قبل أن تسكت المدافع ، وبينما كانت مياه قناة السويس تغطيها خوذ وأحذية الجنود المصريين ، وبينما كانت دماء الشهداء لازالت رطبة علي ارض سيناء . توجه السادات إلي مجلس الشعب وقدم خطاب يعتبر وثيقة التحول الرئيسي في المنطقة نحو الولايات المتحدة والعدو الصهيوني وإعادة رسم خريطة المنطقة.
رغم أن السادات تحدث في خطابه عن السلام ” اننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل”. إلا أنه تحدث عن الدعم الأمريكي لإسرائيل والجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لتوصيل الاسلحة الحديثة لإسرائيل.وداعب السادات المصالح الأمريكية في المنطقة وتساءل ” إلي أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل ؟ الي اين والي متي ؟ “. ثم أعلن أنه اكتشف أن 99% من أوراق اللعبة السياسية في الشرق الأوسط بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك بعث برسالة إلي الرئيس ريتشارد نيكسون يعلن استعداده لقبول قرارات الأمم المتحدة وتطهير قناة السويس وعودتها للملاحة الدولية .وفي وسط دخان المعركة اعلن استعداده لوقف إطلاق النار وتحدث عن السلام والاستقرار في المنطقة.
لقد سار السادات في طريق (سياسة الممكن)، وقد تجلى ذلك في قوله ان ” اسرائيل حقيقة قائمة، واللي عايز يزيلها يتفضل… انني ساصفق له”.كما قال السادات عن دور الولايات المتحدة ” انها القوة القادرة على تحقيق الاهداف المصرية، وانه لن يكون هناك انتصار الا بواسطتها ولم يكون هناك حرب او سلام الا عن طريقها، ولن يكون هناك امل في نجاح اية سياسة في المنطقة تتجاهل هذه الحقائق”.
والتقطت الولايات المتحدة الأمريكية الخيط والرسالة التي بعثها السادات في 16 اكتوبر 1973 والتي خان فيها دماء الشهداء الذكية وفرط في السيادة الوطنية وسلم الأمريكان مفاتيح المنطقة. فى مساء 6 نوفمبر 1973 وصل وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر إلى القاهرة فى أول زيارة لمصر. وفى صباح 7 نوفمبر انعقد اجتماع خاص بين كيسنجر والسادات، وإثر انتهاء الاجتماع أعلن السادات أنه قد أمضى أغلب وقت المباحثات مع كيسنجر من أجل فض الاشتباك مع أمريكا وليس مع إسرائيل، لأنه كان يرى أن أمريكا هى وحدها القادرة على تحريك الموقف دون الاتحاد السوفييتى. ومن هنا أمكن لكيسنجر إقناع السادات بقبول استراتيجية التسوية خطوة خطوة.
في مارس 1974 تم استئناف العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي 19 يونيو صدر قانون استثمار رأس المال العربي والأجنبي رقم 43 لسنة 1974 وفي 13 يوليو 1974 زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مصر.
لذلك نعتبر أن خطاب السادات في 16 أكتوبر 1973 أمام مجلس الشعب كان بداية للتحول الكبير في السياسة المصرية والاستسلام والتبعية التي لانزال نعاني اثارها السلبية علي مصر والمصريين حتي الآن.