الرئيسية » تقارير وتحقيقات » الشرق الأوسط بين “مطرقة الإرهاب وسندان التفتيت”

الشرق الأوسط بين “مطرقة الإرهاب وسندان التفتيت”

وكالات

تعيش منطقة الشرق الأوسط لحظات تاريخية فارقة، في خضم التجاذبات السياسية التي يشهدها النظام العالمي وهيكل القوة فيه، وتحت وطأة الموجات الإرهابية المتنوعة في الأساليب والتقنيات وطرق تنفيذ مخططاتها، بما يلبي الطموحات والأهداف لدى القوى العالمية الكبرى.

وليس من قبيل الصدفة أن تتلاحق الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط، التي أصبحت تئن بين مطرقة الإرهاب وسندان التفتيت المُراد لها والمُخطط له منذ اتفاقية “سايكس بيكو” التي مضى مائة عام على توقيعها.

فمنذ عام 2011 تصاعدت حدة التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة لتصدع وانهيار عدد من دول الإقليم، وتمدد الصراعات الداخلية عبر الحدود وانتقال تداعياتها لدول الجوار، وصعود التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، بالتوازي مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد الاحتقان والتوتر بين الجماعات القبلية والطائفية والمذهبية في عدد من دول الشرق الأوسط.

ولأن منطقة الشرق الأوسط ليست جغرافية وحسب، بل إنها جوهرية كما يسميها خبراء الجيوسياسية، أي أنها (نقطة الارتطام الدولي) أو (بؤرة المصالح الدولية)، صار كابوس الماضي المتجدد المتمثل بإحياء اتفاقية سايكس بيكو في مخيلة العقل السياسي على المستوى الإقليمي والأوروبي وبقيت مخيلة السياسة الخارجية للقوى الكبرى تخطط لمشروع القيادة، وتسعى إلى تنفيذه بقوة في المنطقة، وتحاول فرضه على مناطق النفوذ التابعة لكل من هذه القوى.

إذن منطقة الشرق الأوسط باتت مكانًا للمسرح السياسي الدولي بكل تجليات وتحدياته، فمن تحدي التهديدات الإرهابية، والحرب الأهلية، مرورًا بالصراع العربي الإسرائيلي، ثم التمدد الإقليمي الإيراني، وانتهاء بأزمة الانخفاض العالمي لأسعار النفط، إلى ظهور البوادر الأولى للتفتيت والمتمثلة في إعلان الأكراد في سوريا، يوم 17 مارس الجاري، إقامة نظام فيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال البلاد (مناطق روج آفا بالكردية).

هذه الصورة الضبابية تكشف حجم التحديات الجسيمة التي تعيشها المنطقة في مرحلة من التحولات التاريخية غير المسبوقة، ليس فقط على المستوى المحلي والإقليمي، بل وأكثر على المستوى الدولي.

تداعيات وآليات المواجهة

لا شك أن إعلان أكراد سوريا الفيدرالية، ينعكس بشكل مباشر على الأكراد في دول الإقليم، وسيعطى زخمًا متصاعدًا لمشروع الأكراد في تركيا والعراق وإيران، وهو ما قد يشكل تهديدًا صريحًا، ليس لوحدة هذه الدول فقط، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط برمتها.

فعلى مستوى وحدة الدول، تعد تركيا المتضرر الأكبر من هذا الإعلان، وذلك في ضوء التماس المباشر جغرافيًا لأكراد سوريا مع الحدود التركية، ما سيساهم في زيادة التصعيد والعنف بين الحكومة التركية والأكراد، وبالتبعية زيادة حالة عدم الاستقرار في الداخل التركي.

ومن المتوقع أن تكثف أنقرة من جهودها خلال الفترة المقبلة لإفشال السعي الكردي لإقامة نظام فيدرالي فعلي، على اعتبار أن ذلك يعد خطًا أحمر بالنسبة لها، وقد يتطور هذا الأمر للاندفاع إلى التدخل العسكري في سوريا لمنع هذه الخطوة الكردية.

أيضًا من المتوقع أن يسعى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني إلى استغلال هذه التطورات، وهو ما اتضح في تجديد عزمه إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم عن الحكومة المركزية في بغداد، وذلك رغم أن هدفه الرئيسي من ذلك هو محاولة تشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية، والتي تأتي على رأسها أزمة رئاسة الإقليم، والسعي لتشتيت جهود معارضيه الرافضين لبقائه في منصبه.

وفي السياق ذاته، أنعشت خطوة أكراد سوريا نظراءهم في إيران، حيث أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (الذي يرتبط بعلاقات واسعة مع باقي الأحزاب الكردية الإيرانية المسلحة مثل حزب بيجاك)، خلال الاحتفال بمناسبة عيد النوروز يوم 23 مارس الجاري من مقره بجبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية داخل أراضي إقليم كردستان العراق، استئناف العمل المسلح ضد الحكومة الإيرانية، بعد وقف دام نحو 23 عامًا.

أما التداعيات على مستوى منطقة الشرق الأوسط برمتها، فستعطي التحركات الانفصالية لأكراد سوريا دفعة ليس لأكراد المنطقة وحدهم، ولكن لطوائف أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لمناقشة التوجه الانفصالي، ومحاولة تسويقه إقليميًا ودوليًا.

وتأسيسًا على ما سبق، يتعين على دول الشرق الأوسط اتباع خطة إصلاح شاملة لكافة قطاعات الدولة، بيد أنه يجب في هذا الإطار التفرقة بين الإصلاح الراديكالي الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، والإصلاح التدريجي المتمثل في عدد من الخطوات، وفي مقدمتها إصلاح القطاع الأمني وتدريب عناصره وفقًا لأحدث البرامج التدريبية، وإنشاء برامج للتعاون الأمني والمعلوماتي مع الدول ذات الخبرة في هذا الشأن.

يأتي ذلك فضلًا عن أن إنشاء التحالفات المشتركة وفقًا لقواعد قانونية واضحة الأهداف والمعالم ومتفق على غاياتها العليا، ربما يسهم في الحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط، بحيث تقوم هذه التحالفات على تدابير واتفاقيات لمنع استخدام القوة المسلحة بين دوله، مع وجود آليات فعَّالة لتسوية الصراعات بالطرق السلمية، والسعي نحو التوصل إلى اتفاقيات للحد من التسلح.

إجمالًا، يمكن القول أن التهديدات الأمنية التي تواجه دول الشرق الأوسط تتجه نحو مزيد من التشابك والتعقيد المستمر، ولم يعد يجدي معها الحلول التقليدية، وأصبحت هناك حاجة ضرورية لإيجاد أساليب إبداعية وابتكارية لإنهاء هذه التهديدات، أو ما يمكن أن يطلق عليه “الأمن الابتكاري”، في إطار من الجماعية والعمل المشترك الخلاق وليس الفردية الذاتية.

2 تعليقات

  1. كل عام وانتم بخير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.