أطلق الشباب المصري يوم 25 يناير 2011 ثورة مجيدة شكلت علامة فارقة في تاريخنا، بل في تاريخ العالم كله، وخلال أيام اتسع نطاق الشرارة الشبابية لتتحول إلى ثورة شعبية عارمة شارك فيها الملايين من أبناء وبنات الشعب المصري وجماهيره الكادحة، ليمنحوها زخماً هائلا وطاقة كفاحية شدت من عود طليعتها الشابة.
وقد نجحت الثورة في التخلص من الديكتاتور مبارك وكثير من الملتفين حوله ممن احتكروا السلطة والثروة وكرسوا للفساد والاستبداد، فدشنت بذلك ميلاداً لوطن جديد، وقطعت خطوات أولى في مسيرة طويلة تهدف إلى انتزاع كافة مطالب الجماهير السياسية والاجتماعية.
لقد انفجرت الثورة على خلفية شعور عام طاغي بالظلم الاجتماعي بسبب السياسات الاقتصادية المنحازة للأغنياء والثروات الفلكية التي صنعتها عصابة الفساد والاستبداد من دماء الشعب وعن طريق تجويعه وإفقاره واستغلاله. فبينما يعيش ملايين المصريين في العشش ويفترشون أرصفة الشوارع ويعانون الجوع والعرى، تُشيد قصور ومنتجعات لا تجد من يسكنها وتفيض الأسواق بأطنان من الطعام والملابس لا تجد من يشتريها. ذلك بالإضافة إلى انهيار خدمات التعليم والصحة، وسرقة أموال المعاشات، وتقليص كل الضمانات الاجتماعية.
إن الشعب أراد إسقاط النظام الذي قام بتخريب الاقتصاد الوطني حتى أصبحت تسوده قطاعات السياحة والتجارة والعقارات الفاخرة، في حين تدهورت الصناعة والزراعة. وأصبح ذلك الاقتصاد عاجزاً عن توفير فرص العمل، مما دفع بملايين الشباب إلى هوة البطالة والمخاطرة بالموت في قوارب الهجرة هرباً من حياة غير أدمية.
وفى ظل هذه السياسات تم تحويل الثقافة والفن لسلع تتحكم فيها مافيا التجار وقوانين السوق أو تحاصرها الأجهزة البيروقراطية الإدارية، والنتيجة تشويه الوعي والوجدان و تدهورت الثقافة والفنون وكل مجالات الإبداع وسد الطريق فى وجه المبدعين الذين حفروا الصخر كي يرى بعض إبداعهم النور.
ونجحت الثورة في وأد المحاولات الإجرامية لنظام مبارك لإشعال الفتن الطائفية بين صفوف الشعب، ومحاولات عزل المسيحيين عن الحركة السياسية، ونجحت في تحويل شعار “الدين لله والوطن للجميع” من مجرد شعار إلى واقع حي وملموس طوال أيام الاعتصام في ميدان التحرير. كما أدى الطابع السلمي والكفاحي للثورة ومناخ التآخي الوطني الذي سادها إلي وقوف شعوب العالم مع ثورتنا، حتى صارت مثلاً ملهماً لجميع الشعوب التي تكافح من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومن قلب الثورة الشعبية ظهر وجه مصر المناضلة، التي تزيل عن كاهلها غبار سنوات من الركود، وخرجت إلى النور كتائب غفيرة من مناضلين جدد يرفعون شعارات النضال من أجل الديمقراطية والعدالة. وفي قلب الثورة كانت تيارات وقوى اليسار المصري والمناضلون من اجل اشتراكية تساوى بين البشر دون تمييز أو هيمنة أو احتكار أو إقصاء، تعمل جنباً إلى جنب مع باقي القوى الديمقراطية والشبابية وكل جماعات التغيير من أجل انتصار الثورة. والتقت إرادة التغيير لدى الشباب المناضلين من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية مع قوى اليسار المصري، التي تمثل رافدا كبيرا من روافد التراث النضالي لشعبنا من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن حزب “التحالف الشعبي” يولد من رحم الثورة، ويتسع لكل القوى الديمقراطية التقدمية واليسارية والاشتراكية التي تناضل معا من أجل الشعارات التي احتضنتها الثورة “التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية”.
و ينطلق الحزب من عدة مواقف رئيسية تعكس مطالب جماهير ثورة 25 يناير:
أولاً: الإصرار على تحقيق كافة المطالب الخاصة بالديمقراطية والإصلاح السياسي دون انتقاص. بما تشمله من ضرورة إبعاد كل أركان النظام القديم عن السلطة، ونقل السلطة إلى حكومة مدنية مؤقتة، وحل المجالس المحلية، وإلغاء الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والقوانين المقيدة للحريات، والإفراج عن جميع المعتقلين، ومحاكمة رموز الفساد والاستبداد. وتشمل هذه المطالب وضع دستور جديد يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، وينهى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، ويخضع المؤسسات الأمنية للرقابة الشعبية المدنية، ويؤكد استقلال القضاء وجدارة مصر ببرلمان حقيقي يتمتع بسلطات الرقابة والتشريع مع إلغاء كافة القيود على تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات وإصدار الصحف.
ثانياً: ربط التغيير السياسي بالتغيير الاجتماعي في إطار وحدة وتكامل حقوق الإنسان، وإعادة توجيه الاقتصاد ووضع خطط التنمية لصالح الجماهير الفقيرة في مصر من العمال والفلاحين والموظفين والمهمشين وصغار التجار والحرفيين ضمانا لحقها في الغذاء والسكن والتعليم والعمل والأجر العادل والرعاية الصحية، والتصدي للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وهيمنة الاحتكارات ووضع حد أدنى و أقصى للدخول، مع ربط الأجور بالأسعار، وصرف إعانات للبطالة وإلغاء القروض المستحقة على صغار الفلاحين والحرفيين، وتوجيه الإنفاق العام إلى تحسين الخدمات، وفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء، وتحقيق إصلاح زراعي جذري.
ثالثاً: التصدي لكل صور التبعية للصهيونية والحكومات الاستعمارية، بما في ذلك التصدي للتطبيع مع إسرائيل، ودعم نضال الشعوب العربية وكل شعوب العالم من أجل الديمقراطية والتحرر، ودعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق حريته وإقامة دولته، ودعم كل أشكال مقاومة الاستعمار، بما فيها المقاومة المسلحة، مع رفض أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين العزل.
رابعاً: النضال من أجل دولة مدنية لا دينية ولا عسكرية، والتأكيد على فصل الدين عن السياسة، والتصدي لجميع صور التمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو العقيدة السياسية أو الانتماء الطبقي، والنضال من أجل حرية الفكر والتعبير والإبداع والبحث العلمي.
إن حزب “.التحالف الشعبي” حزب مناهض للاستغلال الرأسمالي وهيمنة الرأسمالية والاحتكارات. وهو منحاز لمصالح الفقراء والمنتجين. ويسعى بدأب إلى دعوة العمال والفلاحين والموظفين وكل الجماهير الفقيرة للانخراط في صفوفه، مع جميع الشباب الرافضين للفساد والاستبداد والاستغلال، وجميع المثقفين والمبدعين المنحازين للديمقراطية والعدالة من مختلف الطبقات والفئات. وهو حزب ديمقراطي منفتح، يسمح بتعدد المنابر والاتجاهات والأصوات داخله. وتنهض مواقفه السياسية على التوافق فيما بين تياراته المختلفة، وتُشكل هيئاته وتتخذ القرارات فيه بناءً على القواعد الديمقراطية.
الرابع من مارس 2011