الرئيسية » فن وثقافة » د.صفاء الليثي تكتب : “عيار ناري ” في جسد ثورة يناير

د.صفاء الليثي تكتب : “عيار ناري ” في جسد ثورة يناير

بعد تراجع إنتاج الفيلم المصري، وتعاظم المهرجانات أصبح شغلها الشاغل اقتناص فيلم مصري للعرض في برامجه، وبعد اختيار “يوم الدين ” للمشاركة في مهرجان الجون بدورته الثانية أعلن أن هناك فيلم مصري آخر، وحين ظهر اسم صناعه أصبحنا في شوق لمشاهدة فيلم يملؤنا التفاؤل بأن يكون جيدا، على البعد كان المخرج الشاب كريم الشناوي يبتسم مهللا لرؤيتي فقد تابعت أعمالا قصيرة له وأثنيت عليها، ولدهشتي كان هيثم دبور يتعمد تجاهلي كلما التقينا وقد وضح لي السبب بعد مشاهدة فيلم ” عيار ناري” الذي وجدته كارثيا على مستوى الشكل والمضمون معا. كيف لهيثم دبور صاحب سيناريو ” فوتوكوبي ” الذي يركز على قصة حب بين رجل (رجل برة ورجل جوه) كما يصف نفسه ، وأرملة تعاني من السرطان، في جو رسمه المخرج تامر عشري لبناية يقومون بطلاء واجهتها فيسقط الطلاء على يافطة محل الرجل في دلالة قوية على هذا الزحف للتجديد الشكلي . لم يتعاون هيثم مع تامر عشري في عيار ناري ولكن مع كريم الشناوي ،أحدث الفيلم هزة وغضبا بداية من محاولة فاشلة لسرد فيلم (جريمة وتشويق) كما يصفه صانعوه، وجاء السرد مملا رغم اتخاذ شكل التحقيق الصحفي للصحفية التي تقوم بها النجمة روبي. حشد للفيلم كل نجوم الفترة، فالبطل (الذي ويا للسخرية وصفه أحد المدافعين عن الفيلم بأنه بطل لامنتمي) طبيب في مصلحة الطب الشرعي سكير حتى أنه يضع زجاجات الخمر في إحدى ثلاجات الموتى، غير بار بوالده وتأتي أخته لتلح عليه في السؤال عن والدهما المريض وهو وزير سابق استبعد لأنه مختلف عن الآخرين. هذا البطل الضد يكتب تقرير التشريح لألحد شهداء ثورة يناير كما وجدها – رغم سكره- بأن الوفاة حدثت نتيجة طلقة في الصدر من مسافة قريبة ، “عيار ناري ” من مصدر قريب، يصور المخرج مشهدا لأخ المتوفي ، محمد ممدوح نجما آخر حشده الفيلم بعد وضع شنب له ليبدو كعامل كما حددوا مهنته. الأخ مع مجموعة من الثائرين يكاد أن يفتكوا بالطبيب الذي خرج لهم ليؤكد صحة تقريره في مشهد عبثي فقد خرج الطبيب لمواجهة الثائرين ، وبعد حركة أمريكاني يشير الفيشاوي في دور الطبيب الطلقة جت من مسافة زي اللي بيني وبينك كده. يعود الى داخل المشرحة ويغلق الباب الحديدي. رئيسته مديرة المصلحة توبخه وتطلب منه كتابة تقرير آخر، ولكنه وهو المعارض المتمسك برأيه يصر على تقريره الذي تسرب بالروشة للصحفية فتنشره وتثور ثائرة أهل المتوفي، أخوه وجيرانه.

الرئيسة وتؤدي دورها في صرامتها المعروفة صفاء الطوخي تكتب تقريرا آخر بأن الطلقة من قناص عن بعد . هكذا اذن ، فلم يمت الشهيد من رصاصة قناص الشرطة ولكن الحقيقة التي كتبها وأصر عليها الطبيب الشاب أنه نتجت عن مشاجرة عائلية، قامت أم الميت بتمثيلية لإبعاد شبهة القتل عن ابنها الآخر مستغلة أحداث – سموها لاظوغلي- بل إنها تركت الجثة لتصرخ بأن ابنها عاد شهيدا من الثورة.

ركاكة محاولة عمل فيلم بوليسي يقوم فيه الطبيب كما الأفلام الأمريكاني بالتحقيق بنفسه والتنقل في الحارة وبيت الشهيد الزائف ليكشف الحقيقة بنفسه. وفي مشهد قديم قدم سينما تحاول أن تنتهي بتفسير الحدث تشرح الأم الممثلة عارفة عبد الرسول كيف حدث ما حدث . كنا شاهدنا مواجهة بينها وبين الابن الحي ماينفعش يا امة الناس بتسأل عليكي لام تظهري ، ضغط منه بينما تخرط البصل الذي كان يحبه الشهيد في السلطة، مشهد مصنوع باعتقاد من المخرج بأنه يبدع، وهو أقرب إلى ما يطلق عليه الشباب بالافتكاس، وبالمناسبة فقد دفع هذا المشهد بكثير من الحضور من الشباب الى مغادرة القاعة ( لا كفاية بقى كده) والخلاصة الي يرغبون في الوصول إليها تبرئة القناصة من دم الشهيد المزيف الذي حصلت أسرته على شقة ، أخذها أخوه الندل ليتزوج من خطيبته التي حملت منه وكان لابد من التستر على البنت فيتزوج الأخ من خطيبة أخيه القتيل ويحصل على الشقة بينما تفوز الأم بعمرة، ويحدث كل هذا بتواطؤ من كل سكان الحارة الذين يذكرون أن الشهيد كان شقيا مالوش في السياسة ولكنه راح مع الرائحين. أحد المدافعين عن الفيلم يكرر أن هذه قصة أحد من الشهداء الثمانية، واحد ليس شهيدا كما يتضح والسبعة الآخرين شهداء بالفعل. طبعا لا يوجد أي حديث سوى عن هذا القتيل في جريمة عائلية. يدرك المحدث أن الفن انتقاء وحين تنتقي حالة خاصة فيكون بغرض نقلها من الخاص إلى العام ، وما ينتهى لدى المشاهد العادي أنه لا شهيد ولا يحزنون، انتم تقاتلتم فيما بينكم، قتلتم واحصلت دون استحقاق على شقة وعمرة..فات صناع الفيلم أن حصول هذه التعويضات لا يحدث هكذا بين يوم وليلة ولا في أسبوع بل قد تمضي أعوام .

ماالذي يدفع شابا يقدم عمله الأول إلى اختيار هذه القصة المتهافتة – والتي روجتها أجهزة ما عن شخص احتسب شهيدا بينما كان بلطجيا في بين السرايات، وقصة عن شهيد آخر كان مسجل خطر في الدويقة، شهيد الفيلم ابن عاق صوره الفيلم في مشهد شديد الرداءة يجر أمه من شعرها ليجبرها على توقيع تنازل له عن البيت، لماذا؟ ليتزوج خطيبته التي حملت منه قبل كتب الكتاب. أدى هذا الدور القصير الممثل أحمد مالك، وله قصة شهيره على توزيعه (كاندوم) على هيئة بالونات على جنود الشرطة وضباطها في احتفال بعيد الشرطة. هل شارك مالك في هذا الفيلم ليكفر عن خطيئته في موقفه (الثوري) السابق من الشرطة التي ثبت براءتها من دم هذا الشهيد ، وبالتالي من دماء غيره . حين عرض الفيلم لم يكن معروفا على نطاق واسع أنه من إنتاج نجيب ساويرس مؤسس مهرجان الجونة ورئيسه. قبل العرض قدم المدير العام للمهرجان الفيلم بأنه (جاءنا هدية ) وطلب من المخرج تقديم فريق عمله. هل كان انتشال التميمي يتبرأ من شبهة اختيار الفيلم فصاغ المعلومة بذكاء؟ مراجعة الفيلم في كتالوج المهرجان كتبها المخرج أمير رمسيس المدير الفني للمهرجان ومسئول البرمجة مما يعني أنه شاهد الفيلم قبل أن يتفقوا على عرضه خارج المسابقة.
فيلم يحشد له نجوم العصر:أحمد الفيشاوي، محمد ممدوح، أحمد مالك، روبي وهنا شيحة، وأسماء أبو اليزيد وعارفة عبد الرسول وصفاء الطوخي، ومعهم أيضا اللمثل القدير أحمد كمال ، ويدعم الإنتاج محمد حفظي الذي دعم ويدعم أفلاما قوية جديدة لمخرجات ومخرجين ومنها فيلم ” فرش وغطا” الذي يقدم صورة للبلاد عما حدث يوم فتح السجون وما بعدها بشكل فني كبير وبانحياز للشعب . هل يتعرض رجال الأعمال في مصر لضغوط تجعلهم ينتجون أعمالا تختلف عن قناعات سابقة، لماذا تشارك عارفة عبد الرسول فنانة الحكي فيلما يدين أسرة مصرية فيصور أفرادها جميعا نصابين بلا ضمير ؟ كيف يقبل كل هؤلاء النجوم وكلهم معروفين بموقفهم الإيجابي من ثورة 25 يناير الذي أطلق عليها الفيلم “عيار ناري ” أعتقد أنه سيطيش ويرتد إلى صناعه (علشان ما يعملوش كده تاني) .
صفاء الليثي
شاهدت الفيلم في مهرجان الجونة 2

                                           قبل عرضه تجاريا 3 أكتوبر 2018 .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.