الرئيسية » مقالات » الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي “يكتب سننجو …لكن بأي ثمن ؟”

الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي “يكتب سننجو …لكن بأي ثمن ؟”

سننجو…لكن بأي ثمن؟
من سيدفع التكاليف؟
وكيف سيتم توزيع الخسائر؟

قرأت مقالا بعنوان “لماذا يتوقع أن تخرج دول جنوب آسيا من أزمة كوفيد-19 أفضل مما يتوقع الكثيرون”. المقال كتبه “ديفيد بروستر” الأستاذ في كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الإسترالية، والمتخصص في الشئون الاستراتيجية لجنوب آسيا والمحيط الهندي، ونشر على موقع “المفسر”- (ذي إنتربرتر)، وهو موقع تابع لمعهد “لوي”، وهو مركز تفكير إسترالي ومقره في سيدني، ويهتم المركز بالشئون الدولية والقضايا الاستراتيجية.
يقترح الكاتب أربعة من العوامل التي يمكن على أساسها بناء تصور أو سيناريو للمستقبل، هي: الصحة، النظام الإجتماعي، الإقتصاد، والأمن.

أول المؤشرات الصحية هو الديموغرافيا، التوزيع العمري للسكان، حيث شريحة السكان فوق 65 سنة، هي الفئة العمرية الأكثر تضررا، ومعرفة نسبتهم دليل مهم لتوقع أعداد المعرضين للإصابة.
المؤشر الثاني الذي يقترحه هو ضعف اعتماد المجتمع على الدولة، ويرى أن هذين المؤشرين، سيكون لهما دور كبير في خروج بعض الدول من الأزمة بخسائر أقل، وربما بمزايا إضافية.

يتوقع كثيرون أن تكون دول جنوب آسيا هدفا مناسبا للفيروس التاجي، ويتوقعون أن يودي الوباء بحياة الملايين في المناطق الفقيرة، وأن يهدد باندلاع نزاعات قد تؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار في المنطقة.

ربما يحدث ذلك، وربما لا يحدث، لكن توجد عدة عوامل ترجح عدم حدوثه، وهناك أسباب وجيهة ترجح أن تكون أضرار الوباء على جنوب آسيا أقل مما يتوقع الكثيرون.
يجلب الحديث عن جنوب آسيا إلى الذاكرة صورة الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان في مدن ضخمة تعج بالملايين حيث ينتشر الفقر والمرض وتدهور المرافق.
تعني هذه الصورة الذهنية النمطية السائدة أنه إذا تمكن الفيروس من فرض سيطرته وانتشر الوباء في دول المنطقة، أن تعاني دول مثل الهند وباكستان وبنجلاديش، من معدلات وفيات مرتفعة، واضطرابات اقتصادية واجتماعية تتجاوز تلك التي تشهدها البلدان المتقدمة.

فهل يمكن أن تزيد الاضطرابات الناتجة عن الوباء من تفاقم المشكلات الأمنية المتعددة التي تواجهها دول المنطقة؟ وهل يمكن للوباء أن يهدد استقرار بنجلاديش مثلا؟ وما هي الآثار المتوقعة للأزمة على الأمن الداخلي وأمن الحدود بين الدول؟ وهل تشجع المتطرفين في الهند وباكستان؟

آجلا أو عاجلا سينحسر الوباء، لكن توابع الأزمة وتداعياتها قد تستغرق وقتا طويلا، فلا أحد يعرف على وجه الدقة متى تخف حدة الأزمة، ولا متى ستنتهي، ولا حجم الخسائر المتوقعة،كل ما نعرفه جميعا، وعلى وجه اليقين، أن الفيروس التاجي يضرب العالم بطريقة غير متوقعة.

توجد احتمالات قوية ترجح أن تتجاوز دول جنوب آسيا الأزمة، وإن لم تسلم تماما من آثارها، لكن ربما تكون أقل تضررا من دول أخرى في العالم.
يقول الكاتب: دعونا نلقي نظرة على الجوانب المختلفة للأزمة،الصحة والنظام الاجتماعي والاقتصاد والأمن.

أول ما يلفت الإنتباه في الصحة، هو أنه على الرغم من أعداد السكان الهائلة في هذه البلاد، فإن إجمالي أعداد الحالات المصابة التي أبلغت عنها منظمة الصحة العالمية منخفضة نسبيا: 5914 في الهند، و 4072 في باكستان، و 164 في بنجلاديش، حتى 8 أبريل. بالطبع، معدلات الاختبار وأعداد المسحات هي أقل مقارنة بما يجري في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا.
لكن أيضا، أعداد الوفيات التي تم الإبلاغ عنها لا تزال منخفضة نسبيا: 149 في الهند و 58 في باكستان و 17 في بنجلاديش.
يمكن لهذه البلدان أن تكون الآن في أسفل المنحنى، مقارنة ببلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، أويحتمل أن تكون لها منحنياتها الخاصة لمراحل انتشار الوباء.
ويتكهن البعض بأن الدول الاستوائية ستكون أفضل حالًا من الدول المعتدلة والباردة، بسبب عوامل مثل المناخ، أو التعرض للإصابة بالملاريا، أو معدلات التطعيم المرتفعة ضد السل في هذه الدول.
كما تلعب الديموجرافيا في صالح دول جنوب آسيا، حيث تعد بلدان الهند وباكستان وبنجلاديش من بين أصغر الدول في العالم، بمعنى أن أغلبية كبيرة من السكان هم من الشباب وصغار السن، و تتراوح نسبة السكان فوق ال 60 سنة بين 5-8%، ونسبة من هم فوق ال 70 سنة بين 2-3% من جملة السكان. وهي نسب أقل بكثير من التوزيع العمري في إيطاليا، حيث 16% فوق سن 60 و 10% فوق سن ال 70 عاما.
ويلعب هذا المؤشر في صالح مصر أيضا، حيث تتراوح نسبة هذه الشريحة 4.3% و5%. 90% من وفيات كوفيد-19 فى العالم هي في الفئة العمرية الأكبر من 60 عاما، ما يعني إنخفاض أعداد السكان المعرضين للخطر في هذه البلدان، ومعها مصر.
الجانب الثاني هو التنظيم الاجتماعي، يسأل الكاتب كيف ستؤثر الأزمة على النظام الاجتماعي والاستقرار السياسي في جنوب آسيا؟ ويجيب أننا لم نشاهد في الأخبار تقارير عن عمليات تسابق المواطنين لشراء وتخزين السلع الأساسية في هذه البلدان، أو ما سمى حروب ورق التواليت والمنظفات، التي ضربت المتاجر الكبرى في أستراليا والخليج العربي وأوربا.
حدث ذلك في مصر، على الأقل في المدن الكبرى والأحياء الراقية، بأكثر مما حدث في الريف والمدن الصغرى.

تخصص دول الهند وباكستان وبنجلاديش القليل من الموارد للرعاية الاجتماعية، إلا أن النظام الاجتماعي يتمتع بمرونة أكبر في التعامل مع الأزمة، مقارنة بالعديد من البلدان الغنية.
هناك لا يعتمد الناس عموما بشكل كبيرعلى الدولة، وربما يتمتعون بخبرات شخصية وجماعية أكبر في التعامل مع الكوارث، ويمكن للتقاليد الاجتماعية والدينية القوية أن توفر أيضًا مخزونًا احتياطيا قيمًا للمساعدة على الصمود.

الجانب الثالث هو الإقتصاد أوالعواقب الاقتصادية للأزمة وللتدابير المتخذة للحد من انتشار الفيروس، بما في ذلك آثارها المحتملة على الأمن الغذائي أو تأمين الدول لسيادتها الغذائية. ربما لا يلعب هذا العامل في صالح مصر التي تسستورد الكثير من السلع الغذائية.

في السنوات الماضية شهدت كل من الهند وباكستان وبنجلاديش نموًا اقتصاديًا مرتفعًا نسبيا، وعلى الرغم من أنه بدأ يتباطأ في السنوات الأخيرة، لكن من المرجح أن يتحمل الإقتصاد الهندي للصدمة بسبب حجمه الكبير، وحماية الدولة، كما يتضح أيضا من انسحاب الهند من الإتفاق التجاري (RECP)، تحمل الإقتصاد الهندي الصدمات العالمية بعد الأزمة العالمية في عام 2009، ويتوقع أن يصمد أيضا أمام الأزمة الحالية.

وتعتمد بنجلاديش بشكل كبير على التجارة عبر الحدود، لذلك يتوقع أن يكون آداؤها أقل كفاءة من الهند.
ربما تشبه مصر حالة أقرب لبنجلاديش أكثر من الهند.
أما في باكستان فالإقتصاد هش من الناحية المالية، وكانت تفاوض صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ للإقتصاد.
وعلى الرغم من أزمة أمن الغذاء المتوطنة بين الفقراء في هذه البلاد الثلاثة، والتي تفاقمت مؤخرا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الآونة الأخيرة، يمكن لهذه البلدان أن لا تتأثر بقوة بأية إضطرابات تحدث في سوق الغذاء وسلاسل التوريد العالمية.

يزيد حجم إنتاج الغذاء في كل من الهند وباكستان وبنجلاديش عن حاجات سكانها، وتفرض الحكومات رسوم جمركية عالية على واردات الأغذية، ما يجعل هذه الدول أقل اعتمادًا على تجارة الأغذية العالمية، كما تدعم الحكومات هناك أنظمة راسخة ومستقرة لتوزيع الأغذية على الفقراء.
لا يتمتع الإقتصاد المصري بميزات الإقتصاد الهندي، لا من حيث الحجم ولا من حيث دور الدولة، وربما كانت مصر أقرب إلى حالة بنجلاديش، في حين تتميز بنجلاديش بميزة إنتاج الغذاء بما يزيد على حاجة سكانها الذين يزيد عددهم على 160 مليون.
أما مصر فتستورد جزء ا كبير ا من الغذاء من السوق العالمية.
العامل أو الجانب الأخير هو الأمن الإقليمي. ويتوقع الكاتب أن تؤثر الأزمة على الأمن والعلاقات الإقليمية لسنوات، مع العديد من التوابع الثانوية غير المتوقعة، لكنه يرجح أن تكون الآثار على دول جنوب آسيا قليلة.
فعلى سبيل المثال، إستخدم القوميون الهندوس في الهند الأزمة وألقوا باللوم على انتشار كوفيد-19 على الأقلية المسلمة ، أو على باكستان المجاورة، دون تداعيات أكبر. كما أن الآثار الصحية أو الاقتصادية الشديدة للأزمة، إذا ما قدر لها أن تحدث، فمن المحتمل أن يكون لها تأثير سلبي على النظام والأمن الداخلي في جميع دول جنوب آسيا. لكنها يمكن أن توفر أيضًا فرصة مناسبة لإنهاء الخلافات في العلاقات الإقليمية بين هذه الدول. يسعى رئيس الوزراء الهندي “مودي” إلى استثمار الأزمة في إطلاق وتفعيل آليات التعاون الإقليمي التي أصابها الشلل. ومما يجعل من التعاون الإقليمي أمرا هاما، موضوع الحدود الهندية التي يسهل اختراقها، خصوصا مع بنجلاديش ونيبال. أيضا قد ترى الحكومة- أو الجيش- في باكستان الفرصة مناسبة لمناقشة وحل بعض المشاكل الأمنية العالقة مع الهند.
ربما يلعب عامل الأمن في صالح مصر مقارنة بدول جنوب آسيا.

وعن الصين، يقول الكاتب، هي أكبر دولة مجهولة في المنطقة. ويتوقع أنه من الممكن أن تؤدي الأزمة، ودور الصين فيها كمصدر لانطلاق للفيروس، إلى نتائج سلبية على العلاقات الاستراتيجية بين الصين والهند. لكن أيضا يمكن للبلدين اختيار استخدام الأزمة لتعزيز التعاون المشترك في نظام عالمي جديد يعاد تشكيله بعد الوباء.

على مدى الشهور والسنوات القادمة سيتكشف كل هذا، وربما تظهر دول أخرى، مثل مصر وفيتنام مثلا، درجات غير متوقعة من المرونة في التعامل مع الأزمة، و ربما تجد طريقة لتقليل خسائرها وتوظيف الأزمة في صالحها.
سننجو،
لكن من سيدفع الثمن؟
وكيف سيتم توزيع الخسائر؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.