الرئيسية » أخبار » مدحت الزاهد يكتب ما الذى أسقطته وأثبتته أحداث العوامية

مدحت الزاهد يكتب ما الذى أسقطته وأثبتته أحداث العوامية

ما الذى اسقطته واثبتته احداث العوامية
يكثف استشهاد المصرى الجدع الحر عويس ابو الراوى وماتلاه من احداث طبيعة المشهد العام فى مصر بكل ما ينطوى عليه ثاره لكرامته وكرامة أبيه والدماء التى سالت بعد إصابته من دلالات رمزية كاشفة لطبيعة المرحلة :
١- اسقطت الاحداث المقولة التى تحكم الحياة العامة والسياسية واداء الاجهزة الأمنية وهى مقولة: اذا تعارض الامن مع الحرية فالأولوية للأمن واذا تعارض الأمن مع حقوق الإنسان فالأولوية للأمن واذا تعارض الأمن مع القانون فالأولوية للأمن، قد يكون هناك ضحايا، نعالجها بجبر الخواطر، لكن ضابطا لن يحاسب لو استخدم القوة خارج نطاق القانون ، فالأولوية للأمن، الأولوية للأمن.
٢- وعلى العكس، أثبتت أحداث العوامية ، أن الأمن والحرية وحقوق الانسان ودولة القانون والمواطنة، بالنسبة لأى نظام رشيد، هى عناصر فى عقد اجتماعى متكامل وأطراف فى أسرة واحدة لو تغول عنصرها الأمنى على باقى العناصر أختلت المنظومة وفقدت شرعيتها وأختل القانون والمواطنة والأمن معا وانحدر النظام الى حافة الهاوية.
٣- وأثبتت أحداث العوامية خطورة وضع حاكم أو جهاز أو مؤسسة فوق الرقابة والحساب، وأن هذا المناخ ينتج ظاهرة الضابط الفتوة ، حتى لو صدرت فى مواجهة أزمة عابرة تعليمات أو تدابير مشددة، فهى ظاهرة لا يمكن مواجهتها إلا بتغيير المعادلة، ومراجعة وهم إمكانية تحقيق الأمن بعيداً عن احترام القانون وحقوق المواطنة وما أكدته الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان عن احترام الكرامة البشرية والحق فى الحياة.. ووهم أن هيبة الحاكم والحكومة والأجهزة تتحقق بقوة القبضة وامتثال الرعايا، بصرف النظر عن الرشد والعقل والحكمة والذكاء.
٤- واثبتت احداث العوامية وغيرها أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، وكشفت عوار تعديلات دستور ٢٠١٤ التى مددت فترة ودورات الرياسة وقلصت مساحات استقلال القضاء ووفرت شروطا اضافية لبرلمان المولاة ، وأهدرت استقلال وتوازن السلطات وخلطت أدوار الاجهزة والمؤسسات وناتج هذا العوار الاعتماد على منطق القوة الغاشمة وإدارة الحكم بمنطق الأوامر وطريقة الثكنات.
٥- وأسقطت الأحداث الأخيرة القراءة المغلوطة لأسباب تفجر ثورة يناير بردها إلى ثقوب فى الجدار الأمنى لنظام مبارك يمكن معالجتها وقطع الطريق على تكرارها بسد كل “الثغرات” وتشديد القبضة وإحكام الحصار والضربات الإستباقية المتكررة وحجب الاعلام الحر والتحكم فى تشكيل المجالس النيابية الى ما يشبه التعيين الذى يفقدها دورها الرقابى والتشريعى الصحيح مع حصار الأحزاب والنقابات المستقلة وتغييب المحليات التى لو تشكلت بطريقة صحيحة لانتبهت ونبهت إلى مواطن الخلل وينابيع الغصب قبل أن تتفجر وأحسنت التعامل معها إذا تفجرت، وكل هذا أرتبط بإدارة المجتمع بطريقة سمع هس ومنطق الرأى الواحد والصوت الواحد.
٦- وأثبتت الأحداث الأخيرة للمرة الألف ان الاحتجاجات الجماهيرية لا تتسرب من ثقوب فى الجدار الأمنى، بل على الرغم من شدة قبضته، وإنها ترتبط بمنابع وروافد أخرى يصنعها الظلم الاجتماعى والتهميبش والإقصاء والهيمنة وطريقة الصوت الواحد والقبضة الغاشمة واأثبتت ايضا أن مصر لن تستقر إلا بسياسات تنتصر للشعارات التى رددتها حناجر عشرات الملايين فى الميادين : عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية وكرامة انسانية.
٧- وأسقطت أحداث العوامية منطق الصوت الواحد وإنكار الحق فى التعددية والتنوع باعتباره مصدراً للقوة والاتهامات الموجهة للمعارضة المدنية الديمقراطية بالإنتماء إلى جماعة إرهابية ومشاركتها أهدافها، خلافاً لحقيقة أن هذه المعارضة هى من ناصبت الإرهاب العداء وهى من منحت الثورة أنبل شعاراتها وهى من واجهت التعصب بحراسة المسيحيين لصلاة المسلمين وحماية المسلمين للكنيسة وهى تصدت للهيمنة الذكورية بتآخى المرأة والرجل وهى من جعلت من الميادين معارض للفن وساحات للنزهة والغناء وهى من جنبت البلاد طريق الصدام والعنف والعنف المضاد ورفعت شعار سلمية سلمية وهى تواصل مسارها لتغيير ديمقراطى.
٨- وأثبتت أحداث العوامية أنه فى مجالات الحياة يصنع كل طرف قانون الطرف الاخر، وتجريف المجال السياسى وحصاره أنتج سيناريوهات أخرى للتغيير ، تختلف فيها الشخوص والرموز والأماكن والمشاهد ، فاحداث التاريخ لا تتكرر مرتين، فمن المركز الى الاطراف إنتقلت الأحداث وقد تعود إليه ومن عمق المدينة إلى عمق الصعيد.
والخلاصة ان أحداث العوامية ومحيطها وتداعياتها لا يمكن تلخيصها بإسقاط جثمانه مضرجا فى دمه، بل بصعود روحه الى السماء وعلو مكانته فى قلوب المصريين.
والرسالة التى تبثها الأحداث ليل نهار عنوانها أفتحوا النوافذ للكرامة والعدالة والحرية وأمنحوا الأولوية لخبز وحياة الفقراء وأفتحوا الزنازين للجدعان خلف القضبان .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.