الرئيسية » مقالات » الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار يوجه خمس أسئلة للحديد والصلب حول صفقة ابوهشيمة

الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار يوجه خمس أسئلة للحديد والصلب حول صفقة ابوهشيمة

القصة الحزينة للخصخصة..ومأساة الإحتفال بتصفية الحديد والصلب المصرية

  • أبو هشيمة اشتري خردة الحديد والصلب بالأمر المباشر دون مناقصة 
  • جرى عمدا إهمال الشركة وتخريبها حتى لا تقوم لها قائمة، وحتى يكون خرابها هو مبرر تصفيتها
  • الحديد والصلب قلب الصناعة المصرية

خصخصة القطاع العام المصري قصة حزينة، مليئة بالمعاناة، ومليئة بالفساد. ما يقرب من 300 شركة تمت تصفيتها او خصخصتها كليا او جزئيا حتى اليوم. هذه الشركات هي حصيلة عمل وعرق المصريين (راسماليين وعمال واداريين)، وتراكم ثرواتهم، والفائض الاقتصادي الذي حققوه منذ فترة ما بين الحربين وما بعدها. هي ما أممه جمال عبد الناصر وما صادره من ثروات سبقته (ومنها ما أقامه طلعت حرب)، وما بناه على ذلك بعدها، هي خلاصة نهضة مصر منذ ثلاثينات القرن الماضي.

القطاع العام المصري ليس هو الشركات التي انشئت في ستينات القرن الماضي فقط، ولكنه اكبر من ذلك واعمق جذورا. فمنه شركات تأسست في ثلاثينات القرن الماضي (النحاس المصرية، والنصر للزجاج)، ومنه ما تأسس في الأربعينات (الدلتا للصلب) والخمسينات (الحديد والصلب) والستينات (النصر للمطروقات) وحتى سبعينات القرن الماضي. الذين يقومون الآن بذبح شركات القطاع العام وتصفيتها لا يعرفون قدر المعاناة والتضحيات التي تحملها المصريون من اجل بناء القطاع العام، فهو لذلك رخيص ولا قيمة له بالنسبة لهم، ومن ثم فهم يعبثون به، ويفرطون فيه بسهولة، بل ويجعلون من التفريط في كل شركة من شركاته مناسبة للاحتفال إنهم لا يعرفون قيمته.

صافي حصيلة بيع شركات القطاع العام المصري منذ عام 1991 حتى الان بلغت حوالي 57 مليار جنيه، طبقا لحسابات وزارة المالية، وهو مبلغ لا يزيد عن 10% من قيمة الشركات التي تمت خصخصتها او تصفيتها. هذه هي قيمة مدخرات المصريين، وحصيلة التراكم الاقتصادي الناتج عن شد الاحزمة على البطون لمدة تزيد على 80 عاما! وعندما تكتب القصة الحقيقية للخصخصة ستصاحبها قصص مروعة ومفزعة عن السرقات والفساد الذي احاط ببيع مدخرات المصريين وعرقهم بأبخس الأثمان، في زمن المخلوع الذي جرى في عهده مسلسل تخريب مصر.

وفي القلب من القطاع العام تقف الشركات الصناعية، وفي القلب من الشركات الصناعية تقف شركات الصناعات المعدنية والهندسية، وفي القلب منها جميعا كانت تقف شركة الحديد والصلب المصرية، قلعة الصناعة المصرية بحق، لأنه لا صناعة بدون الحديد والصلب، ولا تشييد ولا سكك حديد ولا قطارات ولا سفن ولا سيارات، ولا سلاح بدون الحديد والصلب. فصناعة الحديد والصلب ليست صناعة حديد التسليح كما اختصرها البعض، بل انها اكبر من ذلك بكثير.

شركة الحديد والصلب المصرية يتم تصفيتها بإصرار، لأن الصناعة في مصر يجب ان تقتل، وأن تدفن، فمصر من وجهة نظر بعض صناع القرار ليست بلد صناعة، وانما هي بلد خدمات دنيئة، واهلها لا يصلحون للصناعة، وانما يصلحون فقط ليكونوا فواعلية وشيالين بالغلق، إلى جانب الإشتغال بالزراعة وببيع الإبر والمشط والفلايات والفول والترمس والذرة المشوي. ان وجود شركة الحديد والصلب المصرية يدين هؤلاء المسؤولين، ولذلك فانهم لا يريدون لها ان تبقى، لأن بقاءها هو دليل يدينهم ويقض مضاجعهم.

وقدجرى عمدا إهمال الشركة وتخريبها حتى لا تقوم لها قائمة، وحتى يكون خرابها هو مبرر تصفيتها. وارتفعت الاصوات فجأة تشكو من سرقات المعدات والمخزون، وتتباكى على الاصول غير المستغلة. كما جرى عمدا استبعاد عروض جادة لاعادة تأهيل الشركة، ولبث الروح فيها مرة ثانية.

ثم صدرت الاوامر بضرورة الاسراع في التصفية، لان الحكومة في ضيق مالي، وفي حاجة الى سيولة. وبدأت المرحلة الجديدة في القصة الحزينة بإعلان تصفية القومية للاسمنت، ثم جاء الدور على شركة الحديد والصلب المصرية باحتفال مهيب لبيع الخردة المتراكمة لدى الشركة. مليون طن من الحديد الخردة او أكثر. وذهبت الخردة بصفقة بالأمر المباشر الى صاحب “حديد المصريين” احمد ابو هشيمة.

السيد رئيس مجلس ادارة الحديد والصلب المصرية، رد على رسالتي في هذا الشأن قائلا إن الخردة المباعة هي من نواتج التشغيل، اي ان المليون طن هي من نواتج تشغيل افران الشركة، وان الشركة لا تستخدم الخردة في افرانها، وانما تستخدم الخام المستخرج من الواحات البحرية.

ويثير الرد عددا كبيرا من الأسئلة، وليسمح لي رئيس مجلس ادارة الحديد والصلب المصرية أن اوجه له عددا من الاسئلة، أرجوه ان يرد عليها، وان يعتبر نفسه مسؤولا قانونا عن كل كلمة في ردوده عليها:

سؤالي الأول لسيادته: إذا كانت تلك الخردة هي من النواتج الجانبية للتشغيل، فما هي المنتجات الحقيقية للتشغيل؟ ان تشغيل الافران يتم باستخدام الخامات الأولية لإنتاج سلع وليس لانتاج خردة، أليس كذلك؟ فأين ذهبت منتجات الشركة؟

سؤالي الثاني لسيادته هو: اذا كان الامر كذلك، فلماذا كان يتم تخزين الخردة، وعدم بيعها سنة بسنة لتوفير سيولة مالية للشركة؟ علما بان الشركة كما تقول وزارة قطاع الاعمال العام كانت تعاني من مشاكل مالية.

وسؤالي الثالث لسيادته هو: إن قيمة الخردة التي تم توقيع صفقة بيعها الى رئيس شركة المصريين تساوي ما يتراوح بين 295 مليونا الى 320 مليون دولار اي ما يعادل نحو 5.5 مليار جنيه. فماذا ستفعل سيادتكم بصفتكم رئيس مجلس ادارة الشركة بهذه الثروة التي هبطت على الشركة من السماء؟ هل ستستخدمها في البدء في تجديد الافران واعادة تاهيل خطوط الإنتاج؟ ام ستستخدمها في تسوية معاشات من سيحالون الى التقاعد من عمال ومهندسي الشركة؟ ام ستسارع البنوك الدائنة بالاستحواذ عليها؟

وسؤالي الرابع الى سيادته هو: ماذا قرر مجلس الادارة فيما يتعلق بالأراضي المملوكة للشركة، 3000 فدان! هل سال لها لعاب شركات الاستثمار العقاري؟ وهل جرت لقاءات لتوزيع التورتة على المستثمرين العقاريين؟ وما هو تقدير قيمة هذه الاراضي؟ وهل ستستخدم حصيلة بيع جزء منها في اعادة تأهيل الشركة؟ ام ان صفقة بيع الخردة الى ابوهشيمة، هي عنوان النهاية المأساوية؟

أما سؤالي الخامس والاخير الى سيادته فإنه يتعلق بما كان يثار عن اعادة تاهيل الشركة وتطويرها، لماذا رفض مجلس الإدارة عروضا من شركات روسية، وبريطانية/هندية، ومن بيوت خبرة اوروبية، لتقديم خطط وبرامج لتطوير المصرية للحديد والصلب؟ لماذا رفض المجلس افكارا كثيرة للتطوير، خصوصا في فترة يتم فيها على قدم وساق اعادة توطين تلك الصناعة ونقلها من مراكزها التقليدية في الدول الصناعية المتقدمة الى الاقتصادات الناشئة؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.