الرئيسية » مقالات » الدكتور نور فرحات وتساؤلات مشروعة حول التعديلات المصنوعة

الدكتور نور فرحات وتساؤلات مشروعة حول التعديلات المصنوعة

طرح الاستاذ الدكتور محمد نور فرحات أستاذ فلسفة وتاريخ القانون بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، والحاصل علي جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠٣ وجائزة الدولة للتفوق ٢٠٠١ عدد من التساؤلات حول التعديلات الدستورية بعنوان ”  هذه كلمتي – أسئلة وإجابات حول مقترح البرلمان بتعديلات الدستور،هل هي مجرد تعديلات للدستور أم تقويض لأسسه ؟

( جناية الفكر القانوني علي تاريخ مصر الحديث ارتكبها مشرعون وفقهاء طوعوا القانون لخدمة الاستبداد ولم يطوعوا الاستبداد لسلطة القانون والعدل)

السؤال الأول :هل أثبت الواقع وخبرة التطبيق الحاجة إلي التعديلات الدستورية المقترحة ؟ ، أم أنها مقترحات مضمرة بدأ الإعداد لها منذ إقرار الدستور وقبل أن يجف مداده ؟

الإجابة :أن نصوص الدستور لم تخضع لاختبار فعلي بل تم تجاوزها في كثير من الحالات . والتعديلات المطروحة الآن بدأالحديث عنها عام ٢٠١٥ بواسطة ممثلي ائتلاف ( في حب مصر) وهو الائتلاف الذي حازت قائمته المختارة بعناية علي أكثرية عضوية البرلمان وأصبح يسمي ائتلاف دعم مصر ، لقدجري الترويج لها ولم تمض شهور علي إقرار الدستور. وهكذا أقسم أغلب نوابنا علي احترام دستور عقدوا العزم مسبقا علي تعديله . بل إن تصريحات المسئول عن الإئتلاف المرحوم اللواء سامح سيف اليزل قد حددت مواقع التعديل المطلوب ، وهي النصوص المتعلقة برئيس الجمهورية وعدد من المواد الأخري ، وإن كان قد استبعد البدء في إجراءات التعديل قبل مرور عامين علي تشكيل المجلس .( جريدة الوطن ١٠أكتوبر ٢٠١٥، ومصراوي ٢٠سبتمبر ٢٠١٥ والأهرام ٣نوفمبر ٢٠١٥)
فما يجري الآن هو خطة جري الإعلان عنها بوضوح منذ إقرار الدستور الحالي. 
السؤال الثاني : هل التزمت هذه التعديلات بأحكام وشروط التعديل المنصوص عليها في الدستور ذاته ؟ فإذا كانت هذه التعديلات تخالف الشروط التي وضعها الدستور لتعديله فهي ليست تعديلا للدستور وإنما إنقلاب عليه ، وهو أمر لا يجوز للبرلمان الإقدام عليه لأنه ينطوي علي اعتداء سافر من الأغلبية البرلمانية الحالية علي ما ارتأته سلطة التأسيس ، وعلي اردة الشعب الذي صوت بأغلبية كاسحة بالموافقة علي الدستور .
الإجابة : أنه ليست هناك أدني شبهة لدي النظرة المنصفة غير المشوبة بالغرض في أن التعديلات المطروحة تخالف الشروط الموضوعية أو المحظورات الدستورية التي وضعتها المادة ٢٢٦ من الدستور النافذ. تنص المادة المذكورة في فقرتها الأخيرة علي ما يلي :(وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات) وبداهة أن عبارة ( مزيد من الضمانات تنصرف إلي مبادئ الحرية والمساواة دون غيرها .
والتعديلات المطروحة تخالف المحظورات من وجهين :أولهما أنها وضعت مادة انتقالية تستثني الرئيس الحالي من شرط الولايتين .وهذا يتنافي مع مبدأ عمومية وتجريد التشريع ويتنافي أيضا مع صريح نص المادة ٢٢٦ التي حظرت تعديل النصوص الخاصة بإعادة انتخاب الرئيس .والوجه الثاني أنها تحايلت علي النص الذي يحظر تعديل نصوص إعادة انتخاب الرئيس بأن أطالت مدة الولاية الواحدة الي ست سنوات .أي أن الرئيس الحالي من حقه ( من الناحية النظرية علي الأقل) لو أجيزت هذه التعديلات أن يترشح بعد انتهاء ولايته الحالية لولايتين متتاليتين تنتهيان في سنة ٢٠٣٤ . وهذا مخالف لصريح النصوص الحاكمة للتعديلات ومخالف لمبدأ تداول السلطة الذي هو أحد ركائز الدستور الحالي .

السؤال الثالث:

ما مدي صحة ما يروج له البعض من أن تعديل مدد ولاية الرئيس بجعلها ست سنوات بدلا من أربع لا يخالف الحظر الخاص بعدم تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس ؟ إنهم يزعمون أن إطالة المدد لا يتناول عدد مرات الولاية بما لا يشكل مخالفة دستورية ، فهل هذا صحيح ؟

الإجابة :
أولا : هذه الحجة تنهار أمام وضع مادة انتقالية تستثني الرئيس الحالي فقط من شرط الولايتين .ثانيا: هذه الحجة هي هزل شديد في مقام الجد ، وتلاعب بمصائر الأمم .إن النص علي عدم جواز تعديل نصوص إعادة الإنتخاب يجب تفسيره بالتلازم مع حكم المادة ١٤٠ من الدستور التي جعلت مدة ولاية الرئيس ٤سنوات لا تجوز إعادتها إلا مرة واحدة .فالحظر ينصرف إلي تعديل أحكام إعادة انتخاب الرئيس خلافا لما نصت عليه المادة ١٤٠ من الدستور .أي حظر انتخابه أكثر من أربع سنوات لولايتين متتاليتين . والقول بغير ذلك يخالف صريح نص الدستور وروحه .

السؤال الرابع:
هل النص علي حظر تعديل نصوص بعينها هو بدعة دستورية أتي بها دستور ٢٠١٤ ؟ وهل هذا النص يمثل اعتداء من الجمعية النأسيسية التي وضعت الدستور علي سلطة المشرع الدستوري اللاحق ؟

الإجابة : 
هذا زعم زائف .فقد سبق للمادة ١٥٦ من دستور ١٩٢٣ أن حظرت أي تعديل يتعلق بنظام الحكم النيابي ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة . وكذلك نصت المادة ١٩٤من مشروع دستور ١٩٥٤ علي حظر تعديل النصوص الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة وشكل الحكومة الجمهوري النيابي البرلماني ،وبنفس المعني حظرت المادة الثانية من الدستور الفرنسي تعديل الشكل الجمهوري للحكومة و المادة ٨٩ من ذات الدستور التي حظرت أي تعديل له ينطوي علي مساس بوحدة الأرض ، وما نصت عليه المادة ٢٨٤ من الدستور البرتغالي من قيد زمني علي تعديل الدستور ، والمادة ٢٨٩ من حظر التعديل خلال حالة الطوارئ والمادة ٢٨٨ من ذات الدستور التي حظرت تعديل مبادئ الاستقلال الوطني ووحدة الدولة والشكل الجمهوري وحريات المواطنين والفصل بين الكنيسة والدولة . وثمة عشرات من النصوص في الدساتير المقارنة تحظر تعديل مبادئ معينة تراها الجمعية التأسيسية مبادئ جوهرية للمجتمع السياسي منها مثلا المادة ٨٤ من الدستور البلجيكي والمادة ١٦٩ من الدستور الإسباني والمادة ١١من الدستور اليوناني،
ومن عجب أن هذا النظر لم يكن غائبا عن أعضاء لجنة الخبراء العشرة التي قامت علي إعداد تعديل دستور ٢٠١٢ ، فهي التي أضافت الحظر الموضوعي علي تعديل نصوص الدستور ، ومن يطالع محضر الإجتماع الحادي عشر للجنة خبراء الدستور المؤرخ ٧ أغسطس سنة ٢٠١٣ ، ص ص ٣٧-٣٨ ستعتريه دهشة شديدة ، فالدكتور علي عبد العال عضو اللجنة وقتئذ هو الذي اقترح إضافة فقرة يحظر بها اجراء تعديلات في الدستور تمس النظام الجمهوري أو الإنتقاص من الحريات أو مبدأ المساواة وقال نصا ( لا أريد لثلث أعضاء مجلس الشعب أن يتكلم بنقص الحريات أو تغيير النظام الجمهوري كما ورد بالدستور). وأشار إلي سابقة تحصين الحريات في دستور١٩٢٣ ، كما انتقد التعديل الذي جري في عام ٢٠٠٧ في دستور ١٩٧١، الذي جعل الحريات في ذمة التاريخ علي حد قوله ، وأيده في ذلك البعض من مستشاريه الحاليين مستشهدين بالمادة ٨٩ من دستور فرنسا .

السؤال الخامس : 
ألا يعد ما نص عليه مقترح التعديل في نص المادة ٢٠٠ بإضافة مهمة سياسية لمهام القوات المسلحة العسكرية هي الحفاظ علي الدستور وعلي مدنية الدولة ومبادئ الديموقراطية زجا بالقوات المسلحة التي لها مكانة غالية في قلوب المصريين في أتون الصراعات السياسية التي يجب أن تكون بمنأي عنها في أي مجتمع ديموقراطي؟

الإجابة :إن لجيش مصر الوطني كل الحب والاحترام والتوقير في نفوس المصريين .فهو المحافظ علي وحدة تراب الوطن وحامي حماه .وهو الذي روي هذا التراب بدماء أبنائه وزاد عنه وحقق لمصر النصر في حرب الكرامة والشرف سنة ١٩٧٣.فكيف لواضعي مقترح التعديلات الدستورية لا يقيمون لهذه المكانة الاعتبار كل الاعتبار ويحاولون أن يجعلوا من الجيش طرفا في المعادلة السياسية وما يتبع ذلك من آثار مدمرة علي مجمل الحياة السياسية والدستورية المصرية .
السؤال السادس : 
هل تعديل النصوص الخاصة بالقضاء بإعادة الروح إلي المجلس الأعلي للهيئات القضائية الذي ايتدع في ظروف مذبحة القضاة سنة ١٩٦٩ وتوسيع سلطة رئيس الجمهورية في الاختيار بين عدد كبير من المرشحين لرئاسة الجهات القضائية هل هذا التعديل يمثل مساسا بمبدأ استقلال القضاء بل وإجهازا عليه بحيث يصبح القضاء تابعا للسلطة التنفيذية ؟ 
الإجابة ، نعم . تعد هذه التعديلات وغيرها مساسا بمبدأ استقلال القضاء ، إن استقلال القضاء لا يتجسد في استقلاله بموازنته رقما واحدا فقط ، بل إن له مجموعة من المقومات المتعارف عليها دوليا والتي تحرره من مظنة أي خضوع لغير القانون ومن مظنة الإغواء أو الترهيب عند إصدار أحكامه.والسلطة التنفيذية كثيرا ما تكون طرفا في المنازعات القضائية خاصة عندما تنزع نحو التحرر من المشروعية .حقيقة أن رئيس الدولة في كثير من البلدان له سلطة التعيين في المناصب القضائية العليا ، ولكن ذلك إما أن يكون بالمشاركة مع السلطة التشريعية في بعض البلدان ، وإما أن تكون سلطة رئيس الدولة هي مجرد تصديق علي تعيين من اختارته المجالس العليا للجهات القضائية وفقا لمعايير منضبطة أشهرها الأقدمية .أما إعطاء السلطة لرئيس السلطة التنفيذية في الاختيار تقديرا بين عدد كبير من المرشحين فهو طعن لاستقلال القضاء في جوهره .
و ما زال يحدونا الأمل في بعض العقل والتبصر والحرص وندعو مقدمي التعديلات إلي العدول عنها وسحبها وفاء لحق سلطة الرئيس في التوقير ، وحق الجيش في مكانة راسخة في قلوب المصريين وحق المصريين في مجتمع تعددي ديموقراطي يقوم علي التوازن بين السلطات .
هذه كلمتنا من أجل وطن لا نعشق في العالمين سواه ، قد نكون أصبنا أو أخطأنا فمن أتانا بخير مما قلنا قبلناه والوطن ملك الجميع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.