الرئيسية » فن وثقافة » انطونيو لابريولا .. اسم مجهولا في الأوساط اليسارية

انطونيو لابريولا .. اسم مجهولا في الأوساط اليسارية

 

أنطونيو لابريولا هو فيلسوف ماركسي إيطالي أخذ على عاتقه التنظير لصالح الماركسية كفلسفة الفعل المدروس مسبقا أو البراكسيس٬ مما يجعله من أهم المساهمين في تشكيل ما يسمى بالماركسية الأوروبية والفلسفة في إيطاليا٬ حيث تأثر بكتاباته أنطونيو جرامشي وأخذ عنه فلسفة البراكسيس ليعمقها يأصل لها نظريا٬ فيتوصل الى مفهوم المثقف العضوي وهو المفهوم الذي يترجم فلسفة البراكسيس على أرض الواقع.

كما تأثر بكتاباته أيضا بندتو كروتشا٬ فرغم إعلانه لنفسه كممثل للهيجلية الجديدة وتأسيسه للحزب الليبرالي الإيطالي ونقده للنظريات الماركسية إلا أنه إعتبر نفسه تلميذا للابرويلا.

ولد لابرويلا عام 1843 بقرية كاسينو في وسط إيطاليا٬ عن عائلة من الطبقة الوسطى حيث كان والده معلما بالمدرسة. انتقل لابرويلا الى مدينة نابولي ليدرس الفلسفة بجامعة نابولي.

 اتجه للعمل في الصحافة اثناء دراسته بالجامعة٬ ثم أتم الدراسات العليا ليصبح متخصصا في فلسفة التاريخ ثم عام 1874 أصبح استاذا بالجامعة.

عام 1890 تحول لابرويلا من الفلسفة الهيجلية الى الماركسية بعد اطلاع دقيق على أعمال ماركس٬ ثم شارك في التنظير للماركسية جنبا الى جنب مع فريدريك إنجلز إلا ان الخلاف في الرؤى بينهما اتضح بعد فترة كبيرة.

 ساهم في نشر الماركسية في إيطاليا من خلال عمله بجامعة نابولي وأسس الحزب الشيوعي الإيطالي إلا إنه لم يشارك في العمل بداخله.

الماركسية فلسفة البراكسيس :

أنطونيو لابرويلا هو أول من أدخل هذا المفهوم في حقل الدراسات الماركسية ليعمل عليه كثير من المفكرين الماركسيين لاحقا.

والبراكسيس كمفهوم هو كل نشاط إنساني يحمل هدف بحركة مدروسة. فهو تعبير عن جدلية النظرية والتطبيق التي عانت منها النظريات البرجوازية٬ تلك الإشكالية الجدلية التي لم تتخطاها سوى الماركسية كنظرية علمية. وعلى المستوى الفلسفي فان البراكسيس كفلسفة تحاول أن تفلت من التناقضات الموجودة في داخل أي نظرية وذلك من خلال السعي نحو اليوتوبيا الأرضية٬ وتلك اليوتوبيا لن تتحقق سوى بممارسة عملية تحدد لنا ما هو استراتيجي٬ وتنتج التأملات الفلسفية من الواقع العملي.

 فالفلسفة حسب لابريولا هي نتاج احتكاك ما هو واقع بما هو تصور وقد اختلف لابرويلا مع إنجلز٬ كما اتفق كثيرا٬ فبيما مال إنجلز الى استخلاص قوانين عامة ثابتة في فهم الواقع اتجه لابرويلا لتحرير الماركسية من كل نزعة ايدولوجية في المستقبل٬ فأراد للماركسية أن تكون أكثر اتساعا لاستيعاب الواقع.

حسب لابرويلا فإن الماركسية مكنت للفلسفة الوعي بذاتها٬ فهي هنا مالكة ل“ظل“ وهذا الظل هو البراكسيس٬ وإذا كان الفلاسفة يؤكدون على أن النظرية لا تحيل إلا إلى ذاتها٬ فإن الماركسية ترى على العكس من ذلك في وجود علاقة متينة تحكم الفلسفة والبراكسيس داخل وحدة جدلية ليست في الواقع سوى وحدة الوجود ذاته.

إذن فإن الماركسية براكسيس يعتمد علي النشاط المادي والنظري معا٬ حيث لا ينفصل ما هو مادي عن ما هو نظري رغم التناقض الظاهر بينهما.

ولذلك فالفلسفة لا يمكن أن تكون في انفصال عن ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي بل هي تتويج لكل تلك العناصر معا.

ليست الفلسفة تأّمل إذن٬ وإنما هي حاصل البراكسيس. ولعل فهم الفلسفة على هذا النحو هو الذي يدفع الفيلسوف إلى الانخراط الفعلي في الواقع لمحاولة تغييره.

 ومن هنا بإمكاننا القول أن الفيلسوف الحقيقي أي فيلســوف البراكسيــس٬ هو الذي نجــده هنا٬ مع الطبقــة العاملــة في نضالاتــها٬ مــع المضطَهدين في كل العالم.

أن البراكسيس هو ممارسة تهدف إلى تغيير واقع اجتماعي يحمل تناقضاته في ذاته٬ والتي لا سبيل إلى تجاوزها إلا من خلال براكسيس جماعي وثوري.

حيث يستلهم هذا البراكسيس فعاليته وحركيته أساسا من الطبقة التي تكمن مصلحتها في ذلك التغيير.

وعلى هذا فقد وجد لابرويلا نفسة في مواجهة تيار الماركسية الأرثوذكسية الذي يرى الماركسية قوانين ثابتة تؤدي الى نتائج محددة. فالماركسية في طابعها النظري حسب لابرويلا هي نظرة نقدية الى الواقع وكل ما نتج عنه من فكر٬ وإذا فقدت الماركسية طابعها النقدي فستكون النتيجة خروجها عن التاريخ وتوقفها عن فهم سيرورته.

ويبقى السؤال دائما فيما يتعلق بفلسفة البراكسيس٬ هل تتحول الماركسية في النهاية الى درب من دروب البرجماتية؟ إن لابرويلا يرفض المعرفة المطلقة بالمعنى الهيجلي٬ كما يرى أيضا ان الإشكاليات الابسمولوجية ليست سوى انعكاس للواقع الاقتصادي والاجتماعي ولكن يبقى المثقف المرتبط بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي هو أداة تفتح أفق فلسفي جديد.

لقد كان عمل لابرويلا على الماركسية يستهدف انقاذها من فخ الحتمية التاريخية الذي يحول الماركسية الى درب من دروب الغائية. فقد أدرك ان الماركسية مرتبطة بالعلوم ولكن مختلفة عنها٬ فلسفة تكتسب من الواقع وحدة العقل والفعل لتصحح المفاهيم التي شوهتها النظريات التي اغفلت التاريخ.

أهم مؤلفاتة :

_مقالات في المفهوم المادي للتاريخ

_الاشتراكية و الفلسفة

_رسائل الي سوريل

_رسائل الي انجلز

توفى لابرويلا عام 1904 منسيا مهملا رغم إسهاماته الفكرية الكبيرة للتنظير من   مستمدة من كتابات لابرويلا٬ كذلك كان اسم لابرويلا مجهولا تماما في الأوساط اليسارية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.