الرئيسية » عربي ودولي » الجزائر تنهي عقودًا من التهميش للأمازيغ

الجزائر تنهي عقودًا من التهميش للأمازيغ

الجزائر: وكالات

خطت الجزائر خطوة كبيرة نحو تدعيم حق المواطنة لكافة فئات المجتمع بعد إقرار البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) يوم السابع من فبراير الماضي اعتبار اللغة الأمازيغية “لغة وطنية ورسمية” إلي جانب اللغة العربية.

ويرى العديد من المثقفين والسياسيين في الجزائر أن اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية رسمية جاء ردا على ما وعد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2011 لإجراء حزمة إصلاحات شملت قوانين الانتخابات والأحزاب والجمعيات والإعلام لمواجهة موجة الثورات العربية حينذاك والتي قال إنها “ديمقراطية مستورة”، كما اعتبر أن الجزائر استثناء فيها، وتعهد بأن يكون تعديل الدستور آخر محطة لهذا الإصلاحات.

وتعد الأمازيغية اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى التي تضم عدة ولايات “محافظات” تقع شرق العاصمة الجزائرية، وقام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بترقيتها إلى لغة وطنية في تعديل دستوري عام 2001 وأصحبت مادة تعليمية ولها نشرات خاصة في التليفزيون الحكومي غير أن أحزابا بينها الأحزاب المحسوبة على النظام الحاكم إلى جانب منظمات ظلت تطالب بجعلها لغة رسمية.

وينقسم الأمازيغ في الجزائر بحسب باحثين إلى عدة مجموعات منفصلة جغرافيا، وهم القبائل في بلاد القبائل (شرق العاصمة)، الشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، المزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كلم جنوب)، الطوارق (أقصى الجنوب)، الشناوة في منطقة شرشال (90 كلم غرب)، وهناك مجموعة بربرية أخري قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لغتها أو لهجتها بقربها الكبير من الشلحية وهم أمازيغية الشلوح (بربر) في المغرب.

وتحقيق مطلب اعتماد الأمازيغية لغة رسمية – وهي اللغة الأم للملايين من الجزائريين – مر عبر نضالات وتضحيات جسام كان في بعض محطاتها ثمنها الدم، كما كان عليه الحال خلال أحداث الربيع الأمازيغي في أبريل من عام 1980، وكان فتيلها اشتعل عندما منع والي ولاية تيزي وزو، الواقعة على بعد 100 كيلومترات شرق العاصمة الجزائرية وتعد عاصمة منطقة القبائل، الكاتب الشهير الراحل مولود معمري من إلقاء محاضرة حول الشعر القبائلي القديم في جامعة تيزي وزو التي حملت اسمه في ما بعد.

وعلى الأثر خرج الطلبة في تظاهرات انتهت بتدخل القوات الخاصة وسقوط العشرات من الجرحى، وكانت نتيجة لتراكمات لدي الأمازيغ ونضالات حركتهم الثقافية بسبب الإقصاء والتهميش في بلد، هم سكانه الأصليون.

وأول مكسب حققه نشطاء الحركة الأمازيغية كان عام 1995، عندما تم اعتماد لغتهم في المدارس، بعد إضراب عن الدراسة لتصبح لغة وطنية بعد الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة القبائل في عام 2001، وصولا إلى دسترتها الشهر الجاري.

ورحب الكثير من المثقفين الجزائريين باعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية، التي اعتبروها تصحيح خطأ ارتكب في حق مكون رئيسي من مكونات الهوية الجزائرية.. وقال الروائي أمين الزاوي الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية في هذا الشأن “إقصاء الأمازيغية من تاريخ الجزائر المستقلة، ولد ثقافة الحقد والرفض بين الجزائريين، بين الذين يتكلمون العربية والذين يتكلمون الفرنسية، والذين كانوا يعيشون في خوف بسبب كلامهم بالأمازيغية”.

وأضاف – في تصريحات صحيفة نشرت مؤخرا – “جيلنا دفع ثمن الأخطاء السياسية واللغوية والأيديولوجية التي اقترفتها الطبقة السياسية بعد الاستقلال”.

أما الأكاديمي الجزائري وأحد الباحثين البارزين في التاريخ والفكر الأمازيغي محمد أرزقي فراد وأحد النشطاء السابقين في الحركة الأمازيغية، فاعتبر أن “الخطوة ستجعل شريحة مهمة من الجزائريين يعيشون اكتمال مواطنتهم التي ظلت مبتورة بحكم تغييب لغة أمومتهم من الحياة العامة”، كما يمكن اعتبار القرار الشجاع بمثابة “تتويجا لنضال أجيال عديدة قبل الاستقلال وبعده”.

لكن هناك من المثقفين من رأوا العكس على غرار الدكتور الأمازيغي أحمد بن نعمان أحد أبرز الوجوه الرافضة لإقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية مع أنه سليل منطقة القبائل.. فقبل المصادقة على الدستور الجديد وجه خطابا إلى مجلس البرلمان محذرا فيه مما اعتبره خطرا يتهدد البلاد ووحدتها، وشدد على ضرورة التمسك باللغة العربية كلغة رسمية وحيدة في الجزائر.

ويري الدكتور سعدي قاسي أستاذ اللغة الأمازيغية بجامعة تيزي اوزو بأنه يجب على الدولة أن تسرع في إنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية، بهدف توحيد حرف الكتابة وتدريس اللغة بكل تنوعاتها وبحسب المناطق المنطوقة فيها، كالقبائلية في وسط البلاد والشاوية في شرقها والمزابية والترقية في الجنوب لتعليمها كمرحلة أولى، تمهيدا لتوحيدها في المستقبل.

وأكد الإعلامي لخضر رزاوي أن أخذ الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لن يكون قبل 20 أو 30 سنة من الآن، وهذا في أحسن الأحوال، لاعتبارات موضوعية وأخرى سياسية.

جدل آخر يرافق اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية، ويتجلى في الاختلاف حول أي حرف سيعتمد في كتابتها سواء في المدرسة أو مصالح الإدارة، بين الحرف العربي أو اللاتيني أو “التيفيناغ” (هي أبجدية قديمة كانت تستخدم في شمال أفريقيا بين الأمازيغ لتدوين اللغات الأمازيغية المختلفة).

وحول هذه الخيرات الثلاثة يوضح الدكتور سعدي قاسي قائلا إن “الحرف اللاتيني تطور أكثر من غيره من الحروف لا سيما في منطقة القبائل، إذ أن كل المؤلفات الأمازيغية في هذه المنطقة مدونة باللاتينية، كما أن تعليم الأمازيغية في مدارس المنطقة كذلك بالحرف اللاتيني، ولكن هذا لا يلغي وجود الحرف العربي في المناطق الأخري ولا يلغي الحرف التيفيناغي لدى سكان الأهقار في الجنوب الجزائري.

وعلى صعيد موقف الأحزاب الإسلامية في الجزائر من إقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، فقد اقترح رئيس “جبهة العدالة والتنمية” الإسلامية المتشدد عبد الله جاب الله استعمال الحرف العربي في كتابة اللغة الأمازيغية.

فيما رفض رئيس حركة “مجتمع السلم” الجزائرية (الإخوان المسلمين) عبد الرزاق مقري اعتبار اللغة الأمازيغية منازعة للعربية في الجزائر، وقال إن “العربية والأمازيغية شقيقتان تعيشان معا وتغذيان بعضهما منذ قرون”، لكنه أضاف أن “اللغة التي تسيطر على الإدارة ويتحدث بها المسؤولون في الاجتماعات الرسمية هي الفرنسية، وهذه اللغة يتشدق بها المغرورون المتغربون الفارغون في بلادنا، في التخاطب بينهم بل حتى مع أولادهم وأزواجهم”، قاصدا أن تُسحب الفرنسية تدريجا من المنهج التعليمي لمصلحة الأمازيغية.

وتضمنت التعديلات التي أقرها البرلمان الجزائري يوم السابع من فبراير الماضي تعديلا للمادة 74 من الدستور الحالي التي تنص على أن “مدة المهمة الرئاسية خمس سنوات، ويمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية” أي أن الرئيس يمكنه الترشح لعدة فترات رئاسية، أما حاليا فأصبح من الممكن إعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة فقط، أي تحديد الولاية الرئاسية في فترتين من خمس سنوات فقط.. كما شملت التعديلات استحداث “هيئة عليا دائمة ومستقلة” لمراقبة الانتخابات ترأسها شخصية مستقلة.

جدير بالذكر أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أجرى منذ وصوله الحكم عام 1999 تعديلين دستوريين الأول عام 2001، قام بموجبه بجعل الأمازيغية لغة وطنية ثانية إلى جانب العربية، وعام 2008، عندما عدل مادة دستورية أصبح بموجبها الترشح لرئاسة الجمهورية مفتوحا، بعد أن كان محددا في ولايتين فقط (5 سنوات لكل منهما)، وهو ما سمح له بالترشح لولاية ثالثة عام 2009، ورابعة في 17 أبريل 2014.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.