الرئيسية » أخبار » الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب وباء كورونا أم طاعون الليبرالية الجديدة؟!

الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب وباء كورونا أم طاعون الليبرالية الجديدة؟!

لمحات من مسيرة جوناس سولك وبالعلم نواجه الأوبئة 

ولد جوناس سولك في نيويورك عام 1914م، الابن الأكبر من ثلاثة أطفال لأب يهودي مهاجر من روسيا، يعمل في صناعة الملابس، والأم ربة منزل، وعلى الرغم من فقر الأسرة، وربما بسببه، كان التعليم يحتل موقعا متقدما في أولوياتهم أملا في حياة أفضل لأبنائهم. وقتها لم يكن ممكنا ليهودي وفقير مثله، أن يلتحق بإحدى الجامعات المرموقة، مثل كورنيل وهارفارد وكولومبيا، التي كانت تقبل عددا محدودا من الطلاب اليهود، كانت جامعة “ييل”-مثلا- لا تقبل سوى خمسة من اليهود، واثنين من الكاثوليك، ولا تقبل الملونين، فالتحق بكلية مدينة نيويورك، وحتى يتمكن من دفع مصروفات الجامعة، كان يعمل في غير أوقات الدراسة، حتى حصل على بكالوريوس في العلوم، ثم على بكالوريوس في الطب عام 1939م.
بعد تخرجه عمل في “مستشفى جبل سيناء” حوالي ثلاث سنوات إلى أن تمكن من الحصول على منحة من جامعة “ميتشجان” ليعمل مع الدكتور “توماس فرانسيس” الذي كان يسعي من أجل تطوير لقاحات آمنة وفعالة ضد فيروسات الانفلونزا، لكن مشاركته في النشاط السياسي، وصفته الأجهزة الأمنية في تقاريرها بأنه “على أقصى اليسار”، كادت تودى بمستقبله المهني، فخضع لتحقيقات مطولة بواسطة مكتب التحقيقات الفيدرالية، وبناء على نصيحة الأصدقاء، جمد نشاطه، وإن ظل مشغولا بقضايا الفقراء.
كان شلل الأطفال قد قتل حوالى 9000 طفل، وترك حوالى 30 الف طفلا معاقا، ووقف الاطباء أمام الفيروس شبه عاجزين، وبعد أن حصل، بصعوبة، على وظيفة في جامعة “بيتسبرج”، بدأ البحث عن لقاح لهذا الفيروس اللعين. إكتشف سولك وجود ثلاثة أنماط مختلفة من فيروسات شلل الأطفال، ونجح في انتاج لقاح من فيروسات ميتة، لكن الاختبارات الأولية لم تكن مبشرة، فواصل العمل حتى تمكن أخيرا من تطوير لقاح آمن وأكثر فعالية. وحتى يطمئن الآباء والأمهات أنه لا مخاطر جانبية من هذا اللقاح، بادر بحقن نفسه وزوجته وأطفاله باللقاح.
قدمت “المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال”- وهي مؤسسة حكومية فيدرالية- الدعم لمشروعه، وتم توسيع نطاق التجربة بصورة جعلت منها واحدة من أكبر التجارب السريرية في تاريخ الطب، حيث جرى تجربة اللقاح على حوالى 2 مليون طفل من أطفال المدارس، وكانت النتائج واعدة.
في مثل هذا اليوم، 12 أبريل من عام 1955م، تمت الموافقة على استخدام اللقاح في الولايات المتحدة، وأصبح سولك بطلا قوميا في الولايات المتحدة والعالم، ودعاه الرئيس الأمريكي الأسبق “دوايت أيزنهاور” إلى حفل خاص أقيم في البيت الابيض، يومها قال الرئيس موجها كلامه إليه: ” لا توجد كلمات يمكنني أن أعبر بها عن شكري لك، كل ما استطيع قوله، هو أنى سعيد، سعيد جدا”، وكان يوما مشهودا في تاريخ الطب، والولايات المتحدة، والعالم.
أثبت اللقاح كفاءة واضحة في تخفيض أعداد المصابين بدرجة مذهلة، فبعد أن كان عدد الحالات المسجلة في عام 1952م حوالي 57 ألفا، انخفض العدد، بعد عشر سنوات من استخدام اللقاح، إلى أقل من 1000 حالة.
كان يمكن لسولك، إذا ما سجل براءة اختراع للقاحه، أن يربح ثروة هائلة، لكنه لم يفعل، واختار أن يكون اللقاح ملكا متاحا للجميع، وعندما سأله احد الصحفيين عن الثروة قال أن سيارة للمثلجات في جادة الشانزليزية في باريس يمكن أن تحقق الثروة، وعندما سئل عن صاحب براءة الاختراع قال إنها ملك مشاع للجميع، لكل الناس، وأضاف” هل يمكنك تسجيل براءة إختراع للشمس؟
في عام 1962م، أعلن طبيب آخر هو “ألبرت سابين” عن إبتكار لقاح جديد، من فيروسات حية ضعيفة، ليست ميتة، أقل تكلفة، ويعطى بالفم بدلا من الحقن، وبدأ لقاح سابين يحتل مكان لقاح سولك الذي تم إيقافه، وبدا أن البطل قد خسر مكانته فأخذ مسارا آخر.
كان يشارك صديقه الفيزيائي والروائي “سنو” فكرته أن الفجوة بين العلماء والأدباء تتسع، ومن أجل تجسير تلك الفجوة، سعى لتأسيس معهد يمكن للعقول العظيمة أن تزدهر فيه، ومولت المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال، تأسيس “معهد سولك للدراسات البيولوجية”، وتولى هو إدارته. جذب المعهد عددا من الحائزين على جائزة نوبل في مختلف دول العالم، فرانسيس كريك، روبرت هولي، ريناتو ديلبيكيو، وروجر جيلمان، وكان كل الأمريكيين الذين عملوا هناك، أعضاء في الأكاديمية الوطنية للعلوم، باستثناء “سولك” نفسه، الذى يبدو أنه حرم من عضويتها كعقوبة، ويبدو أنها كانت عقوبة أبدية. في عام 1968م، وقع في غرام الرسامة الفرنسية “فرانسواز جيلو”، العشيقة السابقة للفنان الإسباني الشهير “بابلو بيكاسو”، فانفصل عن زوجته، وتزوجها وعاشا معا حتى وفاته بسبب أزمة قلبية في 23 يونيو عام 1995م.
كان يؤمن أن الأمل يكمن في الحلم، في الخيال، وفى أولئك الذين يستطيعون تحويل الحلم إلى حقيقة، لكنه لم يعش، ليرى انتصاره النهائي، فبعد أن تم إيقاف استخدام اللقاح -لسنوات- عادت الولايات المتحدة والعالم، لاستخدام اللقاحين، معا، في محاولة للقضاء نهائيا على شلل الأطفال، ويبدو أن حلم القضاء على شلل الأطفال قد تحقق أو على الأقل صار وشيكا.
لم يقتصر عمله على البحوث الطبية فقط، فكتب عددا من الكتب في موضوعات فلسفية وانسانية، وصدر له كتاب    ” رجل يتفتح” عام 1972م، وكتاب “البقاء للأحكم” عام 1973م. لم يحصل سولك على جائزة نوبل، لكنه حصل على لقب “عالم الناس”، واحتل مكانة رفيعة في تاريخ الطب، باعتباره الطبيب الانسان الذى نجح في إيقاف شلل الأطفال وتخفيف معاناة الملايين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.