الرئيسية » صوت اليسار » مصطفى الجمال يكتب : ما هو اليسار ؟

مصطفى الجمال يكتب : ما هو اليسار ؟

نشأ تعبير “اليسار” أولاً في تسعينيات القرن الثامن عشر بفرنسا. وقد ورد تعريفه في الموسوعة البريطانية بأنه “ذلك القسم من الطيف السياسي المرتبط بشكل عام بالمساواة والسيطرة الشعبية أو الدولتية على المؤسسات الرئيسية في الحياة السياسية والاقتصادية. ويعود أصل التسمية إلى برلمان الثورة الفرنسية حيث جلس المندوبون الاشتراكيون على يمين المنصة. ويميل اليساريون إلى مناهضة مصالح النخب التقليدية، بما فيها الأثرياء والأرستقراطيين، ويدافعون عن مصالح الطبقة العاملة (البروليتاريا). ويميلون إلى اعتبار الرفاه الاجتماعي أهم ما يجب أن تستهدفه الحكومة. وتعتبر الاشتراكية هي الأيديولوجية المعيارية لليسار في معظم بلدان العالم، بينما تعتبر الشيوعية أيديولوجية يسارية أكثر جذرية” .

مع ذلك يتسع تعريف اليسار ليشمل القوى السياسية الموجودة على يسار النظام بشكل عام، أي الأقرب إلى تبني مصالح اجتماعية أكثر شعبية من مصالح النخب السائدة. ولذلك يكون من الأفضل الحديث عن اليسار الاشتراكي. ومن ثم كلما وردت كلمة “يسار” في هذه الورقة فإنها تعني اليسار الاشتراكي، سواءً كان أمميًا أم قوميًا، إصلاحيًا أم ثوريًا، منظمًا في صورة حزب أم تيار فكري أم حركة مجتمعية.

وقد ارتبط ظهور اليسار، كقوة مجتمعية وسياسية في كل البلدان، بتبلور النظام الرأسمالي وسلطة الطبقة البرجوازية. فالرأسمالية كي توجد أصلاً لا بد لها من “خلق” الطبقات العاملة. ومن ثم فإن استقبال الفكر الاشتراكي من الخارج، أو استلهامه من التاريخ الوطني، لا يكفي لبلورة حركة سياسية ليسار اشتراكي. ولعل هذا يفسر تأخر ظهور اليسار في البلدان المتخلفة، وإن كان قد ظهر في مصر في وقت مبكر نسبيًا (العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر) بفعل عوامل عديدة مثل دور المثقفين الثوريين الأجانب المتمصرين والوافدين، ودور طلاب البعثات التعليمية العائدين من أوربا متأثرين بالفكر الاشتراكي، فضلاً عن التطور الطبيعي للوعي الوطني المناهض للاستعمار، وللنخب المحلية المتواطئة معه، إلى وعي اجتماعي ثوري.

جدير بالذكر أن أول منشور “شيوعي” عرفته مصر كان عام 1897 وقد دعا المصريين إلى التمرد على الاحتلال والاحتفال بذكرى “كميونة باريس” التي وقعت أحداثها عام 1870. وأخذ العديد من المثقفين المصريين يبشرون بالفكر الاشتراكي بصور بدائية بالطبع ويغلب عليها العنصر الأخلاقي والتشوش العلمي، حتى كتب سلامة موسى عام 1913 رسالته بعنوان “الاشتراكية” بعد عودته من انجلترا، كما أصدر مصطفى حسنين المنصوري كتابه “تاريخ المذاهب الاشتراكية” عام 1915.. وتعددت الكتابات في هذا الاتجاه. واتسع الإعجاب “الشعبي” حتى بالثورة البلشفية في روسيا.

وتكررت الإضرابات العمالية في الترام والمناجم وغيرها، ونجحت النوايات الاشتراكية السرية في تاسيس الاتحاد العام للعمل في فبراير 1921. وفي أعقاب ثورة 1919 أعلن عن إنشاء “الحزب الاشتراكي المصري” في أغسطس 1921 ليكون أول حزب اشتراكي في القارة الأفريقية. لكنه تعرض للحل على يدي سعد زغلول.

وقد تعرضت التيارات والمنظمات الاشتراكية في مصر للملاحقة منذ نشأتها. سواء بالقمع البوليسي، الحظر القانوني (إلى حد اعتبار الشيوعية “جريمة اجتماعية”)، والتشويه الإعلامي. ومنذ حل حزب العشرينيات ظلت الحركة الاشتراكية محظورة، ولم يُعترف بحزب يساري حتى عام 1976.

ويمكن للكاتب إجمال بعض الملاحظات على المسيرة التاريخية لليسار المصري في النقاط التالية:

_ كان اليسار المصري أول تيار سياسي يربط بين الكفاح من أجل الاستقلال الوطني وبين البعد الاجتماعي، بمطالبته بالإصلاح الزراعي والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص.

_ أدرك اليسار المصري مبكرًا أن الاستقلال السياسي يظل شكليًا ما لم يرتبط بالاستقلال الاقتصادي عن سيطرة المنظومة الرأسمالية العالمية، وخصوصًا بناء قاعدة صناعية وطنية، وحماية السوق الوطنية.

_ أدرك اليسار المصري في مجمله أهمية البعد القومي/ العربي للثورة الوطنية المصرية، وخطورة إنشاء الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه رفض اتخاذ هذا تكئة للاعتداء على الحريات السياسية والحقوق الاجتماعية لصالح النخب.

_ نظرًا لطبيعة تركيز اليسار على البعد الطبقي، فإنه كان من أشد المدافعين عن الوحدة الوطنية، ورفض سياسة الهوية التي تحدث تصدعات وسط الشعب داخل القوى الثورية نفسها. وقد كان اليسار دومًا مدافعًا عن المواطنة ومدنية الدولة والعلمانية، وتبوأ غير المسلمين الكثير من المواقع القيادية فيه، حتى أن هذا صار من عناصر التهجم الدعائي عليه.

_ عمل اليسار المصري على النشاط في المجتمع المدني بإنشاء جمعيات ثقافية والقيام بحملات توعية صحية ومحو الأمية…الخ، لكن القيود الأمنية الشديدة تجاه أنشطته هو بشكل خاص في هذا المجال حالت دون أن يؤتي الجهد ثماره كاملة. وإن كان المثقفين والفنانين اليساريين قد قدموا إبداعات مأثورة في مجالهم.

_ اهتم اليسار المصري بتفعيل والمشاركة في الحركات الاجتماعية، خاصة وسط الطلبة والمثقفين والعمال والفلاحين والمرأة.. وتبنى القضايا المثارة وقدم فيها فكره وحلوله.

_ كما شهدت التسعينيات بداية توجه قادة يساريين للنشاط في الجمعيات الحقوقية، ونجحوا فعليًا في إرساء ثقافة حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإن أحدث هذا خلافًا داخل اليسار نفسه حول أولويات ومركز ثقل النشاط.

_ غلب على اليسار لفترة تبعيه خطابه الفكري لأي من الاتحاد السوفيتي والصين، وهو ما أوقع الكثير من عناصره في الجمود النصوصي. لذا عندما سقط النموذج السوفيتي ووقعت التطورات المعروفة في الصين بعد رحيل ماوتسي تونج، وجد الاشتراكيون أنفسهم أمام تحدي الإبداع الفكري “المصري” لفكر اشتراكي ثوري.

_ لم يتمكن اليسار المصري من التغلب دائمًا على الأمراض المرتبطة منطقيًا بالحياة السرية المفروضة على نشاطه التنظيمي لعقود طويلة، فكثرت الانقسامات، التي زادها سوءًا اعتقال الآلاف من أعضائه في مختلف العهود.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.