كتب الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي
من يوقف جريان النهر؟ من قتل بيرتا كاسيريس؟
في بلد يوصف بأنه أخطر مكان في العالم على حياة المعارضين ودعاة حماية البيئة، قادت “بيرتا كاسيريس” السكان الأصليين من جماعة “لينكا” الإثنية للقيام بحملة شعبية طويلة من أجل وقف بناء أربعة سدود على نهر “أجولارك”، الذي يعتمدون عليه في زراعتهم وحياتهم ويعتبرونه وفقا لثقافتهم- نهرا مقدسا، ونجحت في الضغط على أكبر شركة لبناء السدود في العالم، للانسحاب من المشروع، والضغط على مؤسسات التمويل الدولية لوقف تمويل المشروع، الذي كان مقررا إقامته على النهر.
هندوراس، بلد صغير يقع في أمريكا الوسطى، يسكنه نحو 9 ملايين نسمة، وينتشر هناك الفساد والفقر والجريمة المنظمة وعصابات المخدرات والميليشيات المسلحة، وزادت نسبة البطالة والفقر والإضطهاد والظلم الإجتماعي في جنوب وغربي البلاد، حيث يعيش السكان الأصليون من شعب “لينكا”.
بعد الإنقلاب العسكري الذى وقع في عام 2009 والذي أطاح بالرئيس المنتخب “مانويل زيلايا”، وسريعا بدأت السلطة الجديدة في خطط لخصخصة الأراضي والمياه والأنهار والشركات العامة، وشهدت البلاد نموا هائلا في المشروعات العقارية الكبيرة، والتي أدت إلى تشريد السكان الأصليين وتدمير الشروط الطبيعية التي يعيشون فيها على “إقتصاد يوصف بأنه “إقتصاد الكفاف”، وهو إقتصاد زراعي بسيط، يقوم على زراعة الذرة والبن والفاصوليا، وتربية الطيور وصيد الأسماك، وبعض الحرف التقليدية والمنزلية كنسج الملابس وصناعة الفخار.
في العام التالي، منحت السلطات لعدد من الشركات الخاصة والأجنبية امتيازات للقيام بمشروعات للتعدين في حوالي 30% من أراضي البلاد، خلقت مشروعات التعدين المتزايدة طلبا متزايدا على مصادر الطاقة اللازمة للتشغيل، وفي هذا السياق، وافقت الحكومة على مشروعات لإقامة عشرات من السدود على الأنهار في جميع أنحاء البلاد، وبدأت في خصخصة الأنهار والأراضي والموارد الطبيعية، والتي أدت إلى اقتلاع عدد من مجتمعات السكان الأصليين من مواطنهم التي لا يعرفون غيرها.
كان مشروع “أجوا زاركا” من بين هذه المشروعات التي وافقت عليها الحكومة، وهو مشروع يتضمن إقامة أربعة سدود على نهر “أجولارك”، وهو مشروع مشترك بين الشركة الوطنية للطاقة “ديسارولوس إنيرجيتيكوس”، وتعرف إختصارا باسم “ديسا”، وشركة “سينوهيدرو” الحكومية الصينية، وهي أكبر شركة لتطوير السدود في العالم، وشركة فويث وهي إحدي الشركات التابعة لشركة “سيمنز” الألمانية المعروفة. وحصل المشروع على موافقة عدد من المؤسسات الدولية لتمويله: مؤسسة التمويل الدولية- (IFC)- وهي إحدى أذراع البنك الدولي لتمويل وإقراض الشركات الخاصة، و”بنك التكامل الإقتصادي لأمريكا الوسطى”- الأمريكي، وهيئة المعونة الأمريكية (USAID)، وبنك التنمية الهولندي (FMO)، ومؤسسة التمويل الفنلندية (FinnFund).
إنطلق مشروع السدود المقرر بناؤها على النهر دونما إستشارة أو موافقة السكان الأصليين الذين يقطنون بالمنطقة التي ستتأثر بالمشروع، واعتبره السكان انتهاكا للمعاهدات الدولية التي تنظم حقوقهم، وتهدد السدود بقطع إمدادات المياه والغذاء والدواء عن الآلاف من شعب لينكا، وبالتالي تنتهك حقوقهم في الحياة وفي إدارة أراضيهم على نحو مستدام يضمن الحياة للأجيال القادمة.
بين قبائل لينكا ولدت “بيرتا كاسيريس” في “لا إسبيرانزا” جنوب غرب هندوراس عام 1973 خلال فترة أعمال العنف التي اجتاحت أمريكا الوسطى في الثمانينيات، كانت والدتها تعمل قابلة، لكنها كانت ناشطة اجتماعية أيضا، وساهمت بدور بارز في استقبال وإيواء ورعاية اللاجئين الذين فروا من “السلفادور” المجاورة خلال فترة الحرب الأهلية هناك والتي أستمرت أكثر من عشر سنوات.
قدمت الأم لأبناءها -ومنهم بيرتا- درسا عمليا في التضامن والوقوف إلى جانب الضعفاء والمضطهدين والمحرومين من حقوقهم، لذلك أصبحت بيرتا ناشطة طلابية وحصلت على ثقة زملاءها، وبعد أن تخرجت من المدرسة العليا كمعلمة، إنخرطت في تأسيس “المجلس الشعبي للمنظمات والسكان الأصليين في هندوراس”- (COPINH)- الذي أصبح هو التنظيم السياسي للتعبير عن السكان الأصليين والدفاع عن حقوقهم في الحياة وحماية أشجار الغابات من الهجمات المتزايدة للحكومة والشركات الخاصة.
في عام 2006 طلب ممثلون لجماعة لينكا في مدينة “ريو بلانكو” من “كوبينه” المساعدة في الدفاع عن أراضيهم ومياههم وحياتهم التي يهددها مشروع السدود، بعد أن شاهدوا فيلقا من السيارات والآليات التي تأتي إلى مدينتهم، لم يكن لديهم أية فكرة عن الغرض من المشروع، أو عن من يقف ورائه، لكنهم يعرفون وفقا لثقافتهم السائدة أن العدوان على النهر-الذي يحتل لديهم مكانة روحية هامة – هو عمل ضد مجتمعهم وطريقة حياتهم وثقافتهم ومستقبل أطفالهم. سريعا دعت “بيرتا” إلى اجتماع للجمعية العمومية للسكان، وفي الإجتماع صوتوا –بالإجماع- ضد مشروع السد- “أجوا زاركا”.
وبدأت حملة شعبية لوقف مشروع السد، في كل خطوة من خطوات الحملة، كانت بيرتا تعود إلى الجمعية العمومية للحصول على تفويض بالخطوة التالية، في البداية، قدمت شكاوى جماعية إلى السلطات الحكومية، لكن السلطات لم تعرهم إنتباها، فخرجوا في مظاهرات سلمية، ولم يسمعهم أحد، وشارك ممثلون لشعب لينكا في مسيرات سلمية إلى العاصمة “تيجو سيجالبا” لمطالبة الحكومة والبرلمان بالإستماع إلى أصواتهم ورأيهم في المشروع الذي يمثل خطرا على حياتهم، لكن كل ذلك لم يكن كافيا لإقناع الحكومة بمخاوفهم المشروعة.
وسعت بيرتا من الحملة، وتواصلت مع عدد من مؤسسات المجتمع الدولي، ورفعت القضية إلى لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، وبدأت بيرتا تتلقي تهديدات بالقتل، وأوصت لجنة البلدان الأمريكية حكومة هندوراس بتوفير الأمن والحماية لها ولزملاءها في المجلس، لكن الحكومة لم تتحرك، فأرسلت بيرتا إلى مؤسسات التمويل تطالبهم بوقف تمويل المشروع، وتجاهلت الحكومة كل هذه النداءات، وواصلت دعمها للشركات التي تقوم بالتنفيذ، ونظمت اجتماعات مصطنعة لمدة دقائق حضرها نفر قليل من السكان الذين تلقوا أموالا في مقابل توقيعهم على وثائق تعلن موافقتهم على المشروع.
في أبريل 2013 بدأت “بيرتا كاسيريس” في تغيير طريقة الإحتجاج، فنظم السكان احتجاجات على الطريق المؤدية إلى موقع السد لمنع وصول معدات وسيارات شركة “ديسا” إليها، وزع السكان المحليون أنفسهم إلى جماعات تتناوب على حراسة الطريق، وشارك كل أفراد الأسرة في هذا الاحتجاج الذي استمر لعدة أسابيع، حافظوا خلالها على سلميتهم، واستخدموا نظاما خاصا للتواصل والمراقبة والتنبيه عند الخطر، وعلى الرغم من محاولات الفض المتعددة، والهجمات العنيفة لقوات الجيش والشرطة والشركات الأمنية الخاصة، صمد حصار شعب لينكا للطرق لأكثر من عام.
مناخ العنف الذي يحكم هندوراس معروف للجميع، خصوصا بعدما اعتبرتها كارتلات وعصابات المخدرات المكسيكية معبرا مناسبا لنقل المخدرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتكاد حوادث القتل أن تكون حدثا يوميا معتادا هناك. يعترف البرلمان بفساد جهاز الشرطة، وضلوع بعض أعضاءها مع عصابات المخدرات والجريمة المنظمة، وكلف الرئيس قوات من الجيش بالقيام بمهام الشرطة في البلاد، وعين نائبا عاما يريده بالمخالفة للدستور. لكن قليل هم من يعرفون أن السكان الأصليين ونشطاء البيئة وحقوق الإنسان هم أول الضحايا.
في بداية العام 2016 قُتل “توماس جارسيا”، أحد قادة المجلس الشعبي للمنظمات والسكان الأصليين بعد إطلاق الرصاص عليه من قوات الأمن التابعة لشركة “ديسا” أثناء مظاهرة سلمية، وأصيب ابنه بإصابات بالغة، وتعرض آخرون لهجمات بالمناجل، واحتجز كثيرين وتم تعذيبهم في السجون، وتم توجيه الإتهام إلى بيرتا بحيازة سلاح دون ترخيص، وقالت في التحقيقات أن السلاح دسته عليها قوات الجيش عند إحدى نقاط التفتيش.
تعرضت بيرتا لثلاث محاولات خطف وتهديد بالإعتداء الجنسي، وتم توجيه الإتهام إليها، مع إثنين من زملاءها، بقطع الطريق وإتلاف ممتكات خاصة، وحكم عليها بالسجن لثلاثة أشهر، لكنها استأنفت الحكم وتم إطلاق سراحها بشرط منعها من السفر للخارج. وخلال الفترة من 2006 -2016 قتل أكثر من 130 من السكان الأصليين والمدافعين عن البيئة، ولم يقدم أحد من الجناة إلى العدالة. وفقا لتقرير قدمه نائب عام سابق إلى البرلمان فإن 98% من الجرائم في هندوراس تمر دون حساب.
على الرغم من هذه الصعوبات، نجحت جهود “كاسيريس” وشعب لينكا في إبقاء معدات البناء بعيدا عن الموقع المقترح للمشروع، ومع استمرار وصمود حركة المقاومة لبناء السد، وتزايد حالة الغضب بين صفوف اللينكا بعد مقتل “جارسيا”، أعلنت شركة “سينوهيدرو” الصينية العملاقة في أواخر عام 2013 إنهاء عقدها مع شركة الطاقة الوطنية “ديسا”، ثم تلقى المشروع ضربة أخرى بعدما أعلنت “مؤسسة التمويل الدولية”- ذراع البنك الدولي- سحب تمويلها للمشروع بسبب المخاوف حول انتهاكات لحقوق الإنسان، وأعلن بنك التكامل الإقتصادي الأمريكى أنه أوقف مدفوعاته لتمويل المشروع، وتوقف المشروع ولو مؤقتا.
إن توقف عدد من مؤسسات التمويل عن الإستمرا في تمويل المشروع وانسحاب الشركة الصينية أصاب مسئولي شركة ديسا بالجنون، اتهمت الشركة بيرتا وزملاءها بأنهم السبب في خسائر للشركة تزيد على 17 مليون دولار، وصرح رئيسها في مؤتمر صحفي أنه من المحزن أن تطلب لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان توفير الحماية لبيرتا وعدد من قطاع الطرق. في الظاهر توقف المشروع، لكن التهديدات بالقتل التي تتلقاها “كاسيريس” -مباشرة أو عبر الهاتف- كانت تتواصل، تلقت بيرتا تهديدا بالقتل 133 مرة خلال 4 سنوات، حتى يوم 3 مارس 2016 عندما اقتحم مسلحون مجهولون(2-4) منزلها في “لا إسبيرانزا” وأردوها قتيلة في غرفة نومها بأربعة رصاصات في الرأس والبطن… وبعدها ب 12 يوما قتل زميلها في المجلس “نيلسون جارسيا”. وأثار مقتل بيرتا وعدد من زملاءها غضبا واسعا واستنكارا دوليا، دفع بنك التنمية الهولندي (FMO)، ومؤسسة التمويل الفنلندية (FinnFund)، لتعليق مشاركتهما في مشروع سد “أجوا زاركا”، ولا نعرف ما إذا كان التعليق دائما ونهائيا، أم أنه تعليق مؤقت حتى تهدأ العاصفة.
وتحت ضغط المطالبات المحلية والدولية الواسعة بالعدالة من أجل “بيرتا كاسيريس” وسرعة تقديم الجناة إلى المحاكمة، بعد شهرين ألقت الشرطة القبض على أربعة مشتبهين، منهم إثنان على صلة بشركة “ديسا” التي تنفذ مشروع السد، الأول يدعي رامون رودريجيز، مهندس يعمل بالشركة، والثاني دوجلاس جيوفاني بوستيلو، المدير السابق لأمن الشركة، وكانت بيرتا قد أبلغت السلطات قبل ذلك سنوات أنهما وجها إليها رسائل تهديد بالقتل. أما المشتبهان الآخران، ماريانو دياز شافيز، وإديسون أتيليو دوارتي ميزا، فهما على صلة بالجيش، وأحدهم لا يزال ضابطا في الخدمة.
في البداية، قالت الشرطة أن كاسيريس قتلت في محاولة سرقة فاشلة، ثم صرح مسئول بأنها جريمة عاطفية، وألقت القبض على اثنين من زملاءها أحدهما المكسيكي “جوستافو كاسترو”، الذي وجد مصابا في مكان الجريمة، وهو الشاهد الوحيد في الجريمة، لكن الشرطة أتهمته مع زميل في المجلس الشعبي بالقتل، والذي صرح بعد إخلاء سبيله بأن هناك من عبث بمسرح الجريمة، وقالت عائلة كاسيريس أنها لم تتمكن من الحصول على تقرير تشريح الطب الشرعي للجثة!
كانت كاسيريس قد أبلغت الشرطة عن 33 تهديدا بالقتل خلال العامين الماضيين بسبب حملة وقف بناء السد، وطلبت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان من حكومة هندوراس تدابير حماية طارئة لها، لكن الحكومة لم تفعل وتركتهم يقتلونها، وربما تواطئت معهم. وقالت إبنتها “لورا” لصحيفة الجارديان: “أن الحكومة هي المتهم في قتل والدتها، ولا يمكنها إجراء تحقيق مستقل وشفاف في القضية”، ونطالب بلجنة تحقيق دولية، الحكومة وافقت على بناء السد، وأرسلت الجيش والشرطة للعمل مع حراس الأمن الخاصين لخدمة الشركة وقتل والدتي”.
في 2017 أصدرت منظمة “جلوبال ويتنس”- الشاهد الكوني- تقريرا مفصلا عن الهجمات التي يتعرض لها المدافعون عن البيئة والسكان الأصليين في هندوراس، سلط التقرير الضوء على العلاقة المريبة بين جيش هندوراس وشركة “ديسا” التي تنفذ المشروع، وأن معظم من تمت مقاضاتهم بتهمة قتل كاسيريس لهم صلات بالجيش والشركة التي تقوم ببناء السد، وأن قرار القتل قد صدر من أعلى المستويات في الشركة والجيش. ووفقا للتقرير، “قُتل 109 شخص على الأقل بين عامي 2010 و2015 في هندوراس، “هناك يُقتل النشطاء رمياً بالرصاص وفي وضح النهار”. ويرتبط ذلك بارتفاع عدد السدود وامتيازات التعدين والمشروعات الزراعية”، ويخلص التقرير إلى أن “قتل بيرتا كاسيريس لم يكن حادثًا معزولًا، بل جاء في سياق هجوم منهجي منظم، ضد الشعوب الأصلية في هندوراس الذين تجرأوا على اتخاذ موقف ضد إستغلال أراضيهم ومياههم”.
في 30 نوفمبر 2018 قضت المحكمة الجنائية الوطنية في القضية، وصدر حكمها بالإجماع من قبل ثلاثة قضاة، وتوصلت المحكمة إلى أن الشركة قد وظفت المتهمين السبعة كقتلة مأجورين للتخلص من بيرتا كاسيريس بسبب الخسائر المالية الناتجة عن حملة المقاومة لبناء السد، وأدانت المحكمة المتهمين السبعة وحكمت عليهم بالسجن لفترات متباينة قد تصل إلى 30 عاما بحسب ادوارهم في الجريمة. هؤلاء السبعة هم، دوجلاس جيوفاني بوستيلو، مدير الأمن السابق في الشركة، والملازم السابق في الجيش الأمريكي، هنري هيرنانديز، الرقيب السابق في القوات الخاصة، ماريانو دياز شافيز، قائد القوات الخاصة التي تم تدريبها في الولايات المتحدة الأمريكية، أوسكار توريز، مدير إدارة البيئة بالشركة، وسيرجيو رامون رودريجيز أورليانا، إدوين رابالو، والسابع إديسون دوارتي ميزا. هؤلاء نفذوا الجريمة وأطلقوا الرصاص، أما من أصدروا الأمر بالقتل، ومن خططوا للجريمة، ومن مولوها، ومن تواطأوا عليها، وعلى رأسهم الشخص الوحيد، الذي يمكن اتهامه بإصدار الأمر بالقتل، واستئجار هؤلاء القتلة وتمويل الجريمة، هو رئيس مجلس إدارة الشركة “روبرتو ديفيد كاستيلو ميخيا”، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية، والذي تم اعتقاله يوم 3 مارس 2018 في مطار “سان بيدرو سولا” أثناء محاولته الهروب من البلاد. من حق هؤلاء السبعة، ورئيس مجلس الإدارة إستئناف الأحكام التي يتوقع أن تصدر بحقهم، لذا لا تزال العدالة غائبة عن هندوراس. كتب كبير الباحثين في “جلوبال ويتنس”: إن هذا الحكم يثبت أن موظفي شركة “ديسا” تعاونوا مع ضباط وجنود حاليين وسابقين تم تدريبهم في الولايات المتحدة لقتل بيرتا كاسيريس عمدا وإسكات صوت المعارضة لسد “أجوازاركا”، وإذا أردنا ألا تتكرر مثل هذه الجرائم، فلابد من تقديم من أمروا بالقتل، ومن خططوا ومن مولوهم إلى العدالة، ربما يزيد الرقم من سبعة إلى سبعين”.
حصلت بيرتا كاسيريس على جائزة مدافعي الصفوف الأولي عن البيئة- فرونت لاين ديفندرز- عام 2014 وبعدها بعام حصلت على “جائزة جولدمان للبيئة”، وهي جائزة مرموقة في مجال البيئة، لدورها في مقاومة مشروع السدود بالطرق السلمية، لكن الجائزة الأكبر، هي أنها كتبت سطورا ناصعة في تاريخ السكان الأصليين ودعاة حماية البيئة، ليس في هندوراس فحسب، بل فى دول أمريكا الوسطى، واحتلت مكانة بارزة في قلوب وعقول الملايين في العالم. ووفاء لنضالها الذى استمر عشرين عاما وذكراها وزملائها الذين قتلوا دفاعا عن حقوقهم، أعلن “المجلس الوطني للمنظمات الشعبية والسكان الأصليين في هندوراس” -“كوبينه”- إستمراره في مقاومة بناء السد في موقع آخر، وتصميمه على مواصلة الطريق دفاعا عن حقوق شعب لينكا، والوقوف ضد طريق التنمية غير المسئولة التي تهدد أراضيهم ومياههم وحياتهم ومستقبل أطفالهم.
قالت بيرتا كاسيريس: “طالما وجدت الرأسمالية على هذا الكوكب، فلن نتمكن أبدا من إنقاذها. لأن الرأسمالية ضد الحياة والبيئة والكائنات الحية والنساء”.
الآن، نسأل: هل شاركت أو علمت أو تواطئت شركة “سينوهيدرو” الصينية العملاقة في الجريمة؟ هل ساهمت أو علمت أو تواطئت شركة “سيمنز” وشركة “فويث” بالجريمة؟ ثم، هل تشارك هذه الشركات، سينوهيدرو وسيمنز، وتلك المؤسسات الدولية للتمويل، في مشروعات السدود الإثيوبية التي تقام على نهر النيل، وعلى رأسها سد النهضة المثير للجدل؟ وهل هناك من قتلي أو ضحايا -حاليين أو محتملين- لأعمال هذه الشركات هناك، أو في السودان أو في مصر؟!
صور من مظاهرات الاحتجاج علي قتل بيرتا كاسيريس