عزبة أبو رجب: تفضح إنحيازات الدولة الإستثمارية
تهجير أكثر من 200 أسرة وتبوير عشرات الأفدنة
أصدر حزب التحالف الشعبي الإشتراكي اليوم بياناً بعنوان ” نرفض تهجير أكثر من 200 أسرة من أهالي عزبة أبو رجب .. وتبوير عشرات الأفدنة لصالح الإستثمار العقاري”
بسط القانون يد الدولة على منازل المواطنين، وفتح الباب لموجة واسعة من “الإزالات” والهدم، على غرار ما يحدث حالياً في العديد من المناطق بمحافظات الحمهورية المختلفة، كما أدى نهج الدولة لتهجير المواطنين قسراً، إلى استسهال في موضوع هدم المنازل، وتهاون في عمليات التشريد. حتى لو كانت تلك المنازل مخالفةً شروطَ البناء، فهناك ألف طريقة لتصحيح المخالفات لو كانت هناك نوايا لذلك، على الرغم من أن المادة 78 من الدستور المصري نصت على أن “تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية، ويحقق العدالة الاجتماعية. وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية، في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى، واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة”.
بالإضافة إلى أن النظام في مصر لا يستعين بآراء الخبراء، ويعتبره مضيعةً للوقت، مع تجاهله البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل اتخاذ قرار هدمها، فيما يسعى النظام لتغيير معالم أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة قوانين البناء، والمضي قدماً بعمليات التحديث العمراني القسري المخالفة لأحكام الدستور والقانون.
لكن الأهم والأبرز في أن ما حدث مؤخراً؛ وبالتحديد في عزبة أبو رجب ببهتيم بشبرا الخيمة قليوبية، يضاف إليه عمل الدولة لإهدار عشرات الأفدنة من الأراضي الزراعية، لصالح مشاريعهم من الإستثمار العقاري؛ التي باتت بمثابة الوبال ومصدر القلق على أبناء الشعب المصري.
إلا أن الحكومة المصرية اتخذت قرارات متلاحقة على مدار الأعوام الماضية، بإزالة مناطق تحمل تاريخ أصحابها وتقع بالقرب من مصادر أرزاقهم، وذلك لصالح مشروعات استثمارية ضخمة تمولها دول عربية في مقدمتها دولة الإمارات، كجزيرة الوراق ومثلث ماسبيرو ونزلة السمان، أو تحت عباءة التطوير، كما في مناطق القاهرة القديمة ومدينة نصر.
ورغم أن هذه المشروعات ليست ذات جدوى اقتصادية ولا تمثل أولوية للشعب، إلا أن النظام الحاكم في مصر يمارس أشد أنواع التنكيل ضد المواطنين، بإزالة مناطق سكنية بأكملها، بعد أن أصيب بحمي إنشاء الكباري كما في مناطق فيصل والطريق الدائري والبساتين والمنيب والمطرية. هذا غير ما حدث من النظام بشنه حملة إزالات لبيوت الفقراء من خلال تنفيذ قانون التصالح في المخالفات، بهدف جمع التعويضات وهو ما عرٌف بجمع الجباية.
في ضوء القوانين المحلية والدولية، يعتبر ما تقوم به الدولة حاليا في الأراضي الزراعية، ومنحها للمستثمرين لأقامه مشروعات استثمارية، مخالفة واضحة للدستور وللقوانين والاتفاقيات الدولية، خاصة أن الأراضي المطروحة كبديل من الحكومة على المتضررين بصحراء غير صالحة للزراعة ولا توجد بها خدمات. كما أن الشقق التي يتم التعويض بها موجودة بحدائق أكتوبر والعبور تبعد عن أماكن عملهم ومواصلاتها صعبة. ما دفع الموجودين للتمسك بوضعهم.
فهو الآمر الذي جعل كأفة فئات الشعب في حالة قلق شديدة، كنتيجة لحالة التجبر التي تنتهجها الدولة، وعدم مبالآتها بطبيعة المنطقة ووضعها القانوني، وكذلك التأثيرات الإجتماعية على الأسر المهجرة، ناهيك عن الفروق الضخمة في تقدير التعويضات المادية التي تقرها الدولة، وبين الأسعار الحقيقية بالمناطق التي يتم إنتزاع ملكيات أهليها، والتي في أغلبها لم تمنح هذه الأسر شراء وحدات بديلة حتى لو في مستوى أقل، وهو ما أكدته أحكام القضاء، هذا بخلاف التأخر في صرف تلك التعويضات، وترك أهالي تلك المناطق مشردين بلا مأوى.
فالسكن كان يعد أخر عناصر الآمان المتبقية في حياة الأسرة المصرية، فمناطقهم هي المكان الذي تنشئ فيه ذاكرتهم الإجتماعية، وتراثهم الإنساني، في الوقت الذي بات فيه الوضع العام لا يمنحهم أي درجة من درجات الآمان، لا يأمنون على حياتهم ولا وظائفهم ولا حريتهم، وأصبحوا لا يأمنون حتى على مساكنهم، مهما كان موقعه ولا موقفه القانوني، وحتى المساكن التي أنشاءتها الدولة، والتي كانت تعد الأكثر أماناً، لم تثتسنيها جرافات الهدم وسياسات التجريف كما حدث في مساكن ألماظة والتمهيد له في مدينة نصر.
فالسكن الذي يعد تعبيراً عن الاستقرار النفسي والاجتماعي لدى المواطن المصري، أصبح واحداً من أسباب القلق المزمن لدى المواطنين المصريين، فليس فقط الملايين من الأسر ذات الدخل المحدود والفقيرة والأسر ذات الدخل المتوسط؛ هم من يعيشون في حالة عدم الاستقرار القانوني في السكن. لما يواجهونه من تهديدًا مستمرًا بالإخلاء، لكن أصبح كأفة أبناء الوطن غير آمنين على حيازتهم السكنية.
فقد تم طرد عشرات الآلاف من الأسر لإفساح المجال لصالح المشاريع الإستثمارية، لأن مبانيهم جاءات في سياق تخطيطهم لبناء كوبري أو شق طريق، أو كانت في موقع متميز لمعة في أعين المستثمرين العقاريين، فأعتبرت غير قانونية فهدمت.
فالمصير المجهول الذي ينتظر أهالي عزبة أبو رجب، جاء نتيجة ما وصلت له من وضع فريد، كنتيجة لمجاورتها لإحدى المحاور الجديدة “محور بنها – شبرا”، فمساحة العزبة ثابتة منذ أكثر من مائة سنة، ووضعها غير قابل للتمدد العمراني.
بدأت الأزمة الحقيقية لأهالي العزبة التي يسكنها أكثر من 224 أسرة، منذ إنذار قاطنيها في 25 يناير الماضي بإخلاء المنازل قبل 28 فبراير2023، أي في فترة اقل من شهر، بدون إخطارهم بتوفير أي سكن بديل أو قيمة التعويضات المقررة، كما تنص القوانين وما يمنحهم الدستور من حقوق في حالة انتزاع أراضيهم أو منازلهم لصالح المنفعة العامة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي المنفعة العامة؛ التي تبرر قيام الدولة بتشريد وإنتزاع أكثر من 220 أسرة من ذاكرتهم الإجتماعية، بالإضافة لتبوير حوالي 60 فدان من أجود الأراضي الزراعية، بهدف إقامة مشروع سكني جديد لا يتمكن الغالبية العظمى من أبناء الشعب للوفاء بشروط الحصول عليها، ناهيك أن ذلك يحدث في بلد يعيش أهلها على 3% فقط من مساحتها.
فعلى الرغم من أن قطاع الزراعة يعتبر قطاعاً حيوياً بالنسبة لمصر نظراً لأهميته في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير العمالة والحد من الفقر وتعزيز قدرة سكان الريف على الاستمرار، فإن مصر لاتزال تعتمد اعتماداً كبيراً على استيراد المواد الغذائية وخاصة القمح والذرة الصفراء .
بات من الضروري العمل من أجل تحقيق التنمية في المجال الزراعي المستدام أصبح كأمر حيوي وضروري، لتحسين سبل المعيشة والأمن الغذائي، وليس العمل على إهدار المزيد من الأراضي الزراعية، لحساب المزيد من العقارات التي تعاني من تكدس نتيجة عدم القدرة على الوفاء بشروط الحصول عليها من مبالغ طائلة بالنسبة لغالبية المصريين.
أهالي العزبة يؤكدون إنهم لا يقفون ضد أي عمليات تطوير، بما يعود عليهم بتحسين وضعهم ولجعل منطقتهم أفضل من وضعها الحالي، ولكن دون تهجيرهم من منطقتهم التي نشأوا فيها هم وأجدادهم، ولا بتبوير هذه المساحة الكبيرة من الأراضي الزراعية، في الوقت الذي تحتاج فيه البلأد إلى كل “قيراط” يساهم في سد الفجوة الغذائية للشعب المصري. كما أوضحوا أن معظم أهالي العزبة لا يتوفر لهم أي سكن بديل، إلا الشارع في حالة الإخلاء.
لذا يؤكد حزب التحالف الشعبي الإشتراكي رفضه المطلق لتهجير أهالي عزبة أبو رجب بالقليوبية، كذلك يدين إستمرار الدولة في إهدار منابع التنمية الإقتصادية للبلأد، لصالح مشاريع الإستثمار العقاري، التي أصبحت بمثابة وبال على حياة المواطن المصري، وهو ما يجعلنا كحزب نرفض عمليات تبوير الأراضي الزراعي، مما يفاقم من أزمة البلأد الإقتصادية والإجتماعية، ويؤدي إلى زيادة الفجوة الغذائية بالبلأد.
كما يطالب الحزب بإلغاء كأفة القرارات الصادرة ضد منازل العزبة وأراضيها الزراعية، كما يناشد كأفة القوى الديمقراطية بضرورة التضامن مع أهالي عزبة أبو رجب، والوقوف ضد كل من يعبث بالبلد ومقدراته، ومن يستسهل تشريد الأهالي وإبعادهم عن ذاكرتهم الإجتماعية ليفقدوا هويتهم الإجتماعية، ويتغاضى عن إحتياجات المجتمع، من إستقرار وتنمية حقيقية.
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
15 مارس 2023