الرئيسية » مقالات » إلهامي الميرغني يكتب: الخصخصة وخطة الدولة للتخلص من الفقراء (1)

إلهامي الميرغني يكتب: الخصخصة وخطة الدولة للتخلص من الفقراء (1)

خصخصة الصحة:

لم تتوقف خطط الخصخصة التي بدأت في عهد مبارك والتي امتدت من الشركات العامة إلى المرافق العامة واخيرا وصلت لخصخصة الخدمات العامة. وعندما أعلن وزير التخطيط أن الجهاز الإداري للدولة متخم بالعمالة وان الدولة يمكن ان تعيش بوجود 10% فقط من العدد الحالي لم يهتم البعض وحتى بعد صدور قانون الخدمة المدنية الذي يعود للحياة قريبا بعد التعديلات. ولكن عندما ردد رئيس الجمهورية نفس المقولة في عدة خطابات، فقد كانت إشارة البدء لخصخصة التعليم والصحة.

فالتعليم والصحة تضم 2.6 مليون موظف يمثلون 49% من الموظفين في مصر، وعندما يتحدث الرئيس عن جهاز إداري رشيق يعمل ب 10% فقط من الموظفين الحاليين لا نعرف كيف يمكن ذلك في ظل وجود التعليم والصحة الذين تقدمهم الدولة وفي ظل وجود أكثر من 972 ألف يعملون بقطاع النظام العام وشئون السلامة العامة الذي يضم وزارة الداخلية.

الصحة يعمل بها ما يقرب من 700 ألف طبيب وممرض واداري وعامل ويخصهم نحو 49 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2016/2017. وتسير الخطة على النحو التالي:

1- اقتراض ملايين الدولارات بدعوي إصلاح الصحة والمستشفيات الحكومية والوحدات الصحية. وقد فوجئ المواطنين بعد انتهاء اعمال التطوير في بعض المستشفيات مثل مستشفى بني سويف العام بقائمة بتكلفة الخدمات التي وصلت إلى 700 جنيه لإزالة كيس دهني و1500 جنيه لاستئصال الزايدة في المستشفي العام.

2- تغول شركة أبراج كبيتال الاماراتية واستحواذها على منشآت صحية خاصة مثل مستشفى كيلوباترا والقاهرة التخصصي ومعمل البرج وكايرو سكان وشركة أمون للأدوية وغيرها وكلها حصلت على شهادات تأهيل دولية وبالتالي عند بدء نظام التأمين الصحي الجديد تكون هذه الجهات هي المؤهلة للتعاقد بينما المنشآت الحكومية التي تزيد قيمتها على تريليون جنيه خارج المنظومة لعدم تأهيلها وحصولها على شهادة الجودة.

3- الاصرار على استمرار تدني أجور الأطباء والطواقم الطبية لدفعهم لترك العمل الحكومي والالتحاق بالقطاع الخاص أو الهجرة بينما تعاني عشرات بل مئات المنشآت الصحية من نقص الطواقم الطبية.

4- تدمير المستشفيات الحكومية والاسرة الحكومية على مدي سنوات بحيث تراجع عدد المستشفيات الحكومية من 1314 مستشفى عام 2003 إلى 657 مستشفى في عام 2013 وتراجع عدد أسرة المستشفيات الحكومية من 80.6 ألف سرير إلى 41.4 ألف سرير.

5- عدم توفير الحماية الكافية للطواقم الطبية لكي تصبح المستشفيات العامة أماكن غير أمنة على عكس الوضع في مستشفيات القطاع الخاص.

6- كانت الدولة قد انشأت 420 مستشفى بالقري الكبري وجهزتهم ولكنها لم توفر لهم الطواقم الفنية والإدارية لتشغيلهم، وحولتهم في فترة إلى وحدات صحة أسرة وظل العشرات منهم مباني مهجورة واستثمارات معطلة. أخيرا خرجت علينا وزيرة الاستثمار بخبر تأسيس شركة خاصة لتشغيل 75 من مستشفيات التكامل. وتري وزارتي الاستثمار والصحة أنه يمكن أن تطرح للاستثمار بطرق منها المشاركة مع القطاع الخاص أو تأسيس شركه متخصصة لإدارة المستشفيات بالتعاون مع جهات مختلفة أو تشغيل هذه المستشفيات عن طريق رجال الأعمال.

7- عدم التزام الحكومة بتوفير النسبة المحددة بالدستور للانفاق على الصحة بما يكبل قدرارت المخلصين داخل القطاع الصحي الحكومي.

8- زيادة الاعتماد على القطاع الأهلي والتبرعات لتوفير الخدمة الصحية، بل ان صندوق تحيا مصر الذي يعتمد على التبرعات دخل أيضا لتقديم خدمات صحية في ظل تخلي الدولة عن دورها. ولكي تصبح الخدمة الصحة مجرد تبرع من أصحاب القلوب الرحيمة والاثرياء بدء من مستشفى سرطان الأطفال ثم المعهد القومي للاورام واخيرا حملة القضاء على فيروس سي.
هكذا تم إغراق مصر في ديون بالمليارات وبعد بيع شركات ومصانع القطاع العام المنتج وخصخصة المياه والكهرباء ورفع الدعم عنها ووصلنا للمحطة الأخيرة وهي خصخصة التعليم والصحة. تضع الحكومة 40% من استثمارات الصحة لعام 2016/2017 بيد القطاع الخاص.
كل دول العالم بها تسعير لخدمات الصحة التي يقدمها القطاع الخاص بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية قبلة الرأسمالية المتوحشة لكن في مصر يتولي تجار الأمراض تحديد الأسعار في غيبة الدولة الهشة ومن يملك المال يملك الصحة والفقراء مكانهم المقابر. نفس الشيء ينطبق على استقبال حالات الطوارئ الحرجة وعلاجها بالمستشفيات الخاصة وهو مالم يحدث ولا تلتزم به المنشآت الخاصة ولا يقع عليها أي عقاب. وعندما يتصل المواطن صاحب الحالة الحرجة يجد رقم هاتف لا يرد وإذا رد لا يتم اتخاذ أي إجراء.

إن الصحة حق أقرته كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر واصبحت جزء من قوانين الدولة بحكم الدستور، وهي حق عام يمنح بشكل متساوي ومجاني لجميع المواطنين. بينما السياسة الحالية تتجه لخصخصة الصحة والتخلص من أكبر نسبة من ال 700 ألف العاملين بالصحة لكي يصبح دور الوزارة مجرد رسم السياسات ومنح شهادات الجودة والتراخيص وترك التنفيذ للقطاع الخاص وترك المواطنين من يملك يعالج ومن لا يملك يموت أو ينتظر تبرعات أصحاب القلوب الرحيمة. وذلك تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

في الوقت الذي تعود فيه الأوبئة مثل الملاريا والدرن وشلل الأطفال التي كانت مصر قد تخلصت منها إضافة إلى الأمراض المزمنة الأخرى وأهمها فيروسات الكبد، تخفض الدولة فعليا موازنة الصحة وتتلاعب بالتزامها الدستوري. وتطلق يد القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي مثل إبراج الامارتية ليصبح الربح هو أساس تقديم الخدمة الصحة. ولاعزاء للفقراء.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.