Site icon بوابة التحالف الإخبارية

محمد شيرين يكتب للتحالف :عولمة الفقر

بقلم: محمد شيرين الهوارى

الخبير فى الاقتصاد السياسى

طلب منى صديق لى منذ فترة كتابة شئ ما عن فكرة عولمة كل شئ كبير وصغير فى واقعنا المعاصر وخاصة على الصعيد الاقتصادى ولكن حال دون حدوث ذلك فيما يتعلق بالأجور التى ظلت حتى يومنا هذا محتفظة بقدر كبير جداً من التفاوت على مستويات عدة.

وهذا الطرح له وجاهة كبيرة فى الحقيقة حيث أن عامل مصانع الشركات الكبرى فى الدول النامية أو دول العالم الثالث مثلاً والذى تخرج من تحت يده منتجات لا تقل جودتها أبداً عن مثيلتها فى الدول الأم، بدليل أنها تُباع هناك، لا يزال يتقاضى راتباً متدنياً للغاية لا يمت بصلة من قريب أو بعيد بأجور قرينه بدول العالم الأول والتى لا تقل بحال عن عشرة دولارات فى الساعة الواحدة كحد ادنى قانونى مُلزِم وهو بالطبع رقم خيالى بالنسبة لعامل أفريقى أو مثيله من أمريكا الجنوبية أوأسيا بعد استبعاد اليابان والنمور الأسيوية.

وبالرغم من إننى لم أكتب بعد فى هذا الموضوع على وجه التحديد أثار طلب هذا الصديق لدى طرح آخر أعتبره لا يقل أهمية وهو يتعلق بعولمة الفقر ذات نفسه حيث تعدى الموضوع زيادات مُطردة فى نسب الفقر منذ أن كانت تخطو العولمة خطواتها الحذرة الأولى فى مطلع الثمانينيات مع صعود التيارات النيوليبرالية مدفوعة من أمريكا ريجان وبريطانيا تاتشر، بل صار جوهر هذا الفقر واحد بكافة أنحاء العالم قائماً على أشكال أكثر استبدادية فى علاقات الإنتاج لا تكتفى اليوم بمجرد استغلال صاحب العمل للعامل بل تطورت لاستغلال دولة لأخرى بطرق لم نراها فى أكثر أنسقة الرأسمالية توحشاً على مر التاريخ مما يدفع الشعوب المُستغلة أكثر وأكثر فى مستنقع الموت جوعاً.

ونرى هذا بوضوح جلى فى مثال إنتاج الشركات العملاقة عابرة القارات خارج مواطنها الأصلية والتى لا تستغل فيها فقط رخص العمالة المُجبرة على ذلك للبقاء حياً ولكن أيضاً الاحتياج الاقتصادى للدول المُضيفة التى تضطر لتقديم قرابين مؤلمة تتمثل فى الأغلب فى التنازل عن جزء ليس بالصغير من إيراداتها السيادية تجت مسميات مًضللة عديدة تأتى على رأسها لفظة “مُحفزات ضريبية” أو الاستغناء عن مساحات شاسعة من الأراضى بالمجان تقريباً بدعوى ضرورة جذب الاستثمارات، المحلية منها والعالمية أو إتاحة إمكانية خروج القيمة المُضافة التى تم إنتاجها على أيدى العمالة المحلية المُستغلة وعلى الأراضى التى بيعت بأبخس الأثمان بحيث لا يتبقى للدولة محل الاستثمار شيئاً منها ويطلقون على ذلك حينها مصطلحات مثل تحرير حركة تدفق الأموال ومرونة السياسات المالية ومسميات أخرى منمقة لا تعبر جميعها فى النهاية سوى عن قدر رهيب من الظلم تتعرض له شعوب العالم الثالث جمعاء.

ما اسميه “عولمة الفقر” يقوم إذن فى الأساس على إدراك الدول الصناعية الكبرى لحقيقة أن الموارد الموجودة وصلت بالفعل إلى مداها ولم تعد قادرة على التكاثر أو الزيادة، خاصة فى ظل النمو السكانى المتفاقم، ويصير بالتالى زيادة ثرائها أو حتى الحفاظ عليه عند مستوياته الحالية مُتطلباً بالضرورة تعميق الفجوة بينهم وبين أكثر الشعوب فقراً لحتمية منافستها على مواردها المحدودة أصلاً وأخذ كامل “الكعكة” بما فى ذلك الفتات منها.

وهذه فى الحقيقة تركيبة نراها أيضاً عند النظر إلى المسلك الاقتصادى الذى تنتهجه الدولة المصرية على مدار الأعوام الأربعة السابقة وسقطت بسببه فى فخ التبعية الكاملة حتى أصبح ما يعادل 25% من موازنتها العمومية (حوالى 300 مليار جنيه) مُخصصاً لخدمة الدين الخارجى المتعاظم، أى دفع فوائده فقط دون المساس بالأصل وصارت هى نفسها تقول علانية أن الطريق للخُلاص هو إجراءات مثل تخفيض قيمة عملتها وهو ما يعنى عملياً تقليص حجم اقتصادها مع الثبات على مستويات أجر متدنية لجذب استثمارات لا تضيف فى واقعها شيئاً لمصر والمصريين إلا البقاء حياً فى إطار مُهين.

صحيح نحن لسنا الوحيدين الذين يحدث معهم ذلك ولكننا بكل تأكيد الوحيدين الذين لديهم حكومة تفتخر به.

Exit mobile version