بوابة التحالف الإخبارية صوت القوى الوطنية والتقدمية
2 – ثنائية النفط والتبعية ؟!
تاريخ الجزيرة العربية جزء من التاريخ العربي بكل مراحله ومساراته.ولكنه يميز تاريخ الجزيرة العربية وفي القلب منها السعودية بخطة الاستعمار في رسم خريطة المنطقة من ناحية والاكتشافات النفطية من ناحية أخري.
لم تكن الدولة السعودية التي أسسها الملك عبدالعزيز عام 1932 إلا الدولة السعودية الثالثة وقد سبقتها الدولة السعودية الأولي التي أسسها الأمير محمد بن سعود 1744- 1818 م وانتهت علي يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا، وارتبط بهذه الفترة وجود الإمام محمد بن عبد الوهّاب بن سليمان التميمي (1703م – 1791م) عالم الدين السني الحنبلي وصاحب الكثير من الأفكار التي نعاني منها في كل الوطن العربي رغم وفاته منذ أكثر من 226 سنة.
ثم الدولة السعودية الثانية التي أسسها الأمير تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود 1824 – 1891م. تلتها الدولة السعودية الثالثة الدولة السعودية الثالثة وهي وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية، تأسست في (15 يناير 1902)، على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود والذي تمكن من الاستيلاء على مدينة الرياض ليؤسس المملكة العربية السعودية (الدولة السعودية الثالثة).
عرفت الدولة السعودية الثالثة بداية عهدها باسم “إمارة الرياض” وتمكنت الامارة من التوسع حتى استطاعت عام 1921 من السيطرة على كامل أراضي نجد بعد اسقاط إمارة حائل المنافسة،واصبحت إمارة الرياض تعرف باسم سلطنة نجد واستمر الاسم قائما حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.
خلال تلك الفترة كانت الجزيرة العربية عبارة عن مجموعة إمارات وسلاطين تعتمد في حياتها علي الصيد وخاصة صيد اللؤلؤ والزراعة وبعض الصناعات الحرفية التقليدية. وكانت السعودية مقسمة علي عدد من الإمارات منها نجد والأحساء وحائل والحجاز وعسير وتهامة وجيزان إلي أن تم توحيدها علي يد الملك بعدالعزيز.
الاستعمار يعيد تشكيل مناطق النفوذ
شهد العالم بشكل عام والعالم العربي والجزيرة العربية بشكل خاص عدد من الاحداث الكبري التي أعادت رسم خريطة المنطقة لسنوات.
– أحتدمت الصراع بين القوي القديمة والقوي الصاعدة في أوروبا ونشأت الحرب العالمية الأولي ( 28 يوليو 1914 – 11 نوفمبر 1918) لأعادة توزيع النفوذ داخل أوروبا وفي العالم بين القوي المنتصرة في المعركة.
– مايو 1916 وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم مناطق النفوذ بينهم وملئ الفراغ الناتج عن تحلل الأمبراطورية العثمانية التي كانت تلبس قبعة الخلافة الاسلامية .
– شجعت بريطانيا علي التمرد علي الحكم العثماني فانطلقت الثورة العربية الكبرى، هي ثورة مسلحة ضد الدولة العثمانية، بدأت في الحجاز، حينما أطلق الشريف حسين طلقه واحدة من بندقيته، وذلك قبل فجر يوم 10 يونيو 1916 في مكة المكرمة.وكان لدوي تلك الطلقة صدى في جدة والطائف والمدينة.وامتدت الثورة ضد العثمانيين بعد إخراجهم من الحجاز حتى وصلت سوريا العثمانية، وإسقاط الحكم العثماني فيها، وفي العراق؛ وذلك نتيجة للسياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.وأرسل الشريف حسين ولديه فيصل وعبدالله لمشاركة القوات البريطانية في السيطرة علي بلاد الشام.
– 2 نوفمبر عام 2017 وعد أرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
– أجبر العثمانيون علي توقيع معاهدة مودروس مع الحلفاء وخرجت تركيا من الحرب العالمية الأولي وقد فقدت سيطرتها علي العالم القديم.
– في مرحلة ما بعد الانتصار العسكري للثورة العربية ، اتجه الرأي لإقامة اتحاد أو تحالف دول عربية بدلاً من دولة عربية واحدة، على أن يرأسها هاشميون، فيكون الحسين ملكًا لنجد والحجاز، وفيصل ملكًا لسوريا، وعبد الله ملكًا للعراق؛ إلا أنّ عداء الفرنسيين لفيصل، واحتلالهم سوريا، منعه من تحقيق غايته، فتوّج ملكًا على العراق، وتمكّن عبد الله من انتزاع تاج الأردن بوصفه “سوريا الجنوبية” وما فتأ يطالب بمشروع سوريا الكبرى حتى وفاته، وأما الشريف حسين، فقد زالت مملكته في الحجاز عام 1926 ضمن مشروع المملكة العربية السعودية.
– عام 1924 خلع كمال أتاتورك السلطان محمد السادس آخر سلاطين العثمانيين وانتهت الخلافة العثمانية بشكل نهائي.
– أرتبطت الدولة السعودية الثالثة بالمشروع الديني للإمام محمد بن عبدالوهاب واعتبرته المرجعية الدينية الأساسية للدولة . بما أدي لتراجع وجود المذاهب الاسلامية الأخري وصعود موجات من التطرف الإسلامي. وفي الستينات عندما قامت مصر بحملة ضد تنظيم الأخوان المسلمين في مصر وهي القضية التي أعدم فيها سيد قطب.هرب العديد من قيادات الجماعة مثل سعيد رمضان والعديد من قيادات الأخوان ومنحتهم السعودية حق اللجؤ السياسي بحكم عدائها لمشروع التحرر القومي الناصري ، بل ومنحة العشرات منهم الجنسية السعودية .
بريطانيا تسيطر علي الخليج العربي
لعبت الإدارة البريطانية دور هام في تشكيل مستقبل بلدان الخليج العربية كما انها حصلت على موافقات مسبقة لاحتكار ثرواتها الطبيعية،اذ عملت الشركات البريطانية على الحصول على امتيازات التنقيب عن النفط من شيوخ وأمراء الخليج وحصلت شركة بريطانيا على امتياز تنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية في السعودية عام 1923 وعلى امتياز مدته خمس سنوات الى انها فشلت في استخراج النفط.
طلب الملك عبدالعزيز الحصول على دعم المالي يقارب نصف مليون جنيه إسترليني من الحكومة البريطانية للاستفادة به في التنمية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية بما في ذلك تمويل استكشاف مكامن النفط. رفضت بريطانيا تقديم المساعدة المالية للسعوديين في مجال استكشاف النفط. ولكن أوصد كبير المسؤولين البريطانيين – السير لانسلوت أوليفانت – الباب في وجه هذه الدعوة أثناء المحادثات وصرح أن الوقت الراهن “لا يشجع أبداً على القيام بأي مغامرات مالية”. وأسهب أوليفانت قائلًا إن “الشركات البريطانية قد تتردد في قبول تقرير لم يعده خبير بريطاني” وتشكك في استعداد الشركات البريطانية “لإهدار المال في دولة غير معروفة جيدًا في الوقت الحاضر”.فتغيرت قبلة الدولة من بريطانيا إلي الولايات المتحدة.
دخول الولايات المتحدة لمنابع النفط السعودي
بدأت قصة اكتشاف البترول في المملكة حين وقع الملك عبدالعزيز في 29 مايو عام 1933 اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين حكومة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وفي 8 نوفمبر من نفس العام تم إنشاء شركة تابعة هي شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة الامتياز، وتمت عملية المسح بإعداد خارطة هيكلية لقبة الدمام، موقع اكتشاف أول حقل نفطي في المملكة.
في العام 1935 تم حفر أول بئر اختبارية في الظهران في قبة الدمام التي لم تأت نتائجها محققة للتطلعات، ولكن لأن الدلائل كانت تشير إلى وجود الزيت والغاز، فقد استمرت الشركة في الحفر، وبعد خمس سنوات من الحفر غير المثمر، بدا أن بئر الدمام رقم 7 ليست سوى طريق مسدود آخر، وفي 4 مارس من عام 1938 بدأت بئر الدمام رقم 7 إنتاج 1.585 برميل في اليوم على عمق 1.5 كيلومتر تقريبا .
في خطوة تهدف إلى إبراز دور المملكة العربية السعودية بين الدول المنتجة للنفط، تم تغيير اسم كاسوك إلى شركة الزيت العربية الأمريكية، والتي أصبحت تعرف اختصارا باسم شركة أرامكو السعودية، وفي العام 1950 اكتمل خط الأنابيب عبر البلاد العربية التابلاين الممتد بطول 1212 كيلومتر، ليكون بذلك أطول خط أنابيب في العالم، وقد ربط خط التابلاين شرق المملكة العربية السعودية بالبحر الأبيض المتوسط، وأسهم بشكل كبير في اختصار وقت وتكلفة تصدير النفط إلى أوروبا، وقد ظل خط التابلاين يعمل حتى عام 1983 .
عام 1952 نقل مقر الشركة من نيويورك إلى الظهران، وبعد مضي أكثر من 80 عاما أصبحت أرامكو السعودية تتبوأ مركز الصدارة في الصناعات البترولية حيث تجاوز إنتاج الزيت عشرة ملايين برميل يوميا وتدير الشركة احتياطيات تقليدية من الزيت الخام يبلغ 260.2 بليون برميل ومن احتياطيات الغاز 284.8 تريليون قدم مكعبة قياسية، واكتشفت 116 حقل زيت وغاز على مدى تاريخ الشركة كان آخرها حقل الزيت اسادف وحقلا الغاز أم رميل و الشعور، وكان آخر مشاريع الشركة هو مشروع مصفاة جازان.
لقد كانت بئر الدمام رقم 7 التي صدر أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتغيير اسمها إلى بئر الخير، بداية إنتاج النفط تلاها عدة حقول أهمها حقل الغوار الذي يعد أكبر حقل نفط في العالم، وحقل السفانية، وبعد 45 عام من الإنتاج المتواصل في العام 1982 أوقف حقل الدمام لأسباب تشغيلية إلا أنه لا يزال قادر على إنتاج النفط .
– عام 1961 قامت الشركة بمعالجة غاز البترول المسال (البروبان والبوتان) للمرة الأولى في معمل تكرير رأس تنورة ونقله إلى العملاء.
– عام 1966 بدأت ناقلات النفط في الرسو في الجزيرة الإصطناعية، وهي منصة تحميل الزيت الخام الجديدة في مياه الخليج العربي مقابل رأس تنورة.
– عام 1973 وبعد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر، استحوذت الحكومة السعودية على حصة 25٪ من شركة أرامكو الأمريكية.
– عام 1974 ارتفعت حصة الحكومة السعودية إلى 60٪من رأس مال أرامكو.
– عام 1975 تم إطلاق مشروع شبكة الغاز الرئيسة.
– عام 1980 استطاعت الحكومة السعودية الحصول على حصة 100٪ من أرامكو الأمريكية، ومن ثم السيطرة الكاملة على الشركة.بفعل تداعيات موقف الملك فيصل من حرب أكتوبر 1973 ووقف إمدادات النفط ثم طفرة أسعار النفط التي ساهمت في دعم أكبر حركة للتنمية والاعمار في الجزيرة العربية.والتي جذبت عشرات الملايين من الدول العربية والآسيوية للمشاركة في هذه الخطط التنموية الطموحة.
– عام 1981 تم إنشاء خط الأنابيب شرق – غرب الذي أنشئ لنقل سوائل الغاز الطبيعي والزيت الخام، والذي يربط بين المنطقة الشرقية وساحل البحر الأحمر.
– عام 1982 تم افتتاح مركز التنقيب وهندسة البترول في الظهران.
– عام 1984 تملكت الشركة أول أربع ناقلات عملاقة تابعة لها.
– عام 1987 تم الانتهاء من توسعة خط أنابيب الزيت الخام شرق – غرب لتزيد طاقته إلى 3.2 مليون برميل في اليوم .
والآن تتراوح قيمة شركة أرامكوا السعودية بين 2.2 – 2.6 مليار دولار ويبدأ عام 2018 خصخصة الشركة وطرح 5% من أسهمها للاكتتاب العام.وقد طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرح الإكتتاب من خلال البورصة الأمريكية وهو ما يؤيده الأمير محمد بن سلمان.
وخلال زيارة ترامب للمملكة في مايو 2017 وقعت أرامكو 16 اتفاقية مع 11 شركة أمريكية باسم ” شراكة الأجيال”.
لذلك ارتبطت نشأت وتطور السعودية بعوامل كثيرة منها:
– إنها نشئت برعاية بريطانية ضمن مخطط سايكس بيكو وزرع الدولة الصهيونية في قلب المنطقة وتقسيم الخليج العربي.ولكن بريطانيا سرعان ما تخلت عن الملك عبدالعزيز ومشاريعه الطموحة للتنمية.
– تبنت الدولة السعودية الثالثة المشروع الديني الوهابي وجعلته المذهب الرئيسي في السعودية.
– حلت الولايات المتحدة الأمريكية محل بريطانيا في ربط السعودية بالمصالح والتوجهات الأمريكية بالمنطقة ووسط دول الخليج .
– تحولت الدولة السعودية من الزراعة والصيد والرعي وعوائد الحج إلي دولة نفطية ريعية بلغت ايرادات النفط في موازنة 2017 حوالي 480 مليار ريال وهي تمثل 69.4% من إجمالي الايرادات السعودية.
– تبنت الدولة السعودية الثالثة منذ نشأتها اقتصاد السوق الحر وكان النموذج الأمريكي هو النموذج المثالي الذي تطلع إليه السعودية.وعندما بدأت طفرة أسعار النفط كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي مستقر الفوائض النفطية السعودية وقد حذت باقي دول الخليج نفس حذو السعودية.
– تحصل العائلة الحاكمة السعودية ( حوالي 10 الالاف) أمير علي نسبة من عائدات النفط بما يعكس الانحيازات الاقتصادية والاجتماعية وغياب عدالة التوزيع في دولة تضم 21 مليون سعودي و 10 مليون وافد. وقد كشفت وثيقة أمريكية سربها موقع ويكيليكس أن أميراً سعودياً أبلغ السفير الأميركي في المملكة آنذاك أن “عائدات مليون برميل من النفط يومياً تعود بأكملها إلى خمسة أو ستة أمراء”.
– أيدت السعودية باكستان خلال الحرب بين باكستان والهند وتعتبرها أقرب حلفائها من غير العرب وعندما حدث انقلاب في باكستان وعزل بارويز مشرف كانت السعودية هي قبلته التي استضافته وعاملته معاملة الملوك والرؤوساء.
– عام 1962 عندما حدثت ثورة اليمن انحازت السعودية لآل حميد الدين ضد الثورة وأمدت المتمردين بالسلاح في الوقت الذي حاربت فيه القوات المسلحة المصرية بجانب الثورة اليمنية .
– ظلت هناك أزمة في العلاقات المصرية السعودية حتي وفاة الرئيس عبدالناصر وتولي الرئيس السادات الحكم .
– عندما اندلعت حرب أفغانستان عام 1997 كانت المخابرات الأمريكية ترتب لضرب النفوذ الروسي في أفغانستان وتعاونت المخابرات المصرية والمخابرات السعودية علي نقل المجاهدين المسلمين الي أفغانستان حتي ولد تنظيم القاعدة الذي رأسه أسامة بن لادن شقيق بكر بن لادن أحد أكبر مقاولي السعودية والذي تم توقيفه في 4 نوفمبر ، ومساعده هو الدكتور اسامة الظواهري المصري. ومولت مصر والسعودية والمخابرات الأمريكية صنع القاعدة التي انقسمت وانتشرت تنشر الخراب في كل ربوع العالم.
– تحاول العداء بين النظام السعودي والنظام المصري في الستينات إلي علاقات تكامل وتعاون أمني كامل برعاية أمريكية منذ تولي السادات الحكم وحتي الآن.
– عندما احتلت العراق الكويت بصمت أمريكي عام 1990 تفجرت حرب الخليج الثانية وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وجيوش الحلفاء تحتاج لغطاء عربي للتدخل الأمريكي وكان التنسيق المصري السعودي ودفع نظام مبارك بالقوات المسلحة المصرية لتكون غطاء للتدخل الغربي وتفتيت العراق وتدمير بنيته الأساسية.
– ثم تورطت السعودية في حرب اليمن وفرض رئيس يمني هو علي هادي في مواجهة قوات الحوثيين المتحالفة مع علي عبدالله صالح وتكبدت السعودية ولا تزال مليارات الدولارات التي تقدرها المصادر بما يتراوح بين 1.5 إلي 3 تريليون دولار.
– عند عزل عيد أمين من رئاسة أوغندا كانت السعودية هي ملجأ أمين ، وهو نفس ما حدث مع نواز شريف وزين العابدين بن علي بعد ثورة تونس بل ومع علي عبدالله صالح نفسه قبل أن يتحالف مع الحوثيين. حتي أطلق البعض علي السعودية مقبرة الأفيال.وملاذ الملوك والرؤساء الفاسدين.
لذلك تشكل السعودية أحد مرتكزات المخطط الأمريكي للشرق الأوسط الجديد وهي في قلب صفقة القرن الأمريكية.لذلك يتزايد الاهتمام بالسعودية وما يحدث فيها من تغيرات وبروز لدورها برعاية أمريكية.
إلهامي الميرغني
8/11/2017
