الرئيسية » تقارير وتحقيقات » شكري في مشوار «مسافة السكة» نحو إسرائيل

شكري في مشوار «مسافة السكة» نحو إسرائيل

على نحو مفاجئ أعلنت الخارجية المصرية توجه وزير الخارجية المصري أمس إلى إسرائيل للمرة الأولى منذ العام 2007 للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ورغم أن الإعلان جاء مفاجئا، إلا أن الزيارة جاءت متفقة تماما مع دعوات سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، ولضم دول عربية أخرى لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وهو ما أكده البيان الصادر عن وزارة الخارجية صباح الأحد للإعلان عن الزيارة حيث أورد «زيارة شكري إلى إسرائيل تأتي في توقيت هام، بعد الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية يحقق حلم إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، والسلام والأمن لإسرائيل»، مضيفا: «الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاغتنام الفرصة والاستفادة من تجارب السلام السابقة في المنطقة لوضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد أسهمت في تحريك المياه الراكدة وتنشيط الجهود الإقليمية والدولية بشكل باتت تمثل فرصة مؤاتية أمام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لإطلاق الإرادة السياسية الجادة لإنهاء الصراع وتحقيق السلام على أسس العدل والقانون ومقررات الشرعية الدولية». هذا ما أكده الوزير المصري في كلمته في المؤتمر الصحافي المشترك مع نتنياهو إذ قال: «تأتي الزيارة في إطار الرؤية التي عبر عنها الرئيس السيسي في السابع عشر من أيار الماضي لتحقيق سلام شامل وعادل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ووضع حد نهائي لهذا الصراع الطويل. فهذا الإنجاز إذا تحقق ستكون له آثار إيجابية على منطقة الشرق الأوسط، واستعداد مصر للإسهام بفاعلية في تحقيق هذا الهدف استناداً إلى تجربتها التاريخية في تحقيق السلام والثقة التى تحظى بها كداعمة للاستقرار ونصير لمبادئ العدالة».

ولكن اللافت أن الحديث السابق عن الدور المصري في حماية الأمن القومي العربي وتعبير «مسافة السكة» الذي استخدمه السيسي لنجدة الدول العربية، قد تراجع بقوة على أرض الواقع، ليصبح الدور المصري مجرد عراب للسلام مع إسرائيل، وغطاء للعلاقات العربية الإسرائيلية في الحالة السعودية، لتصبح «مسافة السكة» نحو إسرائيل أقرب من أي دولة عربية.

محمد سيف الدولة المفكر القومي يقول في حديثه لـ «السفير» إن «زيارة وزير الخارجية دولةَ العدو الصهيوني مرفوضة ومريبة ونادرة، ولكن لم تعد أي من الممارسات الدافئة بين مصر السيسي وبين إسرائيل مستغرَبة، فهو الراعي العربي الأول للسلام مع إسرائيل، وهو شريك وحليف رئيسي لها في الحفاظ على حدودها وأمنها، من المشاركة الأولى في حصار غزة إلى آخر إخلاء لحدودنا الدولية من سكانها لإقامة المنطقة العازلة التى كانت إسرائيل تطلبها منذ سنوات طويلة».

ويشير سيف الدولة: «للأسف، لا نعلم ولن نعلم أي شيء عن أسباب الزيارة ودوافعها وجدول أعمالها الحقيقي، فكل ما يتم بين النظام المصري وبين إسرائيل، محرم ومحظور على الشعب المصري والرأي العام منذ عقود، وفي أغلب الأحوال، تكون الصحف الإسرائيلية هي مصدرنا الوحيد في التعرف على ما يجري، على غرار ما تم من قبل فى اتفاقيات الغاز والكويز واتفاقية تيران وصنافير».

ولكنه يضيف: «رغم ذلك يمكننا أن نتوقع بعض الملفات التي قد تكون على جدول أعمال الزيارة، مثل الاتفاقية الإسرائيلية التركية وحدود الدور التركي في غزة ومدى تقاطعه مع الدور المصري، وملف العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية وموقع سد النهضة منها، وملف التطبيع السعودي الإسرائيلي عبر بوابة الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاقيات كامب ديفيد والتي أصبحت السعودية جزءا منها وشريكا فيها. بالإضافة بالطبع إلى ملف الصراع العربى الإسرائيلي بشكل عام، والذي تكلم عنه نتنياهو مرات عدة قائلا إن هناك مصالح إستراتيجية تربط بين إسرائيل وعدد من الدول العربية الكبرى متمثلة في مواجهة مخاطر الإرهاب والإسلام المتطرف، الأمر الذي أكده شكري في مؤتمره الصحافي المشترك مع نتنياهو، وهو ما ردده السيسي في دعوته الشهيرة لتوسيع السلام مع إسرائيل والتي ربطها بمواجهة الأخطار والتهديدات والأعداء المشترَكين، متجاهلا ومتجاوزا الشرط العربي الرسمي الوارد في مبادرة السلام العربية التي ربطت السلام والتطبيع مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967. وربما سيسجل التاريخ أن أول نظام عربي يتحدث رئيسه ووزير خارجيته عن وجود مشتركات بين العرب وإسرائيل هو نظام السيسي».

ويؤكد سيف الدولة: «لسنا في حاجة هنا الى التأكيد على أننا نرفض وندين، منذ سنوات طويلة، مثل هذه الزيارات والعلاقات، في إطار عدم اعترافنا بشرعية إسرائيل ورفضنا لأي اتفاقيات سلام أو تطبيع معها، كما نخشى أن تكون الزيارة تمهيدا لزيارة نتنياهو لمصر، وفقا لبعض التسريبات في الصحف الإسرائيلية، فنحن لا يمكن أن نقبل بأي حال من الأحوال أن يقوم هذا الإرهابي الصهيوني بتدنيس أرض مصر، والذي أتوقعه هو أن تتسبب زيارته بكارثة فيما لو تمت، في ردود فعل شعبية غاضبة».

زيارة الوزير المصري لإسرائيل، بعد تسع سنوات من الانقطاع، تأتي عقب جولة أفريقية لنتنياهو شملت دول حوض النيل، بما يعنيه لمصر، وسبقت تطورا في العلاقات بين إسرائيل وتركيا التي تشهد علاقاتها مع مصر توترا شديدا منذ ثلاث سنوات، كما تصاحبها توترات في العلاقات المصرية الأوروبية والأميركية نتيجة انتقادات دائمة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ما قد يعطي الزيارة أبعادا متعددة.

مصطفى كامل السيد، أستاذ السياسة في جامعة القاهرة يقول في حديثه لـ «السفير»، إن «الزيارة ترجمة مباشرة لدعوة الرئيس السيسي لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وهناك أنباء عن ترتيب لقاء بين الرئيس الفلسطيني عباس (أبو مازن) ونتنياهو في القاهرة، ولا أرى علاقة للزيارة بجولة نتنياهو الأفريقية أو العلاقات التركية الإسرائيلية. والملاحَظ أن زيارة شكري لإسرائيل سبقتها زيارته لرام الله ولقاؤه أبو مازن، وكذلك سبقتها زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للقاهرة. لذا، فالزيارة ليست سوى حلقة من الجهود».

ويضيف السيد: «ولكن أعتقد أن تلك المساعي لن تصل لشيء، نتيجة إصرار إسرائيل على التوسع في بناء المستوطنات، كما أنها تشعر أنها في موقف قوة ولا تحتاج لتقديم تنازلات».

ويوضح السيد: «النظام المصري يسعى للعب دور الوسيط بين إسرائيل والعرب، لأن إسرائيل بالنسبة له البوابة التي يمكن من خلالها تحسين علاقته بأميركا وأوروبا، في الوقت الذي يواجه فيه انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان، ولكن لا أتوقع أن يحقق ذلك أي تقدم في تحقيق الفلسطينيين لمطالبهم وحصولهم على حقوقهم».

ويضيف السيد: «رغم أن النظام المصري قد يستفيد من لعبه دور الوسيط بين العرب وإسرائيل، إلا أن الموقف الشعبي يبدو مختلفا. فالرضوخ للإرادة الإسرائيلية كان أحد أسباب ثورة 25 يناير، وإذا لم يترتب على مساعي النظام المصري حصول الفلسطينيين على حقوقهم، فإن ذلك سيكون مناقضا لأهداف الثورة».

مع اتساع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وانتقاله إلى أفريقيا، ومع إعادة الخصم التركي ترتيب أوراقه، وانحسار النفوذ المصري، تتراجع طموحات النظام المصري الذي لا يملك من مزايا سوى علاقاته الخاصة مع إسرائيل، ليصبح أقصى ما يسعى إليه هو دور العراب للعلاقات العربية الإسرائيلية. ولكن مع توازنات القوى القائمة، والتعنت الصهيوني، فإن ما قد يجنيه من لعب ذلك الدور، يبدو أقل كثيرا مما سيجلبه عليه.

نشر بجريدة السفير 11 /7 / 2016

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.