الرئيسية » مقالات » إلهامي الميرغني يكتب: طلعت باشا حرب.. لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!

إلهامي الميرغني يكتب: طلعت باشا حرب.. لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!

منذ أسابيع امتلئت اعلانات الشوارع والمواقع الاعلامية بإعلان مع صورة طلعت حرب ومعها عبارة “طلعت حرب راجع “.وتوقعت منذ اللحظة الأولي أنه إعلان من بنك مصر عن برامج جديدة لإقراض المشروعات الصغيرة وهي استكمال لحملة البنك الأهلي في رمضان الماضي لتمويل المشروعات الصغيرة.

لماذا طلعت حرب؟!

طلعت حرب نموذج للرأسمالية المصرية الوطنية التي حاربت كبار ملاك الأرض ودخلت مجال الصناعة،بدلاً من الزراعة والعقار ووفرت تمويل وطني للمشروعات بعيدا عن توجهات البنوك الأجنبية.

طلعت حرب أحد الذين قادو حركة بناء الاقتصاد الوطني في ظل الاستعمار الانجليزي. وعندما عرف بأهمية التمويل وكيف يخضع المدين لميول وتوجهات الدائنين. وان بنوك الاستعمار لن تمول التنمية ولن تمول الصناعة المصرية؛ قرر إنشاء أول بنك وطني برؤوس أموال مصرية.

عندما فكر البعض في بيع أسهم مصر في شركة قناة السويس كتب طلعت حرب كتابه عن بيع اسهم مصر وخطورتها وخسائر الاقتصاد المصري من البيع.

وفي عام 1911 قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية من خلال كتابه “علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين”، فلم يكن هناك نظام مالي يدعم الفلاحين وكانوا ضحية للمرابين وبنوك الرهن.

ورغم إنشاء البنك المصري والبنك الأهلي، لكنهم كانوا مخصصين لتمويل الأجانب فقط، وتسبب الاستعمار وقتها في استنزاف موارد الاقتصاد المصري لمصالحهم فقط. لذلك نجح طلعت حرب عام 1920 في إقناع مائة وستة وعشرين من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانون ألف جنيه، تمثل عشرين ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط.

وأنطلق بنك مصر ينشأ المصانع والشركات ويقود نهضة بتحول بعض كبار الملاك الي الاستثمار الصناعي وتمويل مصانع كبري لازالت تعمل حتي اليوم.

وربما تعيدنا مسيرة طلعت حرب للردة وعودة البنوك الأجنبية لمصر بعد 1974 ، وتقليص دور بنوك القطاع العام لصالح البنوك الأجنبية. ثم المرحلة التالية والتي بدأت ببيع بنك الإسكندرية وفي الطريق لبيع بنك القاهرة.فهل يسامحنا طلعت باشا علي ما فعل السفهاء من المسئولين ورجال الأعمال في عصر التبعية للدول الاستعمارية والشركات الدولية؟! وتعبئة المدخرات وتصديرها لتمويل التنمية في الخارج ونزف ونزح ثروات مصر والمصريين أو تشغيلها في مشاريع لا تخدم أهداف التنمية والتشغيل.

لقد حاول مصمموا الحملة الإعلانية لبنك مصر الربط بين أسم طلعت حرب وبرنامج قروض المشروعات الصغيرة.

أصل فكرة تمويل المشروعات الصغيرة

ترجع أصول الفكرة إلي اعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال احتفالية يوم الشباب المصري في دار الاوبرا المصرية في يناير 2016، عن عدد من المشاريع الهامة للشباب منها اطلاق بنك المعرفة المصري للطلاب والباحثين، بجانب الاعلان عن قرض الشباب بسعر فائدة اقل من 5 % للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحيث يكون اعلي فائدة علي قروض الشباب هي 5%، وذلك بالاتفاق مع البنك المركزي المصري والبنوك المصرية الحكومية البنك الاهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة.

من جانبه اعلن البنك المركزي المصري برئاسة طارق عامر، ان القطاع المصرفي سيقوم بضخ 200 مليار جنيه خلال السنوات الأربع القادمة لدعم المشروعات الشبابية الصغيرة والمتوسطة في كافة المجالات، وسيتم الاعلان عن تفاصيل قروض الشباب بنسبة فائدة 5 % فقط ، علي ان يكون التقديم للحصول علي قرض الشباب من خلال البنوك المصرية الحكومية، حيث سيتم توضيح الاوراق المطلوبة للحصول علي قروض الشباب والتي ستكون مبسطة وغير معقدة مثلما كانت البنوك تطلب سابقا للحصول علي قروض الشباب والمشاريع ، حيث يضع البنك المركزي المصري خطة لتمويل اكثر من 350 الف شركة بتكلفة 200 مليار جنيه لتوفر 4 ملايين وظيفة خلال 4 سنوات قادمة بداية من 2016. ولكن السيد طارق عامر لم يوضح لنا من أين سيتم تدبير هذا المبلغ الكبير وهل هي قروض خارجية أم ستمول من ودائع الجهاز المصرفي؟

كان البنك المركزي قد اعاد في 3 ديسمبر 2015 تعريف وتصنيف المنشآت الصغيرة حيث أعتبر :

  • المنشآت المتناهية الصغر هي : أقل من ٥٠ ألف جنيه، أقل من ١٠ أفراد.
  • المنشآت الصغيرة جدا والصغيرة هي : من ٥٠ ألف جنيه إلى ٥ مليون جنيه للمنشآت الصناعية و ٣ مليون جنيه لغير الصناعية، أقل من ٢٠٠ فرد.
  • المنشآت المتوسطة من ٥ مليون جنيه إلى ١٠ مليون جنيه للمنشآت الصناعية، ومن ٣ مليون جنيه إلى ٥ مليون جنيه لغير الصناعية،وتشغل أقل من ٢٠٠ فرد.

كما أصدر رئيس مجلس الوزراءالقرار رقم 947 لسنة 2017 بإنشاء جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.فهل تحقق بذلك إكتمال منظومة لدعم المشروعات الصغيرة؟!!

حقائق غائبة

  • طبقاً لنتائج آخر تعداد للمنشآت في مصر فإنه يوجد 2.3 مليون منشأة يعمل بها أقل من 10عمال ولا يوجد سوي 9728 منشأة فقط يعمل بها أكثر من 50 عامل.بينما البنك المركزي يتحدث عن منشآت صغيرة ومتوسطة تشغل 200 عامل. فهل أطلع المسئولين بالبنك المركزي علي نتائج تعداد المنشآت؟!
  • 8% من إجمالي عدد المشتغلين يشتغلون في منشآت أقل من 10 مشتغلين .
  • إجمالي التكوين الرأسمالي بالقطاع الخاص بلغ 41 مليار جنيه.
  • المنشآت التي يعمل بها من 25 -49 مشتغل تشكل 3.1% فقط من التكوين الرأسمالي الثابت أي 1.3 مليون جنيه فقط.
  • لذلك لا نعرف حجم المنشآت الصغيرة التي يتراوح رأسمالها المدفوع بين 50 ألف جنيه و 5 مليون جنيه ويعمل بها 200 عامل . وهل هذه البرامج التمويلية مصممة لمصر أم منقولة ترجمة حرفية من روشتات البنك الدولي؟!!!

حقيقة برنامج بنك مصر لتمويل المشروعات الصغيرة

علي موقع بنك مصر:

http://www.banquemisr.com/ar/funding-smes/micro-finance

نجد تفاصيل حول برنامج تمويل المشروعات المتناهية الصغر والتي عرفها البنك المركزي بأنها تشغل أقل من 10 أفراد ورأسمالها المدفوع أقل من 50 ألف جنيه.

– البرنامج الأول يسمي برنامج ” البطل ” وهو يمنح نوعين من القروض :

  • الأول قروض من ألف جنيه وحتي 25 ألف جنيه لمدة 18 شهر بسعر فائدة يبلغ 28%. أي أن صاحب المشروع المتناهي الصغر مطالب بسداد قسط شهري 1972 جنيه لمدة 18 شهر.ده بخلاف تكلفة الخامات والعمالة والايجار والكهرباء والمياه ومصاريف صاحب المشروع.
  • البرنامج الأول تتراوح فترة السداد به ما بين 4 شهور و 18 شهر . هل يمكن لمشروع متناهي الصغر سداد 25 ألف جنيه خلال 4 شهور أي أكثر من 6000 جنيه شهرياً.
  • الثاني قروض من 25 ألف وحتي 100 ألف وبفائدة سنوية 28% وفترة سداد من 6 شهور إلي ثلاث سنوات.
  • هل يستطيع مشروع متناهي الصغر حصل علي 50 ألف جنيه قرض سداده خلال 6 شهور أي بواقع 8333 جنيه شهرياً.
  • ولو اقترض 100 ألف جنيه وسددها خلال ثلاث سنوات يكون مطالب بسداد 5111 جنيه شهرياً لمدة 3 سنوات.

البرنامج الثاني يسمي المشروع القومي للتنمية المجتمعية والبشرية والمحلية ” مشروعك ” وهو يمنح نوعين من القروض :

  • الأول قروض من ألف جنيه حتي 25 ألف جنيه بفائدة 28% والسداد علي أربع اقساط أو 18 شهر.
  • بمعني لو اقترض 20 ألف يسدد 5 الاف كل شهر .
  • ولو اقترض 25 ألف بفائدة 28% وسدد علي 18 شهر يسدد 1972 جنيه شهرياً.
  • ولأن صاحب المشروع المتناهي الصغر غلبان فالبنك بيشترط إحضار خطاب من الوحدة المحلية أو الحي الكائن بنطاقها الجغرافي مقر نشاط العميل لمعاونة البنك في متابعة المشروعات الممولة وقطع المرافق عن مقر النشاط في حالة عدم التزام العميل بسداد 3 أقساط. يعني لو العميل تعثر لأسباب اقتصادية عامة في البلد يقطعو عنه كمان الميه والنور.رحم الله طلعت حرب.
  • الثاني يعطي قروض من 25 ألف إلي 100 ألف بفائدة 16.75% ويسدد علي 12 شهر أو 36 شهر .
  • بمعني لو اقترض 50 ألف وسددهم خلال سنة يصبح القسط الشهري 4865 جنيه لمدة سنة ده لأنه متناهي الصغر.
  • لكن لو اقترض الحد الأقصي 100 ألف وسدد علي ثلاث سنوات يصبح مطالب بسداد 4174 جنيه قسط شهري لمدة ثلاث سنوات .

هذه هي برامج الإقراض التي يقدمها بنك مصر للمشروعات المتناهية الصغر؟!!

الغريب في الأمر أن كل برامج تمويل المنشأت المتناهية الصغر لا يوجد في برامج اقراضها أي قروض بسعر 5% التي تحدث عنها الرئيس ومحافظ البنك المركزي . ولترجعوا الي الرابط للتأكد من ذلك.بل إن هذه المنشآت مطالبة بتقديم ميزانية لثلاث سنوات ماضية والموقف الضريبي والتأميني ومعظم هذه المشروعات تعمل في الاقتصاد غير المنظم وهي منشآت فردية في معظمها وغالباً لا توجد لديها دفاتر محاسبية منتظمة وهي لا تؤمن علي عمالها.

لكن العجب العجاب ان الفائدة 5% تقدم للمشروعات المتوسطة بشرط ان يكون رأس المال المدفوع من 50 ألف جم الى 5 مليون جم للمنشآت الصناعية والى 3 مليون جم لغير الصناعية.وبالنسبة للشركات القائمة يمول البنك كافة المنشآت الفردية وشركات الأشخاص وشركات الأموال في كافة الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية التي تكون مبيعاتها من 10 مليون جنيه وحتى اقل من 50 مليون جنيه. وطبقا لاحتياجات كل عميل وبأسعار فائدة (5%) (عائد بسيط متناقص) طبقا لمبادرة البنك المركزي المصري.

من الأولي بالرعاية المشروعات التي يقل رأسمالها عن 50 ألف جنيه ويتم اقراضها بفائدة 28% أم المنشآت التي تتراوح مبيعاتها ما بين 10 و 50 مليون جنيه ويتم إقراضها بفائدة 5%.

كما يقدم البنك تمويل بفائدة تتراوح بين 7% و 12% أي انها اقل من اقل فوائد علي المشروعات المتناهية الصغر والتي تبلغ 16.75%. ولأن حجم التمويل يوجه الاستثمار فإن البنك يعلن أنه سيقدم قروض للمشروعات التعليمية ( مدارس خاصة وجامعات خاصة ) تصل إلي 20 مليون جنيه. أما المشروعات الصناعية فلا تزيد قروضها علي 5 مليون جنيه وهي محاولة لجذب الاستثمار الخاص للتعليم الذي ترفع الدولة يدها عن تمويله تدريجياً . أما الصناعة ركيزة الاقتصاد فلا تتجاوز قيمة قروضها 5 مليون وبفوائد تتراوح بين 5%        و 12% . هكذا يتم توجية الاستثمار نحو التعليم.لكن كيف سيوفر التعليم 4 مليون فرصة عمل كما سبق وأعلن محافظ البنك المركزي؟!!!

إن الزج بأسم طلعت حرب في إعلان بنك مصر هو إهانة لطلعت حرب ودوره الوطني في بناء الاقتصاد المصري. وهو فخ منصوب للغلابة من أصحاب المشروعات المتناهية الصغر. وبدلاً من دعمهم ومساندتهم يتم إقراضهم بفائدة تتراوح ما بين 16.75% و 28% غير قطع الكهرباء والمياه إذا تعثر في السداد.

لذلك نعتذر لطلعت باشا حرب علي اهانته وهو الذي قضي حياته لبناء اقتصاد وطني ، وعندما عمل في الدائرة السنية شعر بألم الفلاح المصري وأعباء الديون والرهونات وفكر في تأسيس بنك يوفر قروض مناسبة ومن خلال البنك أنشئ عشرات القلاع الصناعية التي تعمل رغم مرور ما يقرب من 100 سنة علي إنشائها.تري هل يسامحنا طلعت حرب علي ما فعله السفهاء منا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.