الرئيسية » مقالات » صفقة حسين سالم.. وهم استرداد 75% من الثروة المسروقة

صفقة حسين سالم.. وهم استرداد 75% من الثروة المسروقة

” ألو…احنا الحرامية اللي لسه سارقين البنك حالا…هنرجع لكم 75 في المائة من المسروقات ونعمل تصالح”.

تترجم كلمات كاريكاتير عمرو سليم المنشور في المصري اليوم بعد إعلان إتمام تصالح الدولة مع رجل الأعمال حسين سالم ببساطة قناعة قطاع لايستهان به من الرأي العام بلاأخلاقية صفقة التصالح هذه ومن حيث المبدأ.

لكن الكلمات نفسها قد تكشف عن حجم الخداع الذي حملته صفقة التصالح مقابل 5,3 مليار جنيه (أي نحو 602 مليون دولار بالسعر الرسمي في البنوك ونحو 445 مليون دولار بسعر السوق السوداء أو المسماة الموازية باعتبار أن الدولار يساوي 12 جنيها)، وتحديدا بشأن اعتبار المبلغ المتصالح عليه يساوي 75 في المائة من ثروة حسين سالم وأسرته في الداخل والخارج، وفق ما جاء على لسان المستشار عادل السعيد مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع.

لمتابع مثلي، سعى لكتابة سيرة لشخصية حسين سالم في سياق فهم ودراسة رأسمالية المحاسيب في عهد مبارك، لا يمكنني الوثوق على الإطلاق برقم 7,12 مليار جنيه كإجمالي ممتلكات رجل الأعمال الأقرب الى مبارك (أي نحو 802 مليون دولار بالسعر الرسمي للدولار مقابل الجنيه المصري في البنوك ونحو 593 مليون دولار بسعر السوق السوداء).

ولا تستند هذه الشكوك حول صحة تقدير ثروة حسين سالم إلى تلك التقديرات التي كانت متداولة في أوساط البزنيس في مصر بعيد ثورة يناير 2011 بأنها تبلغ نحو 20 مليار دولار؛ فهي بالقطع تقديرات لا تقوم على أدلة أو براهين في ظل ما خلصنا اليه من صعوبة حصر وتتبع ثروة الرجل وأسرته، نظرا لتشعب أنشطته وعلاقاته محليا وإقليميا ودوليا والطابع المعولم لحركة رأس المال، ناهيك عن افتقاد الشفافية عندنا سواء على مستوى أجهزة الدولة أو رجال الأعمال أنفسهم، فضلا عن انتهاك حقوق الصحافة والإعلام في استقاء الأنباء والقراء والجمهور في تلقيها.

 لكن ماينسف تقدير التصالح ويدفع إلى الاعتقاد أننا إزاء صفقة جرت مقابل أقل من 10 في المائة من إجمالي ثروة الرجل وأسرته الممكن حصرها هما أمران على وجه اليقين:

الأول هو تصريح في أكتوبر 2011 للمستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل الأسبق للكسب غير المشروع، ورئيس اللجنة القضائية المشكلة بعد الثورة لاسترداد أموال مصر المنهوبة بالخارج بأن “اللجنة وضعت يدها على وثائق مهمة تؤكد امتلاك حسين سالم رجل الأعمال الهارب ونجليه خالد وماجدة ثروة طائلة بعدة دول بالخارج تجاوزت 24 مليار جنيه تم التوصل اليها من خلال التحويلات البنكية العديدة التي أجراها سالم ونجلاه بعدة بنوك بالخارج خلال الشهور الستة الأخيرة عقب ثورة يناير والتي قاموا خلالها بتحويل أصول يمتلكونها بتلك الدول إلى أموال سائلة”.

وأضاف الجوهري وفق ما ورد في العنوان الرئيسي للصفحة الأولى لجريدة الأهرام في عدد الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 أن “التحويلات الخاصة بسالم وأسرته وقيمتها تتجاوز 24 مليار جنيه لا تمثل ثروة سالم الحقيقية. فهناك أصول عقارية ومالية بمصر والخارج”. وفي هذا السياق، أشار المستشار الجوهري كذلك الى إيداعات بنكية لعائلة سالم في بنوك جزر ماوراء البحار والممالك المستقلة وهونج كونج ودولة الامارات العربية، وكذا إلى امتلاك حسين سالم أكبر مول تجاري برومانيا معروف باسم “جولي فيل”.

وبحساب مبلغ التحويلات (24 مليار جنيه) بسعر الدولار وقتها (590 قرشا) نكون أمام ما يزيد على أربعة مليارات دولار، وهذا مجرد جانب من ثروة حسين سالم التي أمكن رصدها عند تنقلها في تحويلات بين البنوك، والتي توجد بشأنها وثائق لدى وزارة العدل وأجهزة الدولة في مصر وفق ما أعلنه المسئول المختص.

والأمر الثاني: تشير قوائم الأراضي التي اشتراها حسين سالم ونجله خالد في مدينة شرم الشيخ وحدها بين عامي 1988 و2006 فقط، والتي اطلعت عليها في بداية يونيو 2011 في مكتب الشهر العقاري بمدينة الطور، إلى أن مجموعها تجاوز مساحة المليون ونصف المليون متر مربع، وقد تحصل عليها حسين سالم ونجله بأسعار بخسة، وفي بعض الحالات لم يتجاوز سعر المتر خمسة جنيهات. كان هذا بالطبع بفضل نمط علاقات رأسمالية المحاسيب مع الرئيس المخلوع مبارك وأسرته.

وبتقدير إجمالي قيمة هذه المساحة من الأراضي المميزة والمخصصة لإقامة المشروعات السياحية وفق أدنى سعر للسوق في صيف 2011 (خمسة آلاف جنيه للمتر المربع) تبين أنها تتجاوز ثمانية مليارات جنيه، أي ما يعادل مليارا و350 مليون دولار حينها. ويشكل هذا بالطبع تقديرا لقيمة هذه الأراضي مجردة من المنشآت القائمة عليها، بما في ذلك الفنادق والفيلات الفاخرة وملاعب الجولف والأسواق والمشايات السياحية ومحطات المياه وغيرها، وهي كلها ممتلكات وأنشطة دفعت أهل المدينة لأن يطلقوا على حسين سالم لقب “الأب الروحي لشرم الشيخ”.

 لكن قيمة الأراضي التي امتلكها رجل أعمال مبارك ستتضاعف يقينا وحتى من دون أية منشآت، لتصل لما يزيد على 2.7 مليار دولار بمقتضى المحضر الرسمي لأقوال العقيد طارق مرزوق، مدير إدارة مكافحة جرائم الاختلاس والإضرار بالأموال العامة أمام النيابة بتاريخ 18 مايو 2011، في القضية رقم 1 لسنة 2011 الشهيرة إعلاميا بـ”محاكمة القرن”. فوفقا لشهادته قال العقيد المرزوق إن إجمالي ما تحصل عليه حسين سالم وشركاته في مدينة شرم الشيخ 3 ملايين متر مربع، وذلك بعد تمديد الفترة الزمنية من 1988 إلى 2010، وليس 2006 فحسب حيث توقفت القائمة التي اطلعت عليها في مدينة الطور. وقد تقدم العقيد مرزوق بسبعة عشر قرارا من محافظة جنوب سيناء بتخصيص هذه الأراضي، وأكد أنها جاءت جميعا بالأمر المباشر وبدون أي مزادات، بل أفاد – وفقا لمحضر أقواله- بأن غالبيتها تقع في أكثر مناطق شرم الشيخ تميزا، وأن هناك أراضي انخفض سعر بيع المتر المربع منها إلى جنيهين اثنين لا غير.

وعلى أية حال، فعندما نتكلم عن لعبة الأراضي في شرم الشيخ وحدها فإن الثروة التي جناها حسين سالم تتجاوز في أدنى التقديرات وبأقل سعر للمتر في السوق خلال صيف 2011 مبلغ 2.7 مليار دولار، أي نحو ستة أضعاف قيمة صفقة التصالح. وبالطبع فإن هذا التقدير لا يأخذ في الاعتبار ما أنفقته الدولة من أموال عموم دافعي الضرائب على البنية الأساسية لخدمة هذه الأراضي وجعلها صالحة لاستثمار سياحي فاخر مربح. كما لا تدخل في الاعتبار السؤال الذي لم أجد له إجابة من أي من الجهات الرسمية طوال فترة البحث في سيرة حسين سالم: هل كان الرجل يدفع الضرائب عن أنشطته ومشروعاته؟ وكم دفع؟

وعلينا هنا أن نفترض أن قيمة هذه الأراضي- حتى وإن بقيت عند رقم 2.7 مليار دولار فقط- تظل على الأرجح خارج حسابات التحويلات البنكية التي أقدم عليها حسين سالم ونجلاه بعد الثورة، تلك التي رصدتها ووثقتها الدولة وفق تصريح المستشار الجوهري المشار إليه، لأن هذه الاراضي والممتلكات العقارية داخل مصر يفترض أنها خضعت لقرار منع التصرف في الأموال والممتلكات الصادر بحق أسره سالم بعد ثورة 2011، وهو إجراء سبق صدور النشرة الحمراء من الإنتربول لملاحقة سالم الهارب الى الخارج بناء على مخاطبة صدرت من مكتب النائب العام في منتصف إبريل 2011. ولما كنت قد أطلعت على أوراق مكتب الشهر العقاري بالطور مطلع يونيو 2011، يمكنني القول بأنه لم يكن ملحوظا أن حسين سالم ونجله قد قاما بأية عمليات بيع كبرى في الفترة السابقة مباشرة، أو في أي فترة سابقة منذ الشراء.

 هذان الأمران السابقان (التحويلات المالية خلال الأشهر الستة التالية لثورة يناير وأراضي شرم الشيخ) كفيلان وحدهما بنسف مصداقية الأرقام المقدمة الآن إلى الرأي العام بشأن صفقة التصالح بين الدولة وحسين سالم. لكن من تتبع قصة رجل أعمال مبارك هذا يدرك أن نشاط الرجل واستثماراته وأرباحه جرت في مجالات شديدة التنوع وبعلاقات غاية في التشعب والتعقيد. وثمة هنا محطات مهمة موثقة من شركات خدمات لنقل السلاح من الولايات المتحدة وحتى الاتجار فيه مع كامب ديفيد منذ نهاية السبعينيات، إلى الاستثمار الكبير في السياحة بمصر اعتبارا من الثمانينيات، ثم النهب الواسع من البترول والغاز الطبيعي انطلاقا من مصر التسعينيات. وإذا ما أخذنا المجال الأخير وحده- وهو يبدو أكثرها وضوحا وأقلها حساسية- لأدركنا ضخامة الأموال التي لعب بها الرجل وتحصل عليها مستفيدا من نمط وسمات رأسمالية المحاسيب، وذلك رغم صعوبة التوصل الى أرقام محددة.

فلدينا على نحو خاص مشروعا مصفاة تكرير البترول “ميدور”عام 1993 و”شرق المتوسط للغاز” عام 2007، وكلاهما من أعمال التطبيع مع اسرائيل. وقد حصلت الشركتان- الذي لعب سالم الدور الرئيسي في تأسيسهما مستثمرا علاقته مع مبارك ورجال حكمه وأجهزته ثم ربح من بيع أسهمهما لاحقا- على امتيازات عدة من الدولة، بما في ذلك الأراضي والإعفاءات الضريبية للمناطق الحرة، نهاية بقصة تسعير الغاز المتدني قبل توريده إلى تل أبيب. ومن الصعب حساب حجم الاستثمارات والأرباح التي جناها سالم من هذين المشروعين الكبيرين، نظرا لما اكتنف عمليات التأسيس والشراكة وبيع الأسهم على نوبات متتالية من سرية وتضارب في المعلومات. لكن لدينا على الأقل تقديرا محددا بأن رأس المال الذي بدأ به المشروع الأول (المصفاة) كان 1,3 مليار دولار، وأن سالم الذي رأس مجلس الإدارة كان يمتلك على الأقل 40 في المائة من الأسهم، وفق تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بتاريخ 13 يناير 1997.

وبالنسبة للمشروع الثاني فإن لدينا ما انتهت إليه الدكتورة عالية المهدي، عضو لجنة فحص التعاقدات بقطاع البترول، كشاهدة رابعة في قضية تصدير الغاز إلى اسرائيل بثمن بخس وشروط مجحفة، عن تربيح حسين سالم مبلغا قدره 2 مليار و3 ملايين دولار دون وجه حق، حيث كان يحوز نسبة 70 في المائة من أسهم الشركة عند التأسيس. وثمة في شهادات عالية المهدي وآخرين ما يشير أيضا إلى إخسار الدولة نحو 714 مليون دولار سنويا. وقد أفاد تحقيق صحفي مشترك بين صحيفة “المصري اليوم” وشبكة إعلاميون عرب من أجل صحافة استقصائية “أريج” نشر في يوليو 2011 بأن حسين سالم قد حصل على نحو 707 مليون دولار في عام 2007 وحده نظير صفقتي بيع 12 في المائة من أسهم شركة المتوسط للغاز و25 في المائة من أسهم شركة أخرى تدعى (مديترانيان جاز بايب لاين ليمتد)، فضلا عن استمرار ملكيته لنسبة 28 في المائة من أسهم شركة المتوسط للغاز حتى ماقبل ثورة يناير بأيام.

وهكذا فنحن أمام حجم أموال في قطاع البترول والغاز لأسرة حسين سالم قد لا تقل بحال عن تلك المخزنة والمحتجزة في الأراضي بجنوب سيناء داخل مصر. وقد يكون جانب من أموال اللعب ببترول وغاز البلد قد تسرب إلى التحويلات البنكية التي تحدث المستشار الجوهري عن رصدها خلال ستة أشهر تلت ثورة يناير، أو قد تكون خارجة عن هذه الحسابات لأنها استقرت هناك ومبكرا في شركات “أوف شور” بالكاريبي ومناطق أخرى خارج مصر، أو في استثمارات سابقة لشركة سالم المعروفة باسم “ماسكا” ومقرها في جنيف، أو حتى في أسبانيا حيث اختار أن يهرب وأسرته.

 لكن الأخطر من كل هذا أن صفقة التصالح مع حسين سالم افتقرت أي درجة من الشفافية، وبخاصة عندما تجاهلت السؤال المهم الذي كان ويظل مطروحا حول علاقات بزنيس هذا الرجل مع مبارك وأسرته، وعما إذا كان سالم بحق قد استحق ألقاب “الرجل الواجهة ” و “الرجل الحقيبة” و”الصندوق الأسود” لإدارة وإخفاء أموال العائلة الرئاسية كما قالت وسائل إعلام أمريكية معتبرة وباحثون أجانب موثوقون بعيد ثورة يناير، وأيضا وفق ما قاله وزير العدل الأسبق المستشار محمد الجندي في ندوة بنادي الجزيرة يوم 28 مايو 2011 :”حسين سالم يحمل مفاتيح الفساد في هذا البلد”.

 والأخطر أيضا أن يجري الإعلان عن إتمام صفقة التصالح مع سالم بينما الدولة المصرية مازالت بعيدة عن أن تبدأ طريق مكافحة رأسمالية المحاسيب ومنع إعادة انتاج المزيد من رجال أعمالها النافذين عبر تزاوج السلطة والثروة. فبدلا من سن التشريعات واعتماد السياسات واتخاذ الإجراءات على هذا الطريق تتجه مصر إلى تسهيل التصالح مع رجال أعمال مبارك خارج أي مفهوم أو سياق للعدالة الانتقالية. بل إن التعديلات على القوانين بما فتح الباب لهكذا تصالح جاءت بمرسوم رئاسي ومن دون أي نقاش مجتمعي.

وهكذا يتكرس أمام الرأي العام الإفلات بارتكاب جرائم المال العام واستغلال النفوذ وفساد الكبار والفساد الكبير، على قاعدة افسد واسرق وانهب مقابل “التنازل” عن حصة مما نهبت وسرقت، بل وعد ومعك آخرون إلى النهب والسرقة والفساد.

وفي حالة حسين سالم تحديدا فإننا إزاء حصة يتضح يقينا أنها لاتتجاوز العشرة في المائة من الأموال المنهوبة المنظورة. وإذا ما تجاوزنا عن لاأخلاقية التصالح على هذا النحو ومن الأصل والمبدأ، فإننا أيضا إزاء تناقض سافر مع بيانات وأوراق رسمية، حتى وإن تخفت صفقة التصالح تحت علامة (75%). وبالقطع التناقض سافر ولا نقول تأدبا أنه كذب مفضوح.

ولذا، وقبل أن تتوالى المزيد من صفقات التصالح على هذا النحو البائس فإننا مدعوون للتفكير في تحقيق مستقل ونزيه وشفاف في صفقة حسين سالم، وربما إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري، لعل شيئا ما بإمكانه وقف كل هذا الغرام من جانب الدولة برجال أعمال رأسمالية المحاسيب.

وحتى لايتحول التصالح الى “تفاسد”… بل مزيد من “التفاسد”.

هذا الموضوع نشر أول مرة بموقع مدى مصر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.