255 ألف مع المرتبة الثالثة سنة 2014 ) بما يعادل عشر أصوات سنة 2014. لقد كان ترتيبنا 15 ونسبة الأصوات 0.7% فقط. فيما تصدر النتائج كل من قيس سعيد ( 18.4% ) ونبيل القروي ( 15.5% )، الأول مرشح “مستقل” وهو جامعي ، فيما الثاني هو رجل الأعمال مافيوزي وصاحب “قناة نسمة” والجمعية الخيرية “خليل تونس” التي تجمع الإعانات وتعيد توزيعها في المناطق المحرومة وعلى الفئات الهشة بما شكل خزانا انتخابيا ضخما له بعد أن صار “حبيب الفقراء ونصيرهم” .

– إن أسبابا كثيرة تفسر هذه النتائج، منها الموضوعي ومنها الذاتي. لقد انطبع الاستحقاق الانتخابي بمزاج مركب من قسم اتجه نحو العزوف والسلبية بدواعي مختلفة لكنها تحوم غالبا حول معنويات مهزوزة أو تراجع للثقة في مجمل العملية السياسية الجارية بالبلاد. وجانب اتجه في تصويته نحو العقاب والانتقام من المنظومة السائدة، وشمل ذلك حتى القوى الثورية ممثلة في الجبهة ومرشحها إذ تعاطى معنا جزء من المقترعين على أننا جزء من المنظومة، وإذ يُحمّلنا ذلك وزرا لا نتحمله، فان في ذلك رسالة مهمة وجب التعاطي معها بالجدية المطلوبة وهي تتعلق بكيفية المشاركة في الحياة العامة وبعض مؤسسات الحكم وتحديدا البرلمان دون التحول إلى جزء من المنظومة السائدة، بل يجب إثبات أننا على نقيضها ونعمل على تقويضها. لقد ساد عند جزء مهم من الناخبين فكرة “معاداة السيستام” لذلك عوقب المشاركون في الحكم وانتخب المناوئون له، قيس سعيد ممثلا لتيار شعبوي “لا رائحة له ولا طعم” بل ولا برنامج انتخابي أصلا، بنى “مشروعية جماهيرية” قائمة على اعتبارات أخلاقوية مثل “التعفف والزهد وكره المناصب والكراسي…” و “الارتباط بالناس في المقاهي الشعبية”  و “عدم انجاز حملة انتخابية لان ذلك من قبيل البذخ والفساد…”، فيما تقدم الثاني (نبيل القروي) باعتباره نصير الفقراء والمهمشين. لذلك انتصرت الشعبوية  فيما انهزمت المشاريع السياسية الجدية.

– لقد انعكست نتيجة الانتخابات غير المنتظرة سلبا على معنويات مناضلي الجبهة والحزب، علما وأن يوم التصويت للرئاسية هو اليوم الأول في الحملة الانتخابية البرلمانية، والبرلمان في تونس هو مركز السلطة والرهان عليه أهم من قبل كل القوى، لذلك تتجه كل الأنظار لموعد 6 أكتوبر. وقد شرعت بعض  الأحزاب السياسية في إعلان مساندتها لهذا المرشح أو ذاك للرئاسية حتى تستفيد من خزانه الانتخابي، ولئن اتجهت القوى المحافظة والقريبة من “حركة النهضة” والحركة الإسلامية بتفرعاتها وجزء من الحركة القومية وحتى بعض الفوضويين من اليساريين إلى مساندة قيس سعيد (ممثل تيار الهوية)، فان جزء من القوى الليبرالية بصدد انجاز تفاهمات وصفقات مع نبيل القروي المرشح السجين. أما بالنسبة للجبهة فان الموقف يتجه إلى رفض الاصطفاف وراء أي منهما (هذا موقف حزبنا) والتركيز على الانتخابات التشريعية حتى يقع تجاوز الهزيمة المعنوية وتصحيح اتجاه التصويت بتصعيد كتلة ثورية ومكافحة للبرلمان تكون قادرة على المشاركة في إدارة الصراع والمعارك مع الحكومة القادمة، ومع الرئاسة رغم كونها محدودة المهمات بمقتضى النظام البرلماني المعدل المتبع في بلادنا.

– لقد دخلت البلاد في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية طورا جديدا من الأزمة العامة والأزمة السياسية تحديدا فاختلطت الأوراق وازداد الوضع غموضا وضبابية وأصبحت هنالك مخاوف جدية من انحراف البلاد إلى منزلقات خطيرة. نفس الغموض يخيم على ما يمكن أن تفضي إليه الانتخابات التشريعية القادمة. ومهما كانت النتائج فإن المرحلة القادمة ستكون صعبة وخطيرة وحتى إن مكنت الانتخابات التشريعية المعارضة الثورية والتقدمية من التمثيل الذي يُعدّل  شيئا ما موازين القوى، فإن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مواجهة وصراع حاد مع القوى الشعبوية واليمين المتطرف ومع التحالفات الجديدة التي مازالت ملامحها لم ترتسم بعد.

إن الدخول إلى هذه المرحلة والاستعداد للصراعات التي ستشهدها يمر في جانب كبير عبر كسب معركة التشريعية. فمواجهة منظومة الحكم الجديدة ستكون أفضل وأنجع كلما كان عدد نواب الجبهة أكبر لأن المجلس سيكون واحدة من الساحات التي ستخاض فيها معارك المرحلة القادمة. ومن زاوية أخرى فإن كسب معركة التشريعية من شأنه أن يمحو أو يقلص أثار خيبة الرئاسية ويعيد الأمور إلى نصابها.

 

– لقد استطاعت الجبهة أن تسرع في توجيه اهتمام مناضليها إلى ضرورة مضاعفة الجهد لتحسين النتائج بما يساعد المناضلين وعموم الشعب على الرفع من معنوياته في مقارعة أعدائه وخصومه. إن الاهتمام مركّز الآن على العمل من أجل نتائج أفضل في التشريعية، ثم سيكون هناك متسع من الوقت للتقييم الشامل والعميق للخروج بالاستخلاصات اللازمة والضرورية لتجويد أداء القوى الثورية استعدادا للمعارك القادمة.

نرجو أن نكون قد قدمنا لكم صورة أولية تساعدكم على أخذ فكرة عما جرى في تونس،     و سنوافيكم لاحقا بما سننتهي إليه من تقييمات تلامس كل الجوانب والأوجه التي حفّت بهذه المعركة.

 

 

عن حزب العمال

دائرة العلاقات الخارجية

تونس

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.