الرئيسية » مقالات » خالد البلشي تحت المراقبة

خالد البلشي تحت المراقبة

لست من هواة مدح الأشخاص، لا أعرف ما إذا كنت أرفض أن أقع بذلك المدح تحت طائلة النفاق و”التطبيل” أو رغبة في التحرر من موروثات تأليه الأفراد أو ربما خشية على الشخص الممتدح من نفسه، من سقوطه اللاإرادي في هوة الغرور أو الانكفاء على الذات والانفصال عن الواقع. أفضل دوما أن أحافظ على الإنسان كما هو، مثلما عرفته، دون ملوثات المنصب وزيف الأضواء وسراب الشهرة.. ربما كانت هواجسي وأمنياتي فيمن أتعامل معه هي مخاوف شخصية بالأساس لكنني وبرغم ذلك سننت لها القوانين ووضعت لها القواعد في المعاملات.. لكن تلك القوانين والقواعد أبدا لم تنطبق على خالد البلشي.

لست أخشى من امتداح البلشي لأنني أعلم أنه لن يتغير، هو ليس بحاجة لمن يحافظ عليه كما هو لأنه بالفعل كما هو منذ أن عرفته. حينما بدأت العمل معه لأول مرة في موقع “البديل” لاحظت التفاف الزملاء حوله، لكنني لم أعر ذلك التفاتا، فأي مجال عمل يحظى به بالاهتمام والمبالغات وقدرا ليس هينا من التقديس، اعتدت هذا المشهد في أماكن أخرى عملت بها.. لكنني بمرور الوقت اكتشفت أن ذلك ليس مبالغة ممن يعملون معه فسيرته بينهم كما هي لا تتغير سواء حضر “رئيس التحرير” بينهم أم اختفى. ذلك ما دفعني أن أضعه “تحت المراقبة”، لا بغرض البحث عن سلبيات بقدر تحسس الحقيقة فيه وصدق التوجه منه.

على مهلٍ بدأت أخطو نحوه، “كنت قلقان منك اول يوم عشان كنت لابس بدلة وكرافت” قالها لي ضاحكا، جُملة عابرة لم يعبأ بها لكنها كانت أول ما أشعرني أنه “حقيقي” لا يهتم بالمظاهر. لم يكن البلشي من نوعية رؤساء التحرير الذين يكتفون بتوزيع الأدوار وانتظار النتائج، كان يشارك في العمل بعزم وقوة، فهو محرر أخبار يهاتف المصادر للحصول على تصريح، وهو “ديسك مان” لا يشق له غبار، وهو “أبلودر” و “سوشيال ميديا” لو أردت. رحيله عن “البديل” كان صدمة للكثير من الزملاء، شعور بالفراغ دفع عددا كبيرا إلى ترك المكان بحثا عن آخر.. لا أنسى شعارات تأييده التي كُتبت على جدران مقر الصحيفة، كتبها من تعلموا الصحافة على يديه فكان بالنسبة لهم الأب الروحي ليس في المهنة فحسب ولكن في مختلف شئون الحياة فقد كانت مشوراته حاضرة دائما.

في جريدة “الوادي” أخذت خطوات أقرب، تطورت العلاقة، ناقشته كثيرًا، وتعلمت منه أكثر على المستويين المهني والإنساني.. اختلفت معه، هذا أمر طبيعي، لكن الميزة فيه أنه يعلم أن هذا “أمر طبيعي” فيتقبل الرأي ويرضى بالانتقاد. ليس خاليًا من العيوب، لم يدّعِ ذلك، ولم يطلب من أحد أن يتعامل معه بهذا المنطق، لكنه متصالح مع عيوبه وعيوب الآخرين، يتقبل الآخرين كما هم دون أن يزايد عليهم.

في “البداية” كانت موارد الموقع الألكتروني محدودة، ربما شبه منعدمة، لكن الأجواء العائلية التي كانت تسيطر سمحت للجميع بأداء مهني يحلو لي أن أصفه بالمميز، تشعر في “البداية” أنك المالك، تملك الصحيفة، فتجتهد لتضيف إليها. أنا من طلبت الانضمام إلى “البداية”، في أجواء خانقة كُممت فيها الأفواه واستحوذت الحسابات “الدبلوماسية” على السياسات التحريرية كنت أعرف أن البداية هي مقصدي فلا خطوط حمراء مادامت المهنية تحكم. تطور اقتناعي به كصاحب رأي وصاحب موقف، في كل يوم كان يقيني يزداد بأن البلشي لا يمكن أن يتراجع عن المبادئ التي خطها لنفسه وصاغها محورا لحياته، كنت مطمئنا إلى أن نجاحه في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين لن يضفي عليه اختلافا، وهو ما حدث.. كنت واثقا أن وجوده ضمانة هامة لحماية حرية التعبير والعمل الصحفي.

لكن الغريب، أن جهوده لم تتوقف بعد خسارته مرتين متتاليتين في الانتخابات.. فمازالت استماتته في الدفاع عن الزملاء كما هي لم تتغير وكأنه يستعد لخوض الانتخابات الأولى في حياته فيعمل لاستمالة كتل الناخبين. ولأنني وضعت خالد البلشي تحت المراقبة، وعرفته عن قرب، لذا كان أمرا منطقيا أن أغضب من الحملات التي طالته.. ليس لأنها تنتقده لكن لأنها مليئة بالتدليس والكذب، تقول في الرجل ما ليس فيه، تهاجمه بتعليمات من “جهاز سامسونج”.. الحق أن البلشي أشرف ممن يهاجمونه، “أجدع” ممن يشوهونه، أنقى ممن يقبلون على أنفسهم أن يسيئون إلى زميل طمعا في الفتات، يلقون بلحمه على مذبح صاحبة الجلالة قربانًا لأسياد سيتخلون عنهم يوما.. وحينها لن يجدوا إلا خالد البلشي مدافعا عنهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.