الدكتور حمدي عبدالحافظ يكتب :في العلاقات الروسية العربية .من يلوم من ؟
ذات يوم وصف الدبلوماسي الروسي المخضرم ورجل الدولة السابق يفجيني بريماكوف (رحمه الله) علاقة العرب (ومن بينهم المصريين) ببلاده(الاتحاد السوفييتي ومن بعده روسيا)بانها علاقة اضطرار وليس اختيار.بمعني أن العواصم العربية لا تخاطب ود موسكو طالبة المساعدة الا مضطرة.
القادة الروس علي مختلف مشاربهم (ومن بينهم الرئيس الحالي فلاديمير بوتين )علي قناعة راسخة بأن مليارات الدولارات العربية هي التي مولت الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة (عبر الوكلاء) ضد روسيا في أفغانستان وفي الشيشان ،هذا الي جانب مشاركة الآلاف من المتطوعين العرب بصورة مباشرة في هذه الحروب.وحتي بعد أن نزعت موسكو القناع الأيديولوجي عن وجهها (بعد تفكك وانهيار الدولة السوفيتية )واستبدلته بقناع برجماتي استمرت العواصم العربية في كيدها وكيلها لروسيا في المحافل الدولية .تجلي عداء “العرب” لروسيا في انحياذهم للموقف الأمريكي وللمقترحات الأمريكية التي سعت واشنطن الي تمريرها عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والتي استهدفت تشديد الحصار الاقتصادي علي موسكو عقابا لها علي قرارها بضم إقليم القرم او الدفع بقواتها الي إقليم ابخازيا في جورجيا .
ما أعلنه وصرح به مؤخرا زعماء الإمارات العربية الخليجية (وفي المقدمة منهم إمارة قطر) بأنهم أنفقوا مليارات الدولارات وأسسوا العديد من التنظيمات الجهادية (وحتي التكفيرية) بطلب من واشنطن للتصدي لما أسموه بالتغلغل السوفييتي الشيوعي (ومن بعده الروسي) في العالم (وفي المنطقة العربية ايضا) كفيل بتفسير “التحفظ ” الروسي تجاه العديد من العواصم العربية. المناهضون (علي الدوام في كل مناسبة وبدونها) لروسيا ربما يلقون باللوم علي موسكو لدورها ومسئوليتها عن حالة العداء المستحكم السائدة بين العواصم العربية وعن تأمرها علي بعضها البعض والضلوع في مؤامرات داخلية وخارجية للإطاحة ببعض الأنظمة وقتل قادتها (صدام في العراق والقذافي في ليبيا ) وتهديد سيادتها الوطنية . بل وعندما اتخذت القيادة الروسية قرارها بارسال قواتها الي سوريا (بطلب من القيادة السورية)سارع العرب (كل العرب) بإدانة الخطوة الروسية وبمعاقبة دمشق وطردها من الجامعة العربية.
لروسيا مصالح واضحة ومحددة في سوريا: الحفاظ علي موقع قدم لها في المنطقة و القضاء علي تهديد التنظيمات الارهابية للامن القومي الروسي ، ومن بينها تنظيم” إمارة القوقاز” الذي اتخذ من الاراضي السورية معقلا له و ضم في صفوفه ما يقرب من ثلاثة آلاف مقاتل من أصول روسية.علي خلفية كل موقف عربي غائب ومصري باهت .لا مكان للضعفاء في عالم اليوم و لا في التاريخ أيضا. روسيا تنطلق وتدافع عن مصالحها وهذا أمر مفهوم ومبرر وملاقاتها لما يمكن اعتباره مصلحة عربية يحدث عابرا علي مسرح المنافسة الروسية الأمريكية ليس أكثر .
الموقف البرجماتي لروسيا المعاصرة لم ولن يغيب عن ” الحالة الليبية”الراهنة .موسكو لا تخفي دعمها للجنرال حفتر. وجاءت دعوتها بعقد هدنة بين الفرقاء الليبيين واستضافة لقاء المصالحة بينهما لقطع الطريق علي اردوجان والحيلولة (في وقت يبدو ضائعا) دون إرسال المزيد من القوات التركية الي ليبيا. غادر حفتر العاصمة الروسية يوم أمس دون التوقيع علي وثيقة موسكو بسبب خلوها من جدول زمني يقضي بحل التنظيمات المسلحة (التي يغلب عليها الطابع الارهابي والموالي لتركيا ) ولرفضه للدور التركي المنصوص عليه في الوثيقة بمشاركة اسطنبول في اللجنة المشرفة علي وقف إطلاق النيران. لم تكن موسكو قد أكدت بعد مغادرة الجنرال الليبي أراضيها حتي سارع ” الخليفة ” العثماني بتوعده بدرس قاس وبعقاب صارم جراء فعلته .
في كل مأزق عربي جديد يجد العالم نفسه (وفي المقدمة روسيا) امام خيار صعب – بين السيئ والأسوأ. هذا ما يفسر انحياز الكرملين للجنرال حفتر .لأسباب جيوسياسية و برجماتية من المستبعد حدوث تحالف بين روسيا وتركيا في المسألة الليبية ومن المرجح توقع المزيد من الوضوح والتطور في موقف الكرملين حيال ليبيا استنادا الي التطور المتسارع في ميزان القوي علي الساحة الليبية .ومن شأن ظهور موقف عربي فاعل و مناهض للاطماع التركية في المنطقة ان يساعد في بلورة موقف روسي يخدم هذا الاتجاه – قطع الطريق علي أطماع وأحلام اسطنبول باستعادة “خلافتها “وسيطرتها علي المنطقة.
حمدي عبدالحافظ
2020/1/15