كتب : إلهامي الميرغني
دعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا دول العالم للبحث عن مخرج من فقاعة الديون التي تهدد الاقتصاد العالمي وسط مؤشرات لإمكانية تحولها لأزمة مزمنة.
ويعد حجم الديون العالمية التي تنمو يوما بعد يوم، أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، ولاسيما أن حجمها تجاوز حجم الناتج الإجمالي العالمي.وحسب مديرة الصندوق فقد بلغ الدين العالمي رقما قياسيا، حيث وصل إلى 188 تريليون دولار ما يفوق بنحو ضعفي الناتج الإجمالي العالمي.
كما أشارت إلى أن الدين القومي للاقتصادات المتقدمة بلغ الآن أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، فيما كانت ديون البلدان النامية قد وصلت إلى مستويات قياسية خلال الأزمة التي شهدها العالم في 1980.
وقالت جورجيفا إن المحرك الرئيسي في زيادة حجم الديون هو القطاع الخاص، الذي يمثل حاليا ثلثي إجمالي الديون.وهو الذي يدعم الصندوق والبنك قيادته للتنمية في العالم.
ويعني ذلك أن كل شخص على كوكب الأرض أصبح مدين بنحو 24500 دولار، أي ما يعادل نحو ضعفي متوسط دخل كل فرد في العالم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها الصندوق من خطر الديون على الاقتصاد العالمي، ففي أواخر 2017 أصدر تقريرا قدر حينها القيمة الإجمالية للديون العالمية بنحو 184 تريليون دولار، بواقع 225% من الناتج الإجمالي العالمي.
قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، إن حجم الدين العالمي، بلغ رقما قياسيا، وصل إلى 188 تريليون دولار، ليصبح بذلك، الرقم الأعلى على الإطلاق. وأضافت في المؤتمر السنوي العشرين للبحوث في واشنطن: “بلغ حجم الدين العالمي العام والخاص على السواء، رقما قياسيا وصل إلى 188 تريليون دولار”.
إن برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير هي المتسبب الرئيسي في تفاقم أزمة المديونية العالمية . حيث أصبح العالم كله يعتمد علي تمويل التنمية بالديون وبحيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة مدينة في العالم حيث تتجاوز ديونها 22.51 تريليون دولار، تليها اليابان بفارق كبير عند 12.03 تريليونًا، ثم الصين 9.54 تريليونات، والمملكة المتحدة 3.56 تريليونات، وفرنسا 3.00 تريليونات. المرتبة السادسة تقع فيها إيطاليا بدين عام تخطى 2.92 تريليون، ثم الهند 2.88 تريليون، وألمانيا 2.27 تريليون، والبرازيل 2.12 تريليون، وكندا 1.80 تريليون. وجميع هذه الدول العشر تمثل المجموعة التي تخطى دينها عتبة التريليون دولار، بينما بقية دول العالم دون هذا المستوى.وفرق كبير بين حجم التنمية في هذه البلدان العشرة والتنمية في باقي بلدان العالم .
في تقرير للبنك الدولي أعدته إيفيس روكاج في 11/03/2018 عن إحصاءات الديون الدولية 2019:قالت إن أرصدة الديون الخارجية بنهاية عام 2017 بلغت أكثر من 7 تريليونات دولار.
وتفاوتت الاتجاهات الإقليمية في مستوى تراكم الديون الخارجية عام 2017، حيث ازداد حجم الديون الخارجية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء بوتيرة أسرع من البلدان الأخرى منخفضة ومتوسطة الدخل في المناطق الأخرى عام 2017: ارتفع حجم رصيد الديون الخارجية المجمع 15.5% عن العام السابق إلى 535 مليار دولار. ويعزى جانب كبير من هذه الزيادة إلى ارتفاع حاد في حجم الاقتراض لدى نيجيريا وجنوب أفريقيا، وهما اثنان من أكبر اقتصادات المنطقة، حيث ارتفع أرصدة ديونهما الخارجية 29% و 21% على الترتيب.كما شهدت اقتصادات جنوب آسيا زيادة في أرصدة ديونها الخارجية بلغت 13.3% في المتوسط، ولعبت بنغلاديش (23%) وباكستان (17%) دورا كبيرا في ذلك.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادة في أرصدة ديونها الخارجية بلغت 11.7%، حيث شهدت مصر في عام 2017 زيادة قدرها 23%، في حين شهد لبنان زيادة قدرها 5%. وزادت أرصدة الديون الخارجية في بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ بخلاف الصين بنسبة بلغت 9.3% في المتوسط، وارتفعت أرصدة الديون الخارجية 2.5% في منطقتي أوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في عام 2017. [1]
كما اعد التليفزيون الألماني DW تقرير عن تفاقم الديون وافلاس بعض الدول العربية جاء فيه[2] : في تونس على سبيل المثال أضحت الحاجة إلى نحو 2.5 مليار دولار سنوياً للوفاء بمتطلبات الموازنة منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وعلى هذا النحو زادت نسبة المديونية خلال العام الماضي على 70 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 40 مليار دولار بعدما كانت أقل من 40 % عام 2011. وفي مصر أيضاً يتضخم جبل الديون سنة بعد الأخرى ليشكل في الوقت الحالي نسبة تزيد على 80 % من الناتج المذكور الذي يُقدر بنحو 240 مليار دولار.
أما في لبنان فالوضع مخيف لدرجة أن فاتورة فوائد الدين تستنزف لوحدها نصف إيرادات الدولة. وقد وصلت نسبة الدين هناك إلى أكثر من 150 % من الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدر بنحو ستين مليار دولار. وبذلك تصبح الحالة اللبنانية شبيهة بالحالة اليونانية قبل 8 سنوات. وعلى ضوء استمرار الركود في بلاد الأرز وتردد الجهات المانحة في تقديم المزيد من المنح والمساعدات والقروض، فإن أحداً لا يعرف كيف ستتمكن الحكومة اللبنانية الجديدة من الاستمرار في دفع رواتب موظفيها وتغطية تكاليف الخدمات الأساسية وأقساط الديون إذا لم تحصل معجزة تؤمن لها تدفق ما لا يقل عن 6 إلى 7 مليارات دولار سنوياً.
ويقول التقرير ” وعلى الرغم من اختلاف الوضع في مصر عنه في تونس، فإن الأخيرة تعاني أيضاً من تراجع السياحة والأداء في قطاعات زراعية وصناعية هامة. ويبرز دور الفساد بشكل خاص في مشاريع البنى التحتية التي تكلف المليارات من خلال بنائها بمواصفات متدنية بحيث يذهب قسم من الأموال المخصصة لها إلى جيوب المرتشين. ومن هذه المشاريع بناء وتحديث السكك الحديدية التي تعاني الإهمال والحوادث المأساوية المتكررة كتلك التي أصابت محطة مصر للقطارات مؤخراً وراح ضحيتها أكثر من 20 شخصاً”.
وبالنسبة إلى السعودية فإن التوجه إلى القروض مرده بشكل رئيسي إلى تراجع أسعار النفط إلى أقل من النصف منذ عام 2014. يضاف إلى ذلك فاتورة تسلح سنوية غير مسبوقة بقيمة تزيد على 60 مليار دولار سنوياً، ناهيك عن التكاليف الحربية في اليمن والمشاريع الطموحة في مجال البنية التحتية والسياحة. وهنا يضرب الفساد أطنابه أيضاً وبشكل خاص في إطار صفقات الأسلحة وبناء المدن والأبراج الجديدة.
واختتم التقرير بقوله ” وتواجه السياسات المذكورة هذه الأيام احتجاجات الشارع التونسي التي يدعمها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتهم الحكومة بالرضوخ لشروط الصندوق القاسية. وقبل تونس خرجت احتجاجات أخرى مشابهة في الأردن ومصر والسودان والمغرب ودول أخرى.
ويبدو العالم العربي على ضوء التوجه الجديد رهينة لحكومة تقترض وصندوق نقد دولي يأمر كيف تسير السياسات المالية. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه فإن إعلان الإفلاس أمر غير مستبعد في دول تنهكها القروض وفي مقدمتها لبنان وتونس، لاسيما وأن كلاهما يعاني الركود الاقتصادي غير المسبوق منذ سنوات.
هذه هي نتائج تطبيق توصيات تنفيذ توصيات صندوق النقد وبرنامجه للاصلاح الاقتصادي ولقد اردنا الاعتماد في هذا التقرير علي تقرير البنك الدولي عن الديون وتقرير التليفزيون الالماني . فهل تستطيع الدول العربية بناء رؤية مختلفة لتمويل التنمية غير الديون بموارد حقيقية ؟! أم يمكن أن تتضاعف شروط الإقراض وتسقط بعض الدول في دائرة الإفلاس.
[1] – https://blogs.worldbank.org/ar/opendata/international-debt-statistics-2019-external-debt-stocks-end-2017-stood-over-7-trillion
[2] – https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%A8%D8%A5%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/a-47750878