الرئيسية » تقارير وتحقيقات » “حزب النهضة التونسي”: تموية سياسي.. أم حزب مدني ديمقراطي؟

“حزب النهضة التونسي”: تموية سياسي.. أم حزب مدني ديمقراطي؟

وكالات

تقلل القوى السياسية العلمانية التونسية من أهمية مساعي حركة النهضة إلى الفصل بين الدعوي والسياسي، مشددة على أن راشد الغنوشي يراهن على مؤتمر الحركة القادم لبناء واجهة سياسية تحت عنوان حزب سياسي مدني تتغذى من مرجعية عقائدية خلفية ، بما يخفف من ضغوط خصومها من جهة ويساعدها على التموقع ضمن الخارطة السياسية من جهة أخرى، وذلك وقفا لما أورده تقرير تونسي.

ويأتي ذلك في وقت رفعت فيه قيادات النهضة وفي مقدمتها رئيسها الغنوشي من جهودها سواء على مستوى الخطاب السياسي أو على مستوى لقاءاتها مع عدد من القيادات العلمانية لكسب ثقتها تمهيدا للمؤتمر العاشر للحركة المزمع انعقاده أيام 20 و21 و22 مايو والذي تصفه بالمؤتمر التاريخي.

واغتنم الغنوشي أشغال الدورة 46 لمجلس الشورى ليعلن اول أمس أن النهضة بصدد التحول إلى حزب يتخصص في العمل السياسي انطلاقا من الدولة، مشيرا إلى أن النهضة ستترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها ويتعامل معها من خلال منظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب بما في ذلك النهضة.

غير أن القوى العلمانية تشدد على أن تحول النهضة إلى حزب مدني لا يعدو أن يكون خطة ذكية لا تخلو من الدهاء تمكنها من عدم التخلي عن مرجعيتها من جهة وتعزز تمركزها من جهة أخرى وذلك عبر تركيز واجهة سياسية للخلفية العقائدية تبنتها منذ العام 1981 تاريخ تأسيسها.

وترى تلك القوى أن هوية النهضة باعتبارها جماعة من جماعات الإسلام السياسي هي هوية دينية وليست هوية مدنية لا يمكن أن تتجرد عنها بمجرد قرار يتخذه المؤتمر القادم لتتحول هويتها إلى هوية سياسية مدنية.

ويطالب علمانيو تونس حركة النهضة لا فقط بالفصل بين الدعوي والسياسي، وإنما أيضا القطع التام بين الإسلام الذي هو دين كل التونسيين والنشاط السياسي ، محذرين من استغلال العمل الدعوي لفائدة الحركة .

ويرى مراد الكزدغلي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية أن النهضة القادمة ما بعد المؤتمر لن تكنس أكثر من 40 عاما من تمسكها بمرجعيته العقائدية، وقدمتها على أنها الحل الوحيد لمشاغل التونسيين تحت عنوان الإسلام هو الحل في مواجهة الدولة المدنية. و

يضيف الكزدغلي أن بيعة النهضة بإبقاء راشد الغنوشي رئيسا لها دون انتظار انتخابه من قبل المؤتمرين حسم الأمر مسبقا بان النهضة القادمة لن تنشطر إلى سياسية وأخرى عقائدية ، وإنما سيفرز المؤتمر واجهة سياسية تستحوذ على قيادتها قيادات سياسية مدعومة من الغنوشي من جهة، وتفرز خلفية عقائدية تضم قيادات التاريخية العقائدية بدرجة أقل من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن عملية الترويج السياسي والإعلامي لقرار النهضة بالفصل بين العمل الدعوي والنشاط السياسي، لم تقدم قيادات الحركة أية إيضاحات ضافية وواضحة بشأن الفصل مكتفية بوصفه بـ التاريخي.

وهو ما عمق مخاوف القوى العلمانية التي باتت تتحدث عن توظيف النهضة ما هو سياسي و مدني للتموقع من جديد ضمن خارطة سياسية غالبية الفاعلين فيها قوى علمانية شرسة في معاداتها للحركة من جهة، واستثمار العمل الدعوي كخلفية لحشد أكثر ما يمكن من الأنصار.

ودفعت مخاوف العلمانيين بالجبهة الشعبية إلى التشديد على أن النهضة لا يمكن فهم خطابها ونشاطها السياسيين خارج منظومتها الفكرية والعقائدية التي تتناقض مع المنظومة الثقافة السياسية العلمانية التي راكمتها تونس مند استقلالها العام 1959 عن الاستعمار الفرنسي في إطار دولة مدنية.

ويعتبر حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة أن حركة النهضة هي حزب سياسي ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين لها نظرتها الخاصة للحكم وتتغطى بالدين لأجل تمرير أجنداتها السياسية.

وبرأي الهمامي العدو الشرس للنهضة، فإن العقيدة الإخوانية هي استراتيجية الحركة وهي استراتيجية تقوم على خلفية عقائدية تتناقض مع المرجعية المدنية للدولة بعيدا عن أي شكل من أشكال توظيفه في الشأن العام.

وقاد تشظي الإخوان في المنطقة العربية بالنهضة إلى انتهاج خطاب سياسي يسعى إلى تأصيل الحركة في التجربة الوطنية حتى أن خطاب الغنوشي بات يكرر أن النهضة حركة تونسية وليست جزء من تنظيم الإخوان.

ويشدد مراد الكزدغلي على أن بيعة النهضة للغنوشي رئيسا لها قطعت الطريق أمام طموحات عدد من القيادات المتناحرة لرئاسة الحركة باعتباره الأب الروحي المؤسس الذي يبقى فوق أي شكل من أشكال المنافسة أو المحاسبة من قبل مؤسسات التنظيم، بما في ذلك مجلس الشورى.

ويرى خصوم الحركة في ترويج الغنوشي إلى ولادة حزب مدني من رحم حركة إسلامية لا يعدو سوى تمويه للتونسيين ومجرد مغالطة ليس إلا تسعى من خلالها الحركة إلى امتصاص استياء جزء هام من الرأي العام منها، وشراسة معاداة القوى العلمانية التي ضيقت عليها الخناق.

ويقول فتحي العيادي رئيس مجلس شورى النهضة إن الحركة تريد أن تتقدم بمشروعها الإسلامي نحو تخصص وظيفي، بمعنى أن نتخصص كحزب سياسي مدني ديمقراطي متأصل في هويته الإسلامية.

غير أنه يشدد بالمقابل، على أن الفصل بين الدعوي و السياسي لا يعني بالضرورة أن الحزب سيتحول عن هويته الإسلامية وأفكاره الإسلامية إلى فضاء آخر ومساحة أخرى كما يقول البعض، وكأن الحركة ستصبح علمانية .

ويرى الكزدغلي أن تأكيد قيادات النهضة على أن الفصل لن يجرد النهضة من هويتها يعد مؤشرا على أن النهضة السياسية القادمة ستكون أكثر استفادة من هويتها الإسلامية في ظل تفرغ قيادات عقائدية للنشاط الدعوي ضمن جمعيات متعددة العناوين هدفها واحد يتمثل في تفريخ أكثر ما يمكن من المؤيدين لتوفير الإسناد العقائدي لـ الواجهة السياسية للنهضة.

غير أن مراد الكزدغلي يقول بالمقابل، إن ضغوط القوى العلمانية وطبيعة المجتمع التونسي الميال للقيم الليبرالية إضافة إلى إكراهات التحولات الإقليمية والدولية التي راجعت مراهنتها على الإسلام السياسي قد تقود النهضة إلى نوع من الانزلاق شيئا فشيئا إلى باتجاه تحرير الواجهة السياسية من الخلفية العقائدية على طريقة الأحزاب المسيحية الأوروبية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.