الرئيسية » مقالات » محمد حليم يجيب علي سؤال : هل فشلت ثورة 1919؟

محمد حليم يجيب علي سؤال : هل فشلت ثورة 1919؟

“يتحدثون عن الثورة بلا معرفة ،لم يسمعوا عنها ،حكى لهم الراوي المأجور حكاية ذائفة ،كاذبة، يبدأ المدرس المغلوب على أمره بالسؤال الخائن : لماذا فشلت ثورة 1919؟ يا ابناء الابالسه الا توجد قطرة حياء ؟! يا زبانية المعتقلات وعباد نيرون ،ها هو علوان –الناصري- يلوح بيده ويذهب حاملا خيبة فرد وجيلا معا …”

نجيب محفوظ ،،

رواية يوم قتل الزعيم ،،

كلما ابعدنا الزمان عن حدث ما ،كلما تلاشت تفاصيله وفقدت ملامحه ،وفي عصر ثقافة “الفيس بوك” وفديوهات اليوتيوب وتواري القراءة ،لا عجب ان نسمع البعض يتحدث عن روعة الحياة في ظل الاحتلال وعن قوة الاقتصاد المصري حينئذ ،وفي مراحل انتكاس الثورات لا بد ان تعلو نبرة الهجوم عن الشعب ووصفة بالخمول والاستسلام وبالمازوخية احيانا ،فما بالنا اذا تجمعت عوامل تسطيح الثقافة وتغييب الوعي وحالة الانتكاس الثوري التي نعاصرها اليوم ؟

بهذا المقال ساحاول القاء الضوء على نقطة مضيئة في مسيرة شعبنا الثائر ،تلك النقطة التي طالما تم التعتيم عليها ،اقوم بتلك المحاولة وكلي ايمان ان كلماتي القليلة لن تسعفني ،لكن ايماني العميق بان وظيفة الكتابة التاريخية تتعدى مجرد عرض وقائع واحداث تاريخية مضت ويظن البعض انها انقطعت بلا رجعة ، الى عرض للعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شكلت تاريخنا الوطني ،لانه دون ادراك تلك العوامل لن نستطيع استخلاص الدروس التي يمنحنا اياها التاريخ لتعيننا على تحديد الخطوط العامة لمستقبلنا التي يجب ان نسترشد بها للخلاص من كل مستغل وطني كان ام محلي ، يحول بيننا وبين الحرية التي هي اغلى ما يملكه الانسان.

“يشترك جميع الثائرين في عنصر واحد ،على اختلاف اهدافهم ومقاصدهم السياسية واسسهم الاجتماعية ،وهذا العنصر هو خيبة الامل”

كتاب الثائرون ،،

بريان كروزيير،،

أقل ما يمكن ان نصف به الوجدان الجمعي للمصريين بعد الحرب العالمية الاولى 1914-1918 هو خيبة الامل ،لقد تمزق المجتمع المصري في ظل الاحتلال وفي ظل الحرب كما لم يتمزق من قبل ،فأنقسم المجتمع الى حفنة من الاثرياء الذين يزدادون ثراءا و غلبة كاسحة من جموع الفقراء الذين يزدادون فقرا ،الاسعار تتضاعف والسرقات تنتشر والدعارة تغزو كل حي.

وعلى الصعيد السياسي كان الاحتلال والقصر يشكلون جبهة لمواجهة طموح الاستقلال الذي تولد لدى جموع المصريين بعد وعود انجلترا قبل واثناء الحرب العالمية الاولى بمنح المستعمرات استقلالها .

وعلى الصعيد الدولي كانت الثورة الشيوعية في روسيا 1917 قد انتصرت وازالت الحكم القيصري ونجحت لأول مرة بالتاريخ في اقامة دولة العمال والفلاحين ،واستطاعت الانتصار على الاقطاع والاحتلال واخذت تمضي في رحاب التصنيع وبناء اقتصاد مستقل وجيش شعبي قوي لمواجهة قوى الاستعمار والراسمالية العالمية .

فكان لابد من الانفجار والثورة ، فكانت ثورة 1919،،

في اواخر عام 1918 تشكل الوفد المطالب بالاستقلال والغاء الحماية الانجليزية عن مصر ،من ثلاثة هم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي ،كان سقف المطالب وقتئذ منخفض ومتواضع يدور حول فكرتين اساسيتين هما ،الاستقلال عن بريطانيا واقامة حكومة دستورية لحكم البلاد تتعهد بحماية المصالح البريطانية في مصر وفي قناة السويس وتعترف بالاعمال الجليلة التي اقامتها سلطات الاحتلال في مصر !!

وكانت الوسيلة الحصرية التي ارتأتها قيادة الوفد لتحقيق تلك المطالب هي المفاوضة ،والمفاوضة وفقط والنضال السلمي ضد قوات الاحتلال وبلوكات النظام المدججة بالسلاح!!

الا ان حركة الشارع – كالعادة – كانت اسرع من الحركة الرتيبة لقيادة الوفد، ففي 9 مارس 1919 هب الطلبة المصريون في مظاهرات واحتجاجات ملؤا بها الساحات والميادين ،مطالبين بالحرية والاستقلال ، فكان رد الاحتلال مئات من القتلى والجرحى والمعتقلين ،وهنا انضمت الحركة العمالية الى ساحة النضال بجانب الحركة الطلابية في المدارس والجامعات واضرب عمال الترام في 11 مارس واضرب عمال العنابر في 15 مارس وتوالت بعد ذلك اضرابات عمال الفنارات والاحواض والورش الحكومية بالاسكندرية وخرجت المراة المصرية الى المظاهرات لاول مرة بالتاريخ في 16 مارس ،فكان رد الاحتلال ان اعتقل سعد زغلول ورفاقه في 18 مارس1919 واعلن الاحكام العرفية “قانون الطوارئ”.

لتتسع دائرة الاحتجاج والتظاهرات لتشمل المحامون الاهليون والشرعيون باضرابهم ،بل ويشترك موظفي الحكومة في اخر الامر في 2 ابريل 1919.

وكما تخبرنا الخبرة التاريخية الثورية ان كل يوم جديد تحت سماء الثورة هو مسار جديد لتلك الثورة وفضاء ارحب لاشكال النضال في خضم الثورة، فها هي الاحياء الشعبية تمتلئ بالحواجز والمتاريس لتعطل سير عربات الاحتلال البريطاني ،وها هي الحفر والخنادق تضرب بميادين وشوارع القاهرة والاسكندرية لتنطلق منها الحجارة على قوات الاحتلال.

وفي الريف تم قطع خطوط السكك الحديدية واسلاك التلغراف والتلفونات وتم تحطيم المحطات .

وفي الصعيد هجم الثوار على مكاتب الحكومة ومراكز البوليس واتخذت الثورة شكلا مسلحا في الفيوم ،حين هجم البدو على قوات الاحتلال ،وحين هاجم الفلاحون المسلحون في ديروط وديرمواس قطارا محملا بقوات الاحتلال ،وحين هاجم الفلاحون في اسيوط مراكز البوليس في المدينة واستولوا على السلاح ثم هاجموا به قوات الاحتلال التي لم تستطع صدهم الا بامدادات عبر الجو والبحر.

وهكذا سطر الشعب المصري بدماء ابناءه اروع صفحات النضال العالمي ضد الاحتلال ومقاومة الاستعمار، فكانت ثورة 19 ، التي ظلت اسيرة الاتهام الباطل بالفشل .

في الجزء الثاني من هذا المقال سوف نتتبع اهم ما حققته ثورة 1919 في مختلف نواحي الحياة المصرية الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بل والفنية ايضا .

المراجع :

1-شهدي عطية ، تطور الحركة الوطنية المصرية،مطبعة اطلس ،القاهرة ،1957.

2-بريان كروزيير ،الثائرون ،المؤسسة المصرية العامة للتاليف والانباء والنشر ،الطبعة الثانية ،1966.

3- احتفالية اللجنة التثقيفية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكية بالدقهلية .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.