الرئيسية » مقالات » الزميل جمال عمر يحلل أسباب حرب ترامب على حقوق الشعب الفلسطينى

الزميل جمال عمر يحلل أسباب حرب ترامب على حقوق الشعب الفلسطينى

ترامب يريد إلغاء وجود اللاجئين و حق العودة

لم يكن اعلان وزارة الخارجية الامريكية الذى صدر فى 31 اغسطس الماضى بقطع المساهمة الامريكية كليا فى موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” اونروا ” مفاجئا، فقد سبقته خطوات عدة فى هذا السياق . ففى مطلع 2018 خفضت ادارة ترامب مساهمتها فى ميزانية الوكالة من 365 مليون دولار الى 125 مليون دولار، لم تقدم منها لعام 2018 الا 60 مليون دولار، ثم جاء الاعلان الاخير بقطع مساهمتها كليا.
وتعد الولايات المتحدة هى اكبر مساهم فى ميزانية الاونروا، حيث كانت تتكفل بحوالى ثلث الموازنة السنوية للوكالة البالغة 1,24 مليار دولار منذ انشائها فى اعقاب النكبة وحتى قبل صعود ترامب للرئاسة.
وتأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( اونروا ) فى عام 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 302 وبدأت اعمالها فى 1950، بهدف معالجة تداعيات الاحتلال الاسرائيلى وتشريده لاكثر من 750 الف لاجئ فلسطينى، والعمل على تلبية احتياجاتهم الانسانية من تعليم وعلاج وتنمية، الى حين عودتهم الى ارضهم ومدنهم الذين طردوا منها عام 1948. وقد تضاعفت اعداد اللاجئين مع مرور الزمن.
وكان قرار الامم المتحدة الموافقة على عضوية اسرائيل قد اشترط اولا انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلى حتى حدود التقسيم وفق القرار 181، وثانيا عودة اللاجئين الى بيوتهم وفق القرار 194 واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة التى نهبتها اسرائيل.
وتقدم الاونروا مساعدات لحوالى خمسة ملايين لاجئ فلسطينى فى الاردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي ظل غياب حل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينى وتنفيذ حق العودة ، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2017.
وتتمثل المبررات التى اعلنتها الادارة الامريكية لقطع الدعم عن وكالة الاونروا فى :
1 – ان الحصة الامريكية فى ميزانية ” اونروا ” غير متناسبة مع حصص الاخرين.
2- ان نموذج اونروا التجارى جعلها تمتلك ” مجتمعا اخذا فى التوسع، وبشكل متسارع ولا نهاية له من المستفيدين المستحقين، وهى عملية معيبة لا يمكن اصلاحها “.
وهى مبررات واهية لا تستقيم مع المناقشة الموضوعية . فبالنسبة للمبرر الاول، فان الولايات المتحدة التزمت بتقديم نحو ثلث ميزانية الاونروا طوال سبعة عقود فى اعقاب النكبة حتى وصول ترامب الى سدة الحكم فى الولايات المتحدة، ولم تفرض عليها.
وفى المقابل ترى الادارة الامريكية واسرائيل ان هذا التعريف يمثل عقبة حقيقية امام تحقيق السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، ويعمل على استدامة الصراع بين الطرفين .
وكان بيير كرينبول المفوض العام للاونروا قال فى رسالة مفتوحة للاجئين الفلسطينيين ردا على القرار الامريكى بقطع المساهمة فى تمويل الوكالة ان تحميل الاونروا مسؤولية ادامة الازمة واستمرارها هى محاولة غير منطقية فى احسن الاحوال، وان المسؤولية تقع على المجتمع الدولى الذى فشل فى الوصول الى حل تفاوضى وسلمى للصراع الفلسطينى – الاسرائيلى.
كما اكد كرينبول على ان ” ان اللاجئين الفلسطينيين لديهم حقوق بموجب احكام القانون الدولى ، وانهم يمثلون مجتمعا قوامه 5,4 مليون رجل وامرأة وطفل، لا يمكن ببساطة القيام بالغاء وجودهم، وهى الحقيقة التى لا يمكن انكارها” .
وتكمن الاسباب الحقيقية لقرار قطع الدعم عن الاونروا فى رغبة ادارة ترامب وسعيها للتخلص من قضايا الحل النهائى، التى اجلها اتفاق اوسلو، والتى تتمثل فى القدس، والمستوطنات، والحدود، والمياه، وحق العودة .
وكان ترامب قد اشار من قبل الى انه لا يلتزم صيغة حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، وكانت الخطوة الاولى فى هذا السياق هى اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل، وها هو يتحرك نحو شطب قضية اللاجئين وبالتالى حق العودة .
فالادارة الامريكية ترى ان وجود الاونروا يعنى اعتراف صريح بوجود لاجئين فلسطينيين حفظت الامم المتحدة حقهم فى العودة، فى قرارها الذى انشأ وكالة الغوث. وهو امر اكدت الادارة الامريكية واسرائيل مرارا عزمهما على وجوب محوه لتفريغ حق العودة من مضمونه وسحبه من مشروع التسوية الجديد الذى تعمل عليه ادارة ترامب وتطلق عليه ” صفقة القرن” .
وفى هذا السياق، فقد حاولت الادارة الامريكية تقديم تعريف جديد للاجئ الفلسطينى وتطرح تعريفا اخر مفاده ان اللاجئ الفلسطينى هو من تبقى من الجيل الذى عايش نكبة عام 1948، بحيث لا تشمل ابناء اللاجئين، وتحدد عدد اللاجئين بنصف مليون شخص على الاكثر. وبذلك تصبح نهاية قضية اللاجئين ومعها حق العودة مسألة وقت .
ومن جهته، يقول رئيس الوزراء الاسرائيلى، بنيامين نتنياهو، انه ” يجب الغاء مؤسسة اللجوء، ويجب اخذ هذه الاموال واستخدامها فى اعادة تأهيل اللاجئين، الذين لا يتعدى عدد هم الحقيقى جزءا صغيرا من الاعداد التى تدعيها وكالة اونروا.
وترى اسرائيل فى قرار ترامب مقدمة نحو الغاء حق العودة الفلسطينى عبر الغاء صفة اللجوء عن مئات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين من الجيلين الثانى والثالث.
وواقع الأمر أن ترامب يسعى الى حصار الفلسطينيين، لاجبارهم على العودة الى طاولة المفاوضات، وقبول صفقة القرن، عبر قطع شريان الحياة الذي تمثله “أونروا” لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وقد تحفظ الجيش الاسرائيلى على قرار ادارة ترامب، وحذر من تبعاته التى ستؤدى الى تفاقم الازمة الاقتصادية فى قطاع غزة، الامر الذى قد يؤدى الى انفجار مواجهة جديدة بين غزة واسرائيل .
كما اعترضت المؤسسات الامنية والعسكرية في الولايات المتحدة واسرائيل على القرار انطلاقا من ان انقطاع الخدمات التي تقدمها “أونروا” لملايين الفلسطينيين ستؤدى الى إطلاق جولة جديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن زعزعة استقرار الدول المضيفة للاجئين، والتي تتلقى مساعدات من “أونروا”، وهي الأردن وسورية ولبنان.
وهو الامر الذى دفع ألمانيا واليابان، ودول عربية إلى إعلان نيتها لزيادة مساعداتهما لـ “أونروا”.
فهل سينجح المجتمع الدولى والدول العربية من تغطية العجز الذي خلفه الانسحاب الأميركي؟.
وهل ستنجح السلطة الفلسطينية فى مواجهة الحرب الامريكية على حقوق الشعب الفلسطينى ؟

جمال عمر – باحث سياسى

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.