Site icon بوابة التحالف الإخبارية

الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب ” حتى لا تخدعنا الشركات مرتين!!”

حتى لا تخدعنا الشركات مرتين!!
الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي
الشركات تحكم العالم، وتتحكم شركات الدواء العملاقة في المؤسسات الطبية في العالم كله، إخترقت الشركات المدارس والجامعات ومراكز البحوث، والدوريات الطبية ووسائل الإعلام، وحتى البرلمانات، وتكاد، لا توجد مؤسسة طبية في العالم لم تختطفها هذه الشركات، بما فيها مؤسسة جائزة نوبل.
في عام 1986م، منحت جائزة نوبل في الطب لكل من الإيطالية “ريتا ليفي مونتالشينى”، و”ستانلي كوهين”، لاكتشافهما عامل النمو العصبي، وما سوف يترتب على هذا الإكتشاف من تطوير عقاقير لعلاج أمراض ألزهايمر والعقم وبعض أنواع السرطان.
وبعد 18 عاما، وفى عام 2004م، شهد وزير الصحة الإيطالي الأسبق “دويليو يوجيولينى” في إطار تحقيقات حول الفساد، أن شركة الدواء الإيطالية “فيديا”، والتي تنتج عقاقير لعلاج هذه الأمراض، دفعت أموالا في مقابل شراء الجائزة، لكن القضية تمت تسويتها سريعا.
وفى عام 2008م، فاز الألماني “هارولد تزور- هاوزن” مناصفة بالجائزة لاكتشافه فيروسات الورم الحليمى البشرى(HPV)، والذى يعتقد أنه السبب في مرض سرطان عنق الرحم.
لكن لم تمر أيام، حتى ثارت تساؤلات حول شبكة العلاقات المالية -المريبة- التي تربط بين شركات الدواء العملاقة ومؤسسة جائزة نوبل.
وتلقت وحدة مكافحة الفساد بوزارة الداخلية السويدية بلاغات تتهم شركة الدواء العملاقة “أسترا زينيكا”، ومقرها لندن، باستخدام نفوذها لدى لجنة الجائزة والتأثير على قرارها، وأن الشركة تربطها علاقات مالية قوية، بصناع القرار في اللجنة.
وطبقا لتقارير من “فارمالوت” ومجلة “ديسكوفر”، فإن الشركة كانت قد وافقت على “رعاية” وسائط إعلام وموقع الجائزة على شبكة الإنترنت، وهي أيضا الراعي المالي الرسمي لشركتين من الشركات التابعة للمؤسسة، و لها صلات قوية بإثنين على الأقل من كبار شخصيات اللجنة.
وأن رئيسا للجنة من خمسة أعضاء، هم من قرروا اسم الفائز، قد عمل مستشارا بأجر لدى الشركة منذ عام 2006م، وأن عضوا بارزا آخر في اللجنة قد تلقوا أموالا من الشركة، وأن إحدى الشركات التابعة لشركة “أسترا زينيكا”، قد حصلت على براءة اختراع للقاحات ضد الفيروس.
ونشرت صحيفة “تايم” اللندنية تقريرا كان عنوانه “فضيحة كبرى تهز عرش مؤسسة نوبل”، وأشارت الصحيفة إلى إن أحد أعضاء اللجنة، هو عضو في مجلس مستشاري شركة “أسترا زينيكا”، هو المستفيد المباشر والأكبر من جائزة هذا العام،
وأن النيابة العامة السويدية قد فتحت تحقيقا موازيا في اتهامات بالرشوة، بعد اعتراف عدد من أعضاء اللجنة، أنهم تمتعوا برحلات مدفوعة التكاليف إلى الصين، وطالت التحقيقات المدير التنفيذي للمؤسسة “مايكل سولمان”.
لم تقتصر الشبهات على جائزة فيروس الورم الحليمى البشرى(HPV) فقط، بل حامت شبهات قوية حول النصف الثاني للجائزة، وكان قد منح للفرنسيين “لوك مونتانييه” و” فرانسواز بارى سينوسى”، لاكتشافهما فيروس نقص المناعة البشرى(HIV).
كان إسم “جان أندرسون”، المتحدث الرسمي باسم لجنة الجائزة، مدرجا على قوائم رواتب شركة “جلاكسو سميث كلاين” للأدوية منذ عشر سنوات تقريبا، وفي الوقت نفسه، هو مؤسس لشركة سويدية تعمل في إنتاج لقاحات ضد فيروس نقص المناعة.
لماذا استبعد روبرت جالو من الجائزة؟
درس روبرت جالو في “كلية بروفيدنس” وتخصص في علم الأحياء، وبعد تخرجه، درس الطب في كلية “توماس جيفرسون” بجامعة فيلاديلفيا، بعدها عمل مع “آلان إرسليف”، أول من اكتشف عامل النمو، وهو من قدمه إلى المعاهد الوطنية الصحية، وبناء على توصية منه، عمل في مستشفيات جامعة شيكاجو، التي كانت آنذاك مركزا متقدما لبحوث بيولوجيا الدم، بعدها انضم إلى المعهد الوطني للسرطان بولاية ميريلاند، وفى عام 1971م، أصبح رئيسا لمختبر بيولوجيا الأورام.
في عام 1975م، أعلن مع زميله “روبرت جالاجر” اكتشافهما للفيروس المسبب لسرطان الدم، لكن اتضح فيما بعد، أن ذلك الفيروس لم يكن سوى فيروسا حيوانيا، وليس بشريا!ورغم تضرر سمعته واصل بحوثه حتى تمكن من اكتشاف أحد عوامل النمو للخلايا، والذى اتضح فيما بعد، علاقته ببعض أنواع سرطان الدم والأمراض العصبية.
ظهر مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في بداية الثمانينات، وتم تكليفه برئاسة فريق عمل الإيدز بالمعهد الوطني للسرطان. كان جالو يعتقد بوجود أوجه تشابه بين الفيروسات المسببة لسرطان الدم، وتلك المسببة للإيدز، خصوصا طرق انتقالها، وبدا له أن فيروسا من النوع الرجعى هو سبب الإيدز،
ونجح جالو في تحديد فيروس الإيدز، وسماه (HTLV-III)، ونشر نتائجه في مجلة العلوم في أول مايو 1984م، وطور اختبارا لفحص الدم للكشف عن الإيدز، وتقدم بأوراقه للحصول على براءة اختراع.
لكن الفرنسي “لوك مونتانييه”، كان قد نشر -قبل عام تقريبا- وفي نفس الدورية، بحثا قال فيه أنه اكتشف فيروسا، أسماه (LAV)، وعلى عكس جالو، لم يبرهن مونتانييه أن هذا الفيروس هو سبب الإيدز، وتقدم للحصول على براءة اختراع للكشف عن الإيدز في الدم، قبل جالو بسبعة أشهر.
منحت الولايات المتحدة الأمريكية “جالو” براءة الاختراع، فقامت الحكومة الفرنسية بمقاضاة الحكومة الأمريكية، ودارت مناقشات ومفاوضات ساخنة، وتم تبادل الإتهامات بين العالمين،
ولم ينته الخلاف بينهما إلا في عام 1987م، بعدما عرض عليهما “جوناس سالك” (مخترع لقاح شلل الأطفال الذى لم يحصل على أي عائد من لقاحه)، أن يقتسما براءة الاختراع والمكاسب المالية، وهو ما وافقا عليه !!.
وأثيرت القضية مرة ثاتية في عام 1989م، عندما نشر “جون كريدسون” تحقيقا في صحيفة “شيكاجو تريبيون”، اتهم فيه “جالو” بعدم الأمانة، و قال ان فيروس (LAV)، الذى اكتشفه مونتانييه، هو نفسه فيروس (HTLV-III)، وان “جالو” قد اطلع على اكتشاف مونتانييه، الذى سبقه بعام تقريبا، وأن بحث “جالو” المنشور عام 1984م، قد تضمن صورة لفيروس مونتانييه، وشكل الكونجرس لجنة للتحقيق في الموضوع.
في نهاية العام 1991م، أصدرت مفوضية النزاهة بوزارة الصحة الأمريكية قرارها بإدانة كل من جالو، ومساعده “ميكولاس بوبوفيتش”، بسوء السلوك العلمي، لكنهما استأنفا ضد القرار، وفى نهاية عام 1993م، أصدرت مفوضية النزاهة حكما نهائيا ببراءتهما من تهمة سوء السلوك العلمي.
في عام 2001 أعلن “جالو” عن اكتشاف لقاح ضد الإيدز، ونجاح تجربته على القردة، ما اعتبر خطوة هامة في طريق الوصول للقاح بشرى ضد المرض، كما شارك في تطوير طريقة لفحص الدم للكشف عن مرض جنون البقر.
حصل جالو على الكثير من الجوائز، منها جائزة “ألبرت لاسكر” المرموقة، مرتين، لبحوثه عن علاقة الفيروسات بالسرطان، ولأعماله على فيروس الإيدز، وميدالية الشرف من جمعية السرطان الأمريكية، وجائزة بحوث السرطان، وجائزة اليابان للعلوم والتكنولوجيا ، فضلا عن 11 درجة دكتوراه فخرية من جامعات مختلفة داخل وخارج الولايات المتحدة.
لكنه لم يحصل على جائزة نوبل، رغم أنه في نظر الكثيرين، كان يستحق المشاركة في جائزة عام 2008، ووقع 106 عالما وباحثا خطابا مفتوحا، نشرته مجلة العلوم الأمريكية، قالوا فيه “أن الفائزين بالجائزة يستحقونها بالفعل، لكن كان يتعين تقدير مساهمة جالو”، وفى حوار صحفي، قال “لوك مونتانييه” أنه فوجئ بأن الجائزة لم يتم تقاسمها مع جالو.
Exit mobile version