الخبراء النفسيون : نتوقع زيادة الحالات مع زيادة القرارات الإقتصادية الطاحنة
: مطلوب التركيز علي الفقراء وكبح جماح الإدمان
نورا نجيب
يبدو أن نهاية العالم قد إقتربت .. فبعد أن كانوا فلذات الأكباد، ونور العيون، وأثمن من كنوز الحياة، أصبحوا ارخص من الاحتفاظ بهم بل يتم تقديمهم للحرق، لتتفحم أجسادهم وتتعذب نفوسهم،أو يلقى بعضهم من أعلي كوبري، لتنهش أسماك البحر اجسامهم الضئيلة،أو يلقون في ترعة ليموتوا غرقا، بعد دقائق من الرعب، غير مدركين للاسباب التى دفعت أقرب الناس إليهم ،ان يفعلوا بهم ما قد يصعب علي ألد أعدائهم فعله.
إنها حوادث القتل التى انتشرت فى الفترة الأخيرة، آباء يقتلون أبنائهم، وأمهات يحرقن من جاءوا من أرحامهن، الذي يتحكم في النفس البشرية ،بشكل أشرس من أي قوة فى غياب تام لقوة عاطفة الأبوة وغريزة الأمومة، اللتان تمثلان الدافع الاول لحماية الأبناء، ما الذى يدفع الى تلك الهاوية، هل هو شيطان الغلاء، وضيق المعيشة؟ والعجز عن سداد إحتياجات الأسرة،في ظل المعاناة، والظروف الاقتصادية، التي كادت أن تعصف بالأخضر واليابس، يلهث الأب وراء الرزق للوفاء بإلتزاماته المادية، وتئن الأم لتوفير متطلبات أطفالها،وكثيرا ما يفشلون في تحقيق ذلك. هل يمكن أن تؤدى تلك الظروف شديدة القسوة بالمواطن إلي قتل أطفاله، أم هناك عوامل أخري، من شأنها التعجيل بالوقوع بين براثن الفشل، والإخفاق في الحياة، والانتهاء الى تلك النتيجة المرعبة، سنفهم سويا في السطورالتالية ، لعلنا نجد تفسيرا منطقياً لما يحدث.
قتلهم ارحم لهم !!
أوضحت ماريا ميشيل أخصائية الطب النفسي، أن قتل الأباء لأبنائهم أو التخلي عنهم أوتسريبهم للشارع ،حالة لها أبعاد إجتماعية وإقتصادية ونفسية. البعد الإجتماعي يتمثل فى إمكانية وجود خلافات بين الزوجين، تصل لدرجة معقدة، فيعتقد أحد الطرفين أن الحل الأمثل للأطفال، هو ألا يعيشوا في ظل هذه الأوضاع الصعبة، حتى وإن كان السبيل الى ذلك ألا يعيشوا تماما بل ويُقتلوا، ومن المعتاد أن الخلافات الزوجية عادة ما توجد بالأسرة، بمستويات سيئة ومعقدة، قد لا يمكن حلها أو حتي التعايش معها، و لم يصل الأمر إلي قتل الأباء لأبنائهم، لكن الذي يدفع الأباء للإقدام علي هذا العمل المشين، الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البسطاء ، فدخل الأسرة لم يعد يغطى إحتياجات الأبناء، من مأكل ومشرب وملبس، ناهيك عن متطلبات العام الدراسي المقبل ،والعبء المضنى للدروس الخصوصية، التي باتت بديلة للتعليم بالمدرسة، ولا يستطيع الكثيرمن أولياء الامور الإستغناء عنها، و المُعلم أيضا لديه إلتزامات وإحتياجات يريد تسديدها، وراتبه لا يُمكنه من ذلك، فيلجأ لرفع أسعار الدروس الخصوصية . وغيرها من البنود العديدة التي لم تعد الأسرة قادرة علي توفيرها لأبنائها، وشكلت مصدر ضغط كبير عليها . عند تعقد الأمور يقرر بعض الأباء إيقاف معاناتهم مع ضغوط الإلتزامات الأسرية، فيقررون وضع حد مأساوى لتواجد أطفالهم في الحياة ،فيقتلوهم أويتركوهم عند أبواب الملاجىء، أو يسربوهم إلي الشارع للتخلص من مسئولياتهم .”
دكتورة ماريا ميشيل
وتستطرد.ماريا ميشيل مشيرة الى أهمية البعد النفسي في قتل الأباء لأطفالهم ،حيث يتمكن اليأس من الشخص تماما ،ويسيطر علي طريقة تفكيره، ويعزز اليأس معرفة وحدود حالات أخري تتشابه في الظروف، قامت بالتخلص من أبنائها، فتدعم هذه الحالات فكرة القتل، وتشجع الشخص علي تنفيذها، الذي يكون بدوره قد إنزلق في مراحل الإكتئاب، ويترك نفسه فريسة لها فتمزقه وربما تصل به في النهاية إلي الإنتحار، ولا يشعر الفرد أنه في مأزق كبير، ولا يقوم بطلب المساعدة من المتخصصين ، ليس فقط لقلة الوعي النفسي – وإن توفر يخشي الشخص من الوصم بالمرض النفسي أو بالجنون – وإنما أيضا لعدم توافر النفقات المالية اللازمة للعلاج النفسي، فيسلب الإكتئاب إرادته تماما ،ويغيب وعيه ويجعله غير قادر علي الإستبصار .
أيضا هناك سبب نفسي أخر يدعي إضطراب الشخصية “السيكوباتية” أى المعادية للمجتمع ، حيث يقوم المصاب به علي فعل أي شيء، في سبيل الحصول علي مصلحته ، فإذا شعر أن أطفاله عائقا امام مصلحته، سيتخلص منهم ليصل إلي مصلحته.
علي الدولة تحمل مسئولياتها
واوضحت ماريا أنها تتوقع زيادة عدد الحالات المماثلة الفترة القادمة،إذا إستمرت أوضاع المواطنين الإقتصادية علي ذات صعوبتها ، وللحد من الزيادة لابد من تعاون جهات عدة، تأتي في مقدمتها وزارة التضامن الاجتماعي ، وعليها الإهتمام بإجراء “بحث حالة” للأسر المُنهكة ماديا ، مع تسهيل الإجراءات اللازمة للحصول علي الدعم، وتوعية المواطنين البسطاء بها ، كذلك يمكن عمل مشروعات متناهية الصغر لهذه الحالات كأكشاك صغيرة .
وعلي وزارة الصحة تنظيم حملات وقوافل للعلاج النفسي، و إقامة مراكز علاجية بأجر رمزي، ولا يجب العمل على اعتبار أن الأولوية للامراض العضوية، فالعلم أثبت أن أغلب الأمراض العضوية سببها أمراض نفسية ، وأطلق عليها الأمراض النفس جسدية، مثل أمراض القلب وحساسية الصدر، وإضطرابات الجهاز الهضمي، والامراض الجلدية وغيرها، لذلك فان اهتمام الدولة بالأمراض النفسية، هو مساعدة حقيقية فى عدم الاصابة بالكثير من الامراض العضوية .
الديلر والرهينة
“بين حالات القتل الأخيرة برزت حالة الشاب الذى ألقي بولديه في النيل، كشفت التحقيقات أن الأب المتهم بالقتل يتعاطي المخدرات”، للتحقق من مدي إمكانية إقدام مدمن المخدرات علي قتل أبنائه تحدثنا إلي جون مجدي الُمعالج النفسي فقال: “من الممكن أن يُقدم المدمن علي قتل أبنائه، فالمُخدر يسلب وعي المدمن، ويجعله غير مدرك للمخاطر، وغير قادر علي تقييم حجم المخاطرة الواقع فيها ، فقرار القتل غير محسوب، وإنما نتيجة للحظات عابرة من اللاوعي، وإنتشرت هذه الفترة أنواع كثيرة من المخدرات التي تجعل متعاطيها يفقدون الوعي تماما، وتتعدد انواع المخدرات، وتختلف في تأثيرها الجسدى والعقلي والنفسي علي المدمن، واشهرها واكثرها إنتشارا مخدر الإستروكس، فمن المعروف أن مخدر البانجو، تُدمر جُرعته الواحدة 242 الف خلية في المخ،أما الإستروكس، فتدمر جرعته ضعف ما يدمره البانجو من خلايا المخ، وهناك حالات عديدة نشاهدها يوما بعد يوم، فهناك أب يقتل ابنائه، وأخر يتركهم لدي الموزع “الديلر”، رهينة مقابل جرعة التعاطى ، وثالث يتنازل عن زوجته لأخر، حتي يحصل علي المخدر الذي يحتاجه، فضلا عن الإبن الذي يحمل سلاح أبيض في وجه والديه، ليحصل منهم علي المال اللازم لشراء المخدر، ناهيك عن الجرائم التي يقوم بها المدمن، نتيجة لتعاطيه من قتل وسرقة واغتصاب وبلطجة ،وغيرها من الامثلة التي تُجسد حالة مذرية من الواقع .
المعالج النفسي جون مجدى
يلجأ الشخص إلي الإدمان لأسباب كثيرة ،فيختار المخدر الذي يحقق له ما اخفق فيه فاتجه للتعاطى، فهناك المخدر الذي يُشاع عنه إنه يساعد الفرد علي بذل مجهود بدني كبير في عمله ، وهناك المخدر الذي يعتقد المتعاطي إنه يزيد من قدرته الجنسية ،وهناك الذي يؤدى الي التغيب عن الوعي لفترات محددة فلا يتذكر المدمن همومه ومشاكله .
والمدمن تسيطر عليه حالة من الإنكار لحجم المشاكل، التي يمكن أن يواجهها بسبب إدمانه ، ولا يستطيع تقدير حجم الأذي الذي سيقع عليه ،أو علي القريبين منه ،وأحيانا أخري يدخل في حالة من الإساغة ،أي يمنح لنفسه ما ليس من حقه ، كأن يسرق مال والده بحجة أنه سيصبح ماله فيما بعد . واللافت للنظر إنخفاض اعمار المتعاطيين ليبدأ من 13 الخطر، ويثير التساؤلات ، بعد أن كان في بداية العشرينات أو قبلها قليلا، وهو ما يدق ناقوس حول تغير الدوافع، فإذا وقع الطفل ذو الثالثة عشر عاما في مستنقع الإدمان، فكيف سيكون مستقبل الدولة بعد سنوات قليلة؟؟
مهزلة توزيع المخدرات
أكد جون مجدى علي وجود مهزلة في إنتشار المخدرات، وعدم القدرة أو الرغبة في السيطرة علي ذلك الإنتشار ، فعلي الجهات الأمنيه إحكام السيطرة علي ذلك الإنتشار السريع والمتشعب، لأن المدمن يمكنه أن يجد المخدر الذي يريده بسهوله ، وبأسعار زهيدة تبدأ من عشرة جنيهات، ساعد علي زيادة الإنتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت، للتوزيع والتعريف بمناطق البيع، كما ان الصيادلة غير ملتزمون بعدم صرف العقاقير الطبية، التي تم إدراجها في جدول المواد المخدرة بدون “روشتة” طبية.
اما الطامة الكبرى تكمن فيما يجرى داخل الُأسر ، من عدم إحتواء للأبناء والتاكد من هوية أقرانهم،ومتابعة تعاملهم علي الإنترنت، أما الشباب الذي يرغب في إستكشاف وتجربة أشياء جديدة فيمكنه القيام بتجربة السفر إلي مكان مختلف ، او تجربة رياضة جديدة ،أوأكلة مختلفة ،أو شراء شىء جديد ، أو أي مغامرة غير مدمرة للحياة ،فإختيار الشاب للمخدرات مغامرة جديدة يختارها بإرادته ،لكنها ستتحكم به وتسيره بارادتها المهلكة.
و إذا كان اللجوء للتعاطي محاولة لتخفيف الضغوط، فيمكننا التعامل مع الضغوط عبر ممارسة هواية بسيطة، أو أي نشاط محبب سيجلب الراحة، أو الخروج في فسح بسيطة، أو عمل زيارات أسرية، فهذه مسكنات نفسية بسيطة ،يساعد تكرارها علي عدم الوقوع في الإكتئاب ،وإنغلاق الفرد علي ذاته، وإلحاق الأذي بمن حوله .