Site icon بوابة التحالف الإخبارية

أنور فتح الباب يكتب عن مصر والدساتير والفرص الضائعة (1)

كتب أنور فتح الباب

الحقيقة التي يجب ان يدركها أي مُهتم بالمسألة الدستورية أن فكرة الدساتير تاريخيا نشأت منذ عصور مبكرة في اوروبا  بمسميات مختلفة وان هدفها كان بشكل أساسي تقييد سلطة الحاكم لصالح اصحاب مصالح سواءا كانت فئات واسعة من  البشر او لمجموع اوسع تحت مسمي شعب أو امة الخ ……

ولعل اشهر وثيقة أتت بهذا التوجه كانت “الماجنا كارتا”  أو الميثاق الأعظم هي وثيقة إنجليزية صدرت لأول مرة عام 1215م وتم تعديلها في 2016 م  وكان ذلك في عهد الملك هنري الأول قد وصفت تلك النسخة بأنها “ الميثاق العظيم للحريات في إنجلترا  “.احتوي ميثاق عام 1215م على أمور عدة منها مطالبة الملك بأن يمنح حريات معينة وأن يقبل بأن حريته لن تكون مطلقة، وأن يوافق علناً على عدم معاقبة أي “رجل حر” إلا بموجب قانون الدولة وهذا الحق ما زال قائماً حتى اليوم في هذه الدول.  اتت الماجنا كارتا كأول وثيقة تُفرض على ملك إنجليزي من مجموعة من رعاياه و هم البارونات في محاولةً للحد من نفوذه وحماية امتيازاتهم قانونياً .

ولعل خضوع مصر وبلاد الوطن العربي لعهود الاستبداد  المتتالية في ظل الحكم المتوالي لنظم الحكم باسم الخلافة وغياب أي اجتهادات في مجال السياسة  خارج الفكر الفقهي قد أخر بلورة فكرة تقييد  سلطات الحاكم  وظلت كتب السياسة تدور في إطار ” الآداب السلطانية” وهي كتب غالبا تتحدث عن واجبات شكلية للحاكم وآداب يجب علي الرعية اتباعها في التعامل مع الخلفاء والولاة .

وإن كان د. لويس عوض يُشير إلي محاولة ” شعبية ” في أواخر القرن الثامن عشر  امام التسلط المملوكي في عام   1795م  حين ارغم الوالي العثماني والمماليك علي كتابة وثيقة  نصت علي ” ان يكف العثمانيين والمماليك عن امتداد أيديهم إلي أموال الناس ورفع المظالم المحدثة والمكوس ”  ويسمي لويس عوض هذه المحاولة ” الجنينية ” بالماجنا كارتا المصرية”

لكن الأمر الأكثر أهمية هو التطور الذي لحق بالمجتمع المصري سياسيا نتيجة تأثره بالحملة الفرنسية وبرياح التطور مع نشوء الدولة القومية الحديثة في مصر منذ عصر محمد علي واشكال وتجارب الحكم التي ادخلها والتي كانت في واقع الأمر أشكال لتنظيم إدارة الدولة وشئون الحكم ولم تمتد  لتشمل  حقوق قانونية أو دستورية محددة  للأهالي .

ولعل أول وثيقة قانونية حوت بعض المبادئ الدستورية والقانونية صدرت في عهد الخديو إسماعيل
( 1863 – 1879) وهي المرتبطة بإنشاء ” مجلس شوري النواب” 1866 وتعرف باللائحة الأساسية لمجلس شوري النواب  وتشمل نحو واحد وستون مادة  وهي  نظام للتعريف بدور المجلس وشروط الترشح له وادارة اعماله .
علي ان فكرة وضع دستور للبلاد أتت كخطوة متأخرة علي يد شريف باشا في اواخر عام 1882 وهو العام السابق لإجهاض الثورة والاحتلال  البريطاني  حيث نص الدستور في اولي مواده علي “ان كل نائب يُعتبر وكيلا عن عموم الأمة  ”  ” لأعضاء مجلس النواب  الحق في النظر  في الميزانية ومناقشتها ،وان لا تعتمد هذه الميزانية إلا بعد إقرار المجلس لها ، وعلي رئيس المجلس أن يُبلغ  ذلك إلي ناظر المالية”

علي ان فكرة قيام حياة نيابية ودستورية في مصر ازعجت الدائنين الاوربيين لمصر  خشية الحد من النفوذ الأوربي ومحاصرته فتقدمت انجلترا وفرنسا بالمذكرة المشتركة في يناير 1882 ترفضان مناقشة الميزانية بواسطة مجلس النواب وهو ما قبله شريف باشا ورفضه المجلس والضباط العرابين مما دفع شريف لتقديم استقالته واسند الخديو توفيق الوزارة إلي محمود سامي البارودي الذي اقر دستور شريف وسمح للمجلس بمناقشة الميزانية عدا الديون تجنبا للصدام مع انجلترا وفرنسا  . علي ان تطور الأمور والصدام بين العرابين والخديو  والدولتين سرع من وتائر التدخل الاجنبي وانتهي الأمر بالاحتلال البريطاني لمصر في 1882 وبحدوث الاحتلال انطوت صفحة الحياة النيابية والدستورية لتدخل مصر مسارا آخر في ظل الاحتلال.

Exit mobile version