الرئيسية » أخبار » أهداف إسرائيل فى قناة البحر الميت.. الشيطان فى التفاصيل!

أهداف إسرائيل فى قناة البحر الميت.. الشيطان فى التفاصيل!

نشرت الصفحة الرسمية لـ”القوات الجوية اليمنية 1″، على “فيس بوك”، دراسة يشير لأهداف إسرائيل فى قناة البحر الميت.

وقالت: “مع تجدد الحديث مؤخرا عن مشروع قناة البحرين فى إسرائيل، والتى تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وذلك عقب موافقة البنك الدولى على تمويل هذا المشروع، وما أعلنه وزير المواصلات الإسرائيلى فى فبراير/شباط الماضى عن اتفاق مع الأردن على مشروع مشترك لإنشاء خط سكة حديد يمتد من إسرائيل إلى العراق ودول الخليج عبر الأردن”.

وتابعت: “مع تجدد الحديث حول هذا المشروع تبرز عدة تهديدات أمنية واقتصادية تضر بالأمن العربى على مستوييه القومى والقطري، ينبغى التنبيه لمخاطرها والتحسب جيدا لمواجهتها مبكراً”.

نبوءة هرتزل وتطورها

لا يدرك الكثيرون أن هذا المشروع كان أحد أحلام ـ أو نبؤات ـ الزعيم الصهيونى تيودور هرتزل التى طرحها وإن كان بشكل مختلف فى كتابه “الأرض الموعودة” ونشره عام 1902، حين تحدث عن قناة لوصل البحر المتوسط “من هاديرا” بالبحر الميت، حين قال: “فعلا سيكون هذا مشهدا رائعا رائعاً للغاية، مع انسياب المياه بوفرة إلى أسفل على التروس البرونزية العملاقة للتوربينات التى تتحرك بسرعة فائقة وصاخبة ومنها تخرج قوة الطبيعة الهمجية التى تم وقفها والسيطرة عليها لتنقل إلى مولدات التيار الكهربائى ومن ثم وبسرعة إلى الأسلاك الممدودة فى كل أنحاء البلاد ـ البلاد الجديدة ـ العتيقة التى أحيتها هذه القوة وغمرتها حتى أضحت حديقة كبيرة ووطناً لهؤلاء الناس الذين كانوا من قبل فقراء وضعفاء ويائسين ومنبوذين” “آرئيل شنيال معاريف 15/3/2004” وبعد ذلك بسنوات وضع عدد من المهندسين البريطانيين والألمان مشروعات لمد نفس القناة من البحر المتوسط إلى البحر الميت ولكن بغرض توليد الكهرباء، كما نوقش فى المؤتمرات الصهيونية التى عقدت بعد ذلك.

وفى الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد قيام إسرائيل عام 1948، قام د. والتر لودرميلك ـ الخبير فى التربة ويطلق اسمه حاليا على كلية الهندسة الزراعية فى معهد التخنيون الإسرائيلى ـ بتقديم اقتراح لإنشاء مسار ثان مختلف عن البحر المتوسط يصل ما بين حيفا والبحر الميت.

ـ وفى عام 1977 قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تخطيط لدراسة ثلاثة اقتراحات لربط بين البحرين الميت والمتوسط، وعرض آخر بربط البحر الأحمر بالبحر الميت عند ايلات، وكانت النتيجة النهائية لتوصيات هذه اللجنة التأكيد على أفضلية مشروع توصيل البحر الميت بغزة، باعتبارها الأكثر جدوى اقتصاديا أما اقتراح توصيل البحر الميت بإيلات فقد اعتبرته اللجنة هو الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية. وينبغى أن نضع فى الاعتبار أن غزة فى هذه الفترة من السبعينيات كانت تحت الاحتلال الإسرائيلى منذ حرب 1967.

ـ وفى الثمانينيات وعن طريق البنك الدولى قامت شركة “هارزا” للهندسة ـ وهى شركة أمريكية مقرها فى شيكاغو ـ بعمل دراسة للمشروع كان يتوقف من حين لآخر، حتى عام 1996، وهو تاريخ آخر دراسة أجرتها هذه الشركة لمشاريع كان معظمها يهدف إلى توليد الطاقة لإسرائيل. لكن فى دراسة عام 1996 تم تغيير جوهر المشروع وهدفه، حيث استبدل بقناة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط، قناة أخرى تربط البحر الميت بالبحر الأحمر، كما تم تغيير الهدف من المشروع ليتحول إلى استهداف تحلية مياه البحر بواسطة الطاقة الكهربائية المنتجة من المشروع. ويرتبط هذا التغيير الحاد فى جوهر المشروع وهدفه باتفاقية السلام التى وقعت آنذاك بين الأردن وإسرائيل، والتى يوصى بذلك البند العشرون منها ـ ولاسيما شجعت عليه أيضاً خطة عمل كوبنهاجن التى تضمنت 35 مشروعا كان أكبرها مشروع “خطة تطوير وادى الأردن”، من خلال اللجنة الاقتصادية الثلاثية والتى تضم الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل وذلك فى عام 1993 وفى عام 1994 أقرت المجموعة الخامسة والمسماة مجموعة العمل الإقليمية للتنمية الاقتصادية فى اجتماعها بالرباط هذا المشروع. ثم أعلن رسميا إحياء هذا المشروع فى القمة العالمية للتنمية المستديمة التى عقدت فى جنوب أفريقيا فى عام 2002.

ـ وفى جلسات مؤتمر المنتدى الاقتصادى العالمى الذى عقد فى الاردن فى عام 2003 وفى مايو/آيار 2005 عقدت عدة اجتماعات ضمت وزير البيئة التحتية الإسرائيلى يوسف بارتيسكي، ود.أفيشى بريمرمان رئيس جامعة بن جوريون بالنقب، ووزير الرى الأردني، وقد استهدفت الاجتماعات مناقشة ثلاث نقاط رئيسية هي: أولا: هل المشروع ممكن تنفيذه من الناحية التقنية، ثانيا: ما التكلفة المالية للمشروع؟ ثالثا: ما الجوانب السلبية للمشروع.

وبالطبع لم يكن الجانب الإسرائيلى بحاجة إلى هذه الدراسات، فقد أجريت دراسات كثيرة معمقة حول المشروع طوال السنوات الماضية، ولكنه كان بحاجة إلى تسويق الفكرة القديمة، خاصة بعد أن روج لها شيمون بيريز نائب رئيس وزراء إسرائيل فى كتابه المعروف “شرق أوسط جديد”، حين تحدث عن مجالات التطبيع فى العلاقات بين إسرائيل والدول العربية فى إطار توقيع اتفاقيات سلام معها.

فكرة المشروع وأهدافه

ـ يعتبر البحر الميت ـ من اسمه ـ بحيرة لا قيمة لها، تشكل جزءا من الحدود بين إسرائيل والأردن، شديدة الملوحة، إذ تبلغ نسبة الملوحة بها تسعة أضعاف ملوحة المحيط، ولذلك تنعدم فيها وحولها مظاهر الحياة. وتتزايد الملوحة بها باستمرار رغم أن نهر الأردن يصب بها بعض مياهه العذبة، وكذلك جداول مائية أخرى. ويمتد البحر الميت بطول حوالى 85كم فاصلا الأردن عن إسرائيل، وبعرض 18كم فى المتوسط،. كما يقع مستواه تحت سطح البحر بحوالى 993 مترا، ولذلك يعتبر أكثر الأماكن انخفاضا فى العالم.

ـ وتتحكم الحقائق العلمية والجغرافية فى هذا المشروع، فوادى عربة ارتفاعه يتراوح بين 100و 200 متر عن سطح البحر ولذا فإن أى مشروع يستلزم ان يتم حفر قناة تسير من ايلات على خط الحدود الإسرائيلى ـ الأردنى بطول عشرة كيلومترات ثم ترتفع المياه بواسطة طلمبات عملاقة إلى أعلى لتتحول فى مواسير أو إنفاق داخل الجبال، من خلال ترعة صناعية، وذلك بطول إجمالى للقناة التى ستربط البحرين الأحمر والميت يبلغ 320كم، وعبر هذه القناة سيتدفق 2 مليار متر مكعب بشدة من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت شديد الانخفاض، أو قد تنفذ خطة إسرائيلية أخرى تقترح أن يمد المشروع داخل أراضيها، ثم تمر المياه عبر طلمبات إلى الجانب الأردنى حتى تصل إلى البحر الميت.

ـ وتسعى إسرائيل إلى الإسراع فى بدء تنفيذ هذا المشروع لخدمة عدة أهداف، منها ما هو معلن ومنها ما هو خفي، أما المعلن منها فيتمثل فى الآتي:

1 ـ إنقاذ البحر الميت من الجفاف بعد أن جفت مصادر المياه العذبة التى كانت تصب فيه، حيث حولت إسرائيل 29 بالمئة من المياه التى كانت تذهب من الأنهار إلى البحر الميت لصالح استخداماتها الزراعية، خاصة نهر الأردن، وبحيث يعود منسوب المياه الذى كان عليه بداية القرن فى غضون 20 عاما من بدء تشغيل المشروع.

2 ـ أن تضمن إسرائيل صناعة تحلية المياه ووجود عميل دائم يعتمد عليها فى الحصول على احتياجاته من مياه البحر المحلاة. ففى المخطط الإسرائيلى أن تقنع إسرائيل كلا من الاردن والسلطة الفلسطينية بإنشاء مصانع تحلية مياه تعتمد على الخبرة الإسرائيلية ـ وهى محدودة ـ فى هذا المجال لتنفيذ هذا المشروع باهظ التكاليف، وبالتالى يقوم الطرفان الأردنى والفلسطينى بتسديد قروض المشروع لأجل غير مسمى.

ـ استغلال فارق الارتفاع بين البحرين فى توليد الكهرباء وزيادة قدرة إسرائيل على انتاجها بحوالى 25 بالمئة مع توفير كمية من المياه المحلاة تساوى 57 بالمئة من استهلاك المياه فى إسرائيل من خلال منشآت تحلية المياه التى سيتم أنشاؤها على امتداد القناة.

ـ أما الأهداف غير المعلنة لهذا المشروع فتتمثل فى الآتي:

*أن تحصل إسرائيل مجانا بموجب هذا المشروع على مياه لتبريد مفاعلاتها النووية الجديدة التى تنوى اقامتها فى النقب، حيث تنوى إسرائيل إقامة مفاعل فى هذه المنطقة بعد أن بلغ مفاعل ديمونة سن “الشيخوخة” وتعدى العمر الافتراضى “20 سنة” ليصل إلى 34 سنة. فقد بدأ تشغيله فى عام 1936، وحدثت به تشققات وتسرب أشعاعى أصاب أكثر من 120 عاملا فى المفاعل بأمراض سرطانية، وأعلنت القناة الثانية فى التلفزيون الإسرائيلى أنهم رفعوا دعاوى قضائية ضد حكومة إسرائيل مطالبين بتعويضات.

* السيطرة على مزيد من مياه انهار الأردن واليرموك ومياه الضفة الغربية العذبة، بينما تزود الاردن والفلسطينيين بمياه بحر محلاة، وذلك عبر خمس محطات تحلية مياه، توجد دراسات لبنائها، ثلاث منها داخل إسرائيل، وواحدة فى شمال الأردن، وواحدة فى غزة، وهذا سيوفر لإسرائيل المياه العذبة التى تحتاجها لإقامة مجتمعات عمرانية جديدة تجذب 1 ـ 2 مليون مهاجر جدد، وتساعد على إعادة توزيع السكان المكدسين فى المنطقة الساحلية ووسط إسرائيل، وبما يقلل المخاطر الأمنية التى قد يتعرضون لها من قصف الصواريخ العربية والإيرانية ـ هذا إلى جانب مشاريع زراعية وصناعية، يتم تصدير انتاجها إلى الخارج بدءاً بالدول العربية المجاورة فى إطار عمليات التطبيع المستمرة فى العلاقات.

* خلق صناعات إسرائيلية جديدة كصناعة تحلية المياه وضمان عميل دائم يعتمد على إسرائيل فى استمرارها ويشترى قطع الغيار وغيرها، حيث ستبيع للأردنيين والفلسطينيين المياه المحلاة بنسبة الثلثين إلى الأردن والثلث للفلسطينيين بسعر دولار و30سنتا، بينما تبلغ تكلفة ما تحصل عليه إسرائيل من مياه تحلية 52 سنتا للمتر المكعب، لذا تتعجل إسرائيل فى تعليم متخصصين، وتتبنى شركات لها أسماء كبيرة “عائلة برونجمان” استعدادا لتلك الخطوة من خلال مشروع تحلية المياه فى عسقلون، على الرغم من ان إسرائيل ليس لها تاريخ يذكر فى هذا المجال.

أسئلة معلقة

رغم الواجهة البراقة لهذا المشروع فإن تجاهل إسرائيل حقائق علمية واضحة تطلق علامات استفهام كبيرة حول تمسكها بمشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، بدلا من نقل مياه البحر المتوسط إليه، حيث تؤكد هذه الحقائق العلمية أن نقل مياه البحر المتوسط أكثر جدوى وأوفر اقتصاديا، وتتمثل هذه الحقائق فى الآتي:

1ـ إن متوسط درجة الملوحة فى البحر المتوسط 25 جراما فى اللتر، بينما تبلغ ملوحة مياه البحر الأحمر 42 جراما فى اللتر ـ أى أن ملوحة البحر الأحمر تزيد72 بالمئة على ملوحة البحر المتوسط، فلماذا تصر إسرائيل على تحلية المياه الأكثر ملوحة إذا كان الهدف هو تخفيض درجة ملوحة البحر الميت؟!

2ـ أما ما تزعمه إسرائيل من أن إنقاذ البحر الميت ليكون مصدرا للسياحة فإن الخبراء ينفون ذلك لأنه فى حالة نقل مياه البحر الأحمر الأكثر ملوحة إليه سيتحول لون مياه البحر الميت إلى اللون الأبيض ثم الأحمر الدامى نتيجة تفاعل بكتيريا الحديد، وهو ما ينفى الحديث عن تشجيع السياحة، خصوصا أن منطقة البحر الميت شديدة القسوة والحرارة المرتفعة معظم شهور السنة، ولا توجد أحياء مائية تذكر فى البحر الميت.

3ـ إن حفر قناة من أشدود على البحر المتوسط إلى البحر الميت لن يزيد طولها على 80 كم وسيكون الحفر سهلا فى أراضى مستوية تمر بالقرب من مدينتى بيت جبرين والخليل. هذا فى حين أن حفر قناة من ايلات على البحر الأحمر وعبر وادى عربة إلى مدينة سدوم على البحر الميت ستكون مسافتها 320 كم وعبر أرض بها صخور نارية يصل ارتفاعها فى بعض المناطق إلى أكثر من 200 متر، وهو ما سيزيد تكاليف شق القناة إلى أكثر من 50 مليار دولار، لذلك فإن تسديد قروضها لن يكفيه عائدها بالكامل لعشرات السنين، فلماذا إذن تصر إسرائيل على شق قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت بطول 320 كم وعبر أراض صعبة وبتكلفة أعلى، فى حين ترفض شق قناة من البحر المتوسط إلى البحر الميت بطول 80 كم وعبر أراض سهلة وبتكلفة أقل!

مشروعات استراتيجية أخرى

ـ إن إصرار إسرائيل على تنفيذ مشروع شق القناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت رغم الصعوبات السابق ذكرها مقارنة بشق القناة من البحر المتوسط إلى الميت، يؤكد نظرية المؤامرة فى هذا المشروع، كما يؤكد أيضاً صحة الأهداف الإسرائيلية غير المعلنة للمشروع والسابق الإشارة إليها، خاصة أن هذا المشروع بوضعه الحالى يرتبط بمشروعات استراتيجية إسرائيلية أخرى تتمثل فى الآتي:

1 ـ ما أعلنه وزير المواصلات الإسرائيلية فى فبراير/شباط 2007 على الاتفاق مع الأردن على مشروع لإنشاء خط سكة حديدية يمتد من إسرائيل إلى العراق ودول الخليج، وإنشاء منظومة للنقل الإقليمى يكون محورها الأساسى إسرائيل، ويستهدف هذا المشروع تحويل ميناءى حيفا وأجدود ليكونا بوابة للشرق على حد قول الوزير الإسرائيلى وذلك من خلال برنامج طموح بدأ بالفعل لتوسيع البنية التحتية للميناءين. ويقتضى المشروع إنشاء خط سكة حديدية أكثر تطويرا بين حيفا وعفولة وبيسان، ثم يربط هذا الخط بخط السكة الحديد الأردنى فى منطقة معبر الشيخ حسن، ومن هناك إلى العراق ثم من العراق إلى دول الخليج العربية من خلال إحياء بعض أجزاء من خط سكة حديد الحجاز القديم. والهدف واضح وهو نقل البضائع الواردة من مختلف دول العالم فى شمال البحر المتوسط إلى تلك المنطقة من موانئ إسرائيل على البحر المتوسط إلى العراق ودول الخليج عبر الأردن، وهو ما يوفر حسب دراسات المشروع آلاف الكيلو مترات من طريق مرور هذه البضائع عبر قناة السويس والدوران عبر شبه الجزيرة العربية ويكون أقل تكلفة مادية وقد جاء تجاوب الأردن مع المخطط الإسرائيلى المذكور ارتباطا بما يمكن أن يضخه المشروع من عائدات ومزايا مادية يحتاجها الاقتصاد الأردنى بصورة كبيرة. وغنى عن القول ما يحمله هذا المشروع من مخاطر على عائدات قناة السويس وبالتالى الاقتصاد المصري.

2 ـ مشروع إسرائيلى آخر لنقل بترول غرب سيبيريا الروسى عبر إسرائيل إلى شرق آسيا، وذلك باستخدام خط تيب لاين الإسرائيلى القديم “وكانوا قد سموه بهذا الاسم تحديا لخط الأنابيب السعودى القديم إلى لبنان وكان يسمى تاب لاين” وهو مشروع يشكل تنافسا حادا لقناة السويس التى تمر ناقلات النفط العملاقة عبرها من مصادر انتاجها فى الدول المصدرة للنفط إلى الدول المستهلكة له، وبالتالى يطرح تحديات جديدة أمام الاقتصاد المصري.

مخاطر أمنية وبيئية على مصر

ـ مما لا شك فيه أن شق قناة مائية تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وتوليد الكهرباء منها وما يستتبع ذلك من إقامة مجتمعات عمرانية، وجذب مزيد من المهاجرين والسكان فى منطقة النقب سيزيد من قدرات إسرائيل الجيوبوليتيكية ومعالجة عناصر الضعف التى تعانى منها بالنسبة لقلة السكان ومحدودية الأراضى الصالحة للزراعة والصناعة والعمران، خصوصا انه من المخطط أن تستوعب إسرائيل حوالى مليون مهاجر إضافى حتى عام 2015. وما يستتبع ذلك بالضرورة من بناء هياكل عسكرية إضافية للدفاع عن هذه المجتمعات العمرانية الجديدة.

ـ إن اقامة مفاعلين نوويين اضافيين فى منطقة النقب يتم تبريدهما بمياه القناة المقترحة، سيؤدى إلى مضاعفة حجم الوقود النووى الذى تحصل عليه إسرائيل عدة مرات، سواء كان يورانيوم 235 مخصب بنسبة تزيد على 90يالمئة أو بلوتونيوم 239. فإذا كان مفاعل ديمونة الحالى بعد أن زادت طاقته من 26 ميجاوات إلى 70 ميجاوات ثم بعد ذلك إلى 150 ميجاوات ينتج حاليا 45 كيلو جراما بلوتونيوم سنويا، فلنا أن نتصور حجم ما يمكن أن ينتجه مفاعلان نوويان يعمل كل منهما بطاقة 1000 ميجاوات فى المستقبل، وإذا كان السلاح النووى الواحد ذو قدرة 20 كيلو طن يحتاج إلى 6ـ8 كيلو جرامات بلوتونيوم 239، أو 25 كيلو جراما يورانيوم 235 مخصبا بنسبة 90بالمئة فأعلى، فان إسرائيل فى حالة بنائها المفاعلين النوويين الجديدين فى النقب سيكون لديها من الوقود النووى الصالح لبناء أسلحة نووية ما يمكنها من بناء مئات من القنابل ورءوس الصواريخ النووية، ناهيك عما سيترتب على ذلك من زيادة حجم النفايات النووية الناتجة عن هذه المفاعلات، والتى ستزيد من تلوث البيئة فى منطقة البحر الأحمر كلها، حيث تقوم إسرائيل بدفنها فى النقب ومنطقة جبال الخليل.

ـ لا يمكن استبعاد استكمال المرحلة الأولى من المشروع ـ وهى قناة تربط البحر الأحمر بالميت، بمرحلة ثانية للمشروع توصل البحر الميت بالبحر المتوسط، وبما يشكل منافسة خطيرة لقناة السويس التى تعتبر أحد الموارد الرئيسية للعملة الحرة بالنسبة للاقتصاد المصري، وسوف تمكن التقنيات الحديثة فى مجال حفر القنوات فى الأراضى الصعبة وتعميق مجرى ملاحى فى البحر الميت من التغلب على الصعوبات التى سيواجهها مثل هذا المشروع، وبما يسلب مصر أحد مصادر قوتها الاقتصادية. ان اعتماد الأردن والفلسطينيين على مياه تحلية مياه البحر التى تبيعها لهما إسرائيل بأسعار مرتفعة، سيجعل إسرائيل تضع يدها على مصدر رئيسى للحياة وهى المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة، وبتحكم إسرائيل فى هذا المصدر الحيوى للحياة، سوف تشكل عامل ضغط شديد على الشعبين الأردنى والفلسطيني.

ـ لا شك أن تدفق حوالى 2 مليار متر مكعب سنويا من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت سيحدث تأثيرات بالغة الخطورة على كنوز وثروات البحر الأحمر فى المنطقة المصرية، حيث مناطق الشعب المرجانية وحدائقها التى لا تقدر بثمن، والأسماك الملونة النادرة التى ازدهرت بها جنوب سيناء سياحيا. إذ ستتغير الخصائص البيئية للبحر الأحمر وتياراته المائية، فمن المعروف أن أى تغيير فى خصائص مياه البحار والأنهار يحدث تغييرا فى حياة الأحياء المائية الموجودة به، مما سيحدث تدميرا للشواطئ والأحياء المائية والشعب المرجانية التى تعيش فى بيئة البحر الأحمر منذ آلاف السنين.

ـ ولما كان من المعروف أن القشرة الأرضية فى منطقة البحر الأحمر بشكل عام غير متماسكة ورقيقة، الأمر الذى عرضها فى الماضى لعدد من الزلازل والهزات الأرضية الخطيرة. لذلك فإن نقل 2 مليار متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنويا إلى البحر الميت عبر القناة المقترحة، وإسقاطها من ارتفاع يزيد على 200 متر سيزيد من اضطراب القشرة الأرضية وتشققها وحدوث مزيد من الزلازل والهزات الأرضية التى ستتأثر بها جميع بلدان المنطقة كما حدث فى الماضي.

خلاصة القول

ـ إن دخول مشروع قناة البحرين إلى حيز التنفيذ بعد قبول البنك الدولى بتمويله، يفرض على الجهات المسؤولة فى مصر أن تكون فى منتهى اليقظة للآثار السلبية الأمنية والاقتصادية لهذا المشروع على مصر وأمنها القومى بأبعاده الشاملة، خاصة فى المدى البعيد، ويجب ألا تتوقف عند المقولة السائدة حاليا بين الجهات المعنية فى مصر بأن هذا المشروع لا يشكل تهديدا حاليا لقناة السويس. ذلك أن مسائل الأمن القومى لأى دولة لا ترتبط بما هو واقع أو متوقع من تهديدات فى المستقبل المنظور فقط، بل يجب استشراف التهديدات التى ستقع فى المستقبل البعيد من مشروعات معادية يبدأ تنفيذها حاليا أو فى المستقبل القريب.

ـ إن التحرك السياسى المصرى بشكل خاص والعربى بشكل عام لمواجهة مخاطر مشروع البحرين مبكرا، مطلوب وبشكل فورى لاحتواء هذا المشروع وإيقافه أو تحجيمه. خاصة أن الوضع المتأزم فى الشرق الأوسط يتطلب من الجميع منتهى اليقظة لما يجرى خلف الكواليس، حيث ترتبط الأهداف والمشروعات الأمريكية-الإسرائيلية برباط واحد يصب فى مصلحة إسرائيل، وهو بالطبع على حساب المصالح والأهداف العربية والمصرية.

ـ إن دق ناقوس الخطر من هذا المشروع فى وسائل الإعلام وفى مجلس الشعب والهيئات والمؤسسات الحكومية والشعبية، يعتبر واجبا قوميا يساعد صانع القرار السياسى فى مصر على التحرك بإيجابية لمواجهة مخاطر هذا المشروع وغيره من المشروعات الإسرائيلية التى تستهدف الإضرار بمصالح مصر وتقويض أمنها، وإذا أردنا أن نتعرف على أهداف عدونا التقليدى إسرائيل، فعلينا أن نعيد قراءة كتاب شيمون بيريز “شرق أوسط جديد”، لنعرف كيف تخطط إسرائيل للخمسين سنة المقبلة لاختراق المجتمعات العربية وفرض هيمنتها عليها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أن علينا أن نستعيد ماكينة الزعيم الصهيونى القديم جابوتنسكى عام 1929 ـ قبل قيام دولة إسرائيل ـ حول ما سماه “الكومنولث العبري” الذى تضم إسرائيل فى مفهومه الأراضى شرق وغرب نهر الأردن، وهو ما طالب به اللجنة البريطانية التى جاءت لفلسطين لتحقق فى أسباب ثورة الفلسطينيين عام 1929 بشأن الجدار الغربى للمسجد الأقصى الذى تزعم إسرائيل باطلا انه حائط المبكى لهم، وأقرت اللجنة البريطانية أنه لا حق للهيود فيه. ولكن جابوتنسكى لم يتحدث فقط عن حق اليهود فى المسجد الأقصى ولكن تحدث أيضاً عن الكومنولث العبرى الذى تشكل فيه إسرائيل قوة إقليمية عظمى مسيطرة يدور فى فلكها دويلات عربية ضعيفة ومنقسمة طائفياً ومذهبيا وعرقيا، تهيمن عليهما إسرائيل سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وهو ما تجد انعكاساته اليوم فيما يحدث فى فلسطين والعراق ولبنان والسودان والمغرب.. وغيرها من بلدان عربية توشك أن تقع فى براثن الحروب الأهلية، وما يستتبعها من تقسيمات عرقية وطائفية تحقق أحلام جابوتنسكى الذى تنبأ بها منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما، ولندرك أن ما نتحدث عنه من مخاطر قناة البحرين التى توشك إسرائيل على تنفيذها، يمكن أن تحقق أهدافها بعيدة المدى فيما لا يزيد على عشرين عاما وهى فترة قصيرة من عمر الدول إذا ما تغافلنا عن مخاطرها ولم نتحسب لها كما ينبغي، تصديقا لقول المولى عز وجل: “هم العدو فاحذرهم”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.