الرئيسية » مقالات » عبدالناصر إسماعيل يكتب: الغش بين الأمن والأخلاق والتمرد (1/3)

عبدالناصر إسماعيل يكتب: الغش بين الأمن والأخلاق والتمرد (1/3)

تناولت الكثير من الكتابات والتصريحات موضوع الغش في امتحانات الثانوية العامة الذي يدخل عامه الرابع إعلاميا، ويدخل عقده الثالث فعليا بعد أول واقعة واضحة لتسريب الامتحان على يد أحد أبناء ممثل كوميدي مشهور، ويبدو أن طريقة التعامل مع حالات الغش الفردية أو الجماعية غالبا ما كان يتم غض الطرف عنها من قبل وزارة التربية والتعليم لإيهام المجتمع أن كل شيء على ما يرام ولكى تظهر أمام القيادات السياسية بمظهر كله تمام سيادتك.

لكن مع تنامى الظاهرة إعلاميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب على وزارة التربية والتعليم ادعاء إن كله تمام يا فندم، وأصبح عليها مواجهة الظاهرة التي تفشت كالوباء في المجتمع كله، وتراوحت مواجهة الظاهرة من قبل وزارة التربية والتعليم بين ادعاء تطوير نظام الثانوية العامة وبين الاحتفاء بالإعلان عن حلول أمنية جديدة لمواجهة الظاهرة، وسنة بعد أخرى تحولت الثانوية العامة إلى مشكلة أمنية يتم استدعاء وزارة الداخلية والأمن الوطني، ثم قوات من الجيش والطيران الحربى ثم تشكيل لجنة تجمع خمس وزارات هي التعليم والاتصالات والعدل والداخلية والدفاع، كل هذا – وخاصة هذا العام – كان مشمولا بحملة تهديد ووعيد من قبل وزارة التربية والتعليم لكل من يقوم بالغش.

ووصل الأمر إلى قيام السيد رئيس الجمهورية بإصدار قرار بقانون رقم 101 لسنة 2015 يغلظ العقوبة على الغش لتتراوح بين الحبس سنة فأكثر أو الغرامة التي تصل إلى خمسين ألف جنيه، ومع كل هذا تتصاعد ظاهرة الغش قوة لتجبر وزارة التربية والتعليم على إلغاء أمتحان مادة التربية الدينية بعد تسريبه قبيل الامتحان بساعات وهو الأمر الذي لم يحدث منذ قيام الكيان الصهيوني بإذاعة امتحانات الثانوية العامة 1961 مما دفع الحكومة المصرية إلى إلغاء امتحانات الثانوية العامة، ومع تزايد عجز وزارة التربية والتعليم عن إيجاد حلول جذرية للمشكلة نجد توالى الدعوات لقطاع من المجتمع يجمع مهتمين بالتعليم ومواطنين ونواب من البرلمان لفرض سيطرة الجيش على المطابع السرية لوزارة التربية والتعليم وقيامه بالإشراف الكامل على توزيع ومراقبة الورقة الامتحانية، وأن كان هذا التوجه يظهر شيئا فهو يظهر تغلغل فرض الحلول الأمنية عند كل مشكلة تواجهنا.

وفي حقيقة الأمر أن كل الأجهزة الأمنية في مصر تعمل على مواجهة هذه الظاهرة في مشهد يصعب تصديق أن هذا المشهد يتعلق بعملية تعليمية تربوية في الأساس، ولو تم تصوير المشهد برمته بمخليه سينمائية أو كرتونية لوجدنا أنفسنا أمام فيلم هزلى بإقتدار يثير سخرية المشاهدين ويثير آلامهم في نفس الوقت.

لقد تم تجريب الحل الأمني منذ سنوات كثيرة وثبت عدم فاعليته ليس لأسباب موضوعية تمس هذه الأجهزة الأمنية لكن لأسباب تتعلق بتعاملها مع ظاهرة وموضوع خارج إطار عملها الحقيقي بل أن استدعائها لمواجهة هذه الظاهرة هو إضرار بسمعتها وهو أمر لا يمكن تحمله أو قبوله وسيكون له مردودا اجتماعيا خطيرا على المدى البعيد.

لذا علينا وسط كل مفردات وصور وخطوط هذا المشهد التوقف قليلا لطرح عدد من الأسئلة البسيطة التي تتعلق بفهم هذه الظاهرة وتحليلها تحليلا علميا وتربويا وتعليميا، والابتعاد عن الحلول الأمنية واستسهال الحلول الأكثر عنفا وقوة في مواجهة ظاهرة الغش، حتى أننا نجد البعض يتطرفون ويدعون للقبض على الغشاشين وإعدامهم في ميدان عام أو جلدهم، بالطبع لا استطيع أن أفصل بين التعامل في استدعاء القوة للقضاء على الغش وبين استدعائها لقهر المخالفين لك في الرأي التي أصبحت ظاهرة هي الأخرى.

إن الأمر برمته أصبح متشابكًا ومتداخلًا، ليس تعبيرا عن الكراهية والقهر بقدر ما هو تعبيرا عن العجز والجفاف العقلي الذي أصاب الكثير بشكل أفقى ورأسي في مجتمعنا، فكلما زاد عجزنا؛ زادت لدينا النزعة للحلول الأمنية واستدعاء مخزون العنف الذي يكمن داخلنا. وهو أمر سيدفعنا إلى حالة من حالات الجنون الجماعي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.