الرئيسية » تقارير وتحقيقات »  مائة عام على وعد بلفور المشئوم :  (الجزء الأول ) كيف كان هرتزل المجرم الأول  ؟

 مائة عام على وعد بلفور المشئوم :  (الجزء الأول ) كيف كان هرتزل المجرم الأول  ؟

ربما لا يمكن أن يتخيل شخص ما أن ثمة فكرة تنبت بعقل شخص  يعمل مراسلاً لصحيفة فرنسية  ، أن تنجح في اقتلاع وطن من جذوره وتشرد وتقتل الملايين و يمارس بأسمها جرائم ضد الإنسانية على مدار ما يزيد عن قرن من الزمان ، إلا إذا كانت تلك الفكرة مدعومة بمصالح دول  ، ويقوم عليها أفراد عاقدين العزم على تدمير من سواهم ، ولا يقبلون العيش في سلام مع من ليس مثلهم …. هكذا هي الفكرة الصهيونية التي أبتدعها تيودور هرتزل وسارت على نهجه الحركة الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا  ، مستخدمة سلاح الدين و إدعاء الضعف  والاستهداف من الأخر   في بدايتها حتى تكمنت من أن تكون أكبر سافك للدماء على مرأى ومسمع من الجميع ….. لينطبق دوماً المثل القائل وكم من قيمة سامية أستخدمت لهلاك البشر ، وفي هذه السلسلة وبمناسبة مرور مائة عام على ذكرى وعد بلفور المشئون ، نرصد جرائم الصهيونية وتاريخها وكيف أصبحت دولة من لا شعب ولا دولة …. و أًصبح الشعب الفلسطيني مالك الأرض بلا أرض وبلا دولة

تيودور هرتزل  ،  مبتدع الصهيونية   

بدأ هرتزل  الصحفي اليهودي النمساوي المجري حياته مواطناً يهودياً آوروبياً لا يميل للتعصب  ويميل للفكر الغربي المسيحي حتى التحول في رؤيته عندما أنتقلت الأسرة إلى فيينا ، التحق فيها بكلية القانون وتدرج في السلم الأكاديمي حتى وصل إلى درجة الدكتوراه عام 1884  ليعمل بمحاكم فيينا وسالتسبورج  ثم أنتقل للأدب والتأليف ولم يكن له جمهوراً واسعاً فيها ، ومع بداية 1891 أختار أن يكون أحد العاملين ببلاط صاحبة الجلالة مهنة الصحافة  فعمل بجريدة هامة هي  “نوية فراية برسه  ” وهنا كان التحول في أفكاره  وتشكلت شخصية هرتزل الصهيونية بعد أن عايش قضية دريفوس وتابع أحداثها في مراسلاته الصحفية في فترة ازدادت فيها معاداة السامية  من قبل آوروبا  . هرتزل، اليهودي المندمج، أصبح يفكر في المشكل اليهودي وفي ضرورة ايجاد حل غير الاندماج والانصهار في مجتمعات أوروبا الشرقية والغربية. فالتيار المعادي للسامية ورغبة اليهود في اثبات وجودهم كشعب – كما يرى هرتزل – يدعوان إلى البحث عن بديل.

هرتزل يكتب الدولة اليهودية وينتخب رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية

الإجابة كانت في الكتيب الذي انتهى من تأليفه يوم 17 يونيو 1895 والذي نشر سنة 1896 تحت عنوان، “الدولة اليهودية”  ، يجد هذا الكتيب صدىً واسعاً في البداية إلا أنه وضع حجر الأساس لظهور الصهيونية السياسية الجديدة وتأسيس الحركة الصهيونية خاصة  بعد  انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و 31 أغسطس 1897 وانتخاب هرتزل رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية. خرج بتوصيات هامة أبرزها تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ،تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية ، تنظيم اليهود  وربطهم بالحركة الصهيونية ، و تكليف المنظمة باتخاذ ما يلزم لإصباغها الشرعية الدولية تحت قيادة تيودور هرتزل والذي شكل صندوقاً قومياً لإرسال مهاجرين يهود و إقامة المستعمرات . بعد ذلك بدأ هرتزل عدة محادثات مع شخصيات من دول مختلفة، مثل القيصر الألماني فيلهلم الثاني الذي التقى به سنة 1898 مرتين في ألمانيا وفي القدس أو السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سنة 1901، بحثاً عن داعمين للمشروع الصهيوني.  ربما يمكننا القول أنه بالرغم من تلك القرارات إلا أن  هرتزل قد فشل في الترويج السياسي بين السلاطين والأباطرة و كذلك فشل  في الترويج البرجوازي بين رجال الأعمال اليهود للفكرة إلا المؤتمر قد ربح مربح آخر أكثر أهمية وهو تعليق طبقة البرجوزاية الصغيرة و الطبقة العاملة من اليهود الذين كانوا يعانون من موجة معاداة السامية بآوروبا  بأمل في حياة مزعومة أفضل  في وطن خالصٍ ، ولو كانت على جثث حياة أناس آخرون !!!

الصهيونية  تحت عطف الاستعمار ، و الحرب العالمية الأولى تنهي حالة العطف !!

افتخر زملاء هرتزل وتلامذته بأن إنجاز الزعيم الصهيوني تلخص في أنه “جعل الصهيونية عاملاً سياسياً تقر به دول العالم (الكبرى) وتبجح ماكس نوردو زميل هرتزل الأقرب في خطابه أمام المؤتمر الصهيوني السادس أغسطس 1903 بأن أربع دول هي الأعظم و الأكبر آنذاك أعربت عن عطفها إن لم يكن على الشعب اليهودي فعلى الأقل على الحركة الصهيونية، الإمراطورية الألمانية أعربت عن عطفها.. بريطانيا قرنت عطفها بالاستعداد العملي لتساعد الصهيونية.. الحكومة الروسية (القيصرية) أعلنت خططها لمساعدتنا… والولايات المتحدة اتخذت خطوات دبلوماسية توحي بالأمل بأنها ستكون عطوفة حين يحين الوقت .

ولكن ثمة شيئ قلب الأمور رأساً على عقب فمع إندلاع الحرب  العالمية الأولى  ، أنشغلت كل دولة بمصالحها والسيطرة على أكبر بقعة ممكنة منحية عن ذهنها المشروع الصهيوني الوليد ،  بل أن المواطنين اليهود في دول الصراع شغلتهم ويلات الحرب عن مشروعهم و صهيونيتهم الجديدة ،

مابعد الحرب : حرب أخرى داخل المنظمة

كان للحرب أثر إستقطابي داخل المنظمة ذاتها  فالصهيونية الألمانية كان لها مشروعها المرتبط بالمصالح القومية الألمانية، بينما كان يرى حاييم وايزمن الرجل الثاني للصهيونية بعد  رحيل هرتزل أن  الصهيونية في إنجلترا عكست الوضع المتأزم العام في الحركة في أسوأ حال. ففي هذا الوقت كانت  الصهيونية في إنجلترا تكتسب نكهة تميل إلى أن تتحول إلى وطنية بريطانية دنيا- وطنية بريطانية قائمة على التصاق وهمي لقطر خيالي لم يره أحد ولم يعرفه أحد. ولذلك ما إن وقعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 بين كتلتين من الدول الإمبريالية: بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية من ناحية وألمانيا والنمسا- المجر وتركيا من ناحية أخرى حتى اشتد التقاطب القومي في المنظمة الصهيونية وتعمق الصراع الاجتماعي في الطوائف اليهودية توافقاً مع موضع اليهود الطبقي. وهكذا فإلى جانب الصراع الطبقي في الأقطار الأوروبية الكبرى خلال الحرب واتخاذ اليهود مواقعهم حسب انتمائهم الطبقي  وهو الأمر الطبيعي بالضرورة ، سار الصهيونيون مع أقطارهم ولوحوا بأعلامهم القومية حتى حين كانت عواطفهم الطائفية تتعارض مع هذا المطمح أو ذاك من سياسة حكوماتهم.

و أستمرت الأزمة تضخم و وهم  ببناء وطن صهيوني يندثر ، حتى ظهر آرثر بلفور بلفور !!!

” نرصد غدا  في ذكرى وعد بلفور تطور الحركة الصهيونية ما بعد الحرب العالمية الأولى و الآثار الناجمة عن وعد بلفور 1948 وتداعيات ذلك على الصعيد الأقليمي و العالمي وصولاً لذكرى النكبة 1948

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.