الرئيسية » مقالات » محمد عبدالحليم يكتب: جيش العمل الاحتياطي

محمد عبدالحليم يكتب: جيش العمل الاحتياطي

“جيش العمل الاحتياطي” أحد أعظم إبداعات النظرية الماركسية والتي تفسر لنا أحد الجوانب الموضوعية للنظام الرأسمالي، المتعلقة بقضية الخلل في توزيع الدخل والثروة داخل المجتمع الرأسمالي، والمتفحص لحالة الاقتصاد والمجتمع المصريين سيتأكد من صحة التحليل الماركسي وما وصل إليه من نتائج بهذا الصدد، بل سيتصور للوهلة الأولى أن ماركس كان يتحدث عن المجتمع المصري وهو يصيغ تحليله لظاهرة جيش العمل الاحتياطي.

أوضح ماركس مفهوم جيش العمل الاحتياطي بانه: قدرا من قوة العمل الإنساني على استعداد دائما لان تستغل في خدمة التوسع الذاتي لراس المال، وهو ما يوازي تعريف البطالة، حيث تعرف البطالة بانها مجموع أعداد القادرين على العمل والراغبين فيه بمستوى الأجر السائد ولا يعملون، وبنظرة سريعة على واقع الاقتصاد المصري ستجد ان تقديرات العاطلين عن العمل في مصر – وفقا لتقرير مؤشرات التنمية في العالم– أربعة ملايين شخص وهم ما يشكل جيش العمل الاحتياطي المصري.

وقد أرجع ماركس نشوء وتنامي جيش العمل الاحتياطي لعدة أسباب وهي:

أولا: الاستخدام المتزايد للآلات وإحلالها محل قوة العمل “العمال” في العملية الإنتاجية نتيجة للتقدم التكنولوجي، حيث يسعى الرأسماليين لتعظيم أرباحهم بواسطة التكنولوجيا ليزيدوا من إنتاجهم ويخفضوا من تكلفة الإنتاج، وهو ما ينتج عنه تخفيض مستمر لأعداد العمال.

ثانيا: الزيادة الطبيعية في أعداد السكان وبالتالي الدخول المستمر لقوة عمل جديدة إلى سوق العمل، في مصر على سبيل المثال تقدر أعداد الداخلين الجدد لسوق العمل 800 ألف مواطن سنويا.

ثالثا: الأزمات الاقتصادية الدورية التي يتعرض لها النظام الرأسمالي من كساد وتضخم وما ينتج عن من تسريح أعداد إضافية من العمالة نتيجة إغلاق المصانع وإفلاس بعض الرأسماليين، وبالطبع كلما زاد عمق الأزمة وحدتها كلما زادت أعداد المسرحين من العمل والمنضمين الجدد لجيش البطالة.

رابعا: الاستخدام المستمر للأطفال والنساء في العملية الإنتاجية، نظرا لسعي الرأسماليين لتخفيض أجور العمال، لمراكمة المزيد من الأرباح، وهو ما تعكسه البيانات الحكومية بمصر، حيث أوضحت أن نحو 7.9% من أطفال مصر – في الفئة العمرية من 7 إلى 14 عام – يعملون وفي مهن تتميز بدرجة خطورة عالية ودون أي تأمينات اجتماعية.

وأما عن النتائج المترتبة على ظاهرة جيش العمل الاحتياطي، كما أوضحها ماركس:

أولا: الضغط المستمر على مستوى الأجور نحو الانخفاض، فمستوى الأجور في المجتمع الرأسمالي يتعلق بالأساس بحجم جيش العمل الاحتياطي بالمجتمع، فالعمل في ظل المجتمع الرأسمالي شانه شان أي سلعة أخرى يتحدد سعرها وفقا لتفاعل العرض والطلب، وبالتالي كلما زاد عرض العمل عن الطلب على العمل – الوظائف المتاحة – كلما مال ثمن العمل نحو الانخفاض “مستوى الأجور السائد” وهو ما تعكسه بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الخاصة بنصيب العمال والمالكين في الناتج القومي الإجمالي، حيث قررت البيانات ان حصة العمال من الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 30.3% فقط، بينما ذهبت نسبة 69.7% للمالكين ورجال الأعمال.

ثانيا: زيادة فقر طبقة العمال كنتيجة طبيعية لتدني أجورهم، وهو ما يعرف بالقانون المطلق العام للتراكم الرأسمالي كما أوضحه ماركس: ” ان تراكم الثروة في جانب هو إذن وفي نفس الوقت تراكم للبؤس والمعاناة والعبودية والجهل والقسوة والانحطاط الذهني في الجانب الآخر “، ويكفينا الإشارة هنا إلى أن بمصر 16 مليون مواطن يسكنون في مناطق عشوائية لا تعدو كونها عشش من الصفيح على أطراف المدن لا تدخلها أي مرافق من كهرباء ومياه وصرف صحي وتنتشر بها الجرائم والأمراض، وان نحو 2 مليون مواطن يعيشون بدخل أقل من دولار يوميا، بينما يعيش 20% من الشعب المصري -20 مليون مواطن – بدخل أقل من 2 دولار يوميا.

وأخيرا فإن أي محاولة لبحث مشكلات الاقتصاد والمجتمع بمصر بعيدا عن معالجتها في سياق ان المجتمع المصري مجتمع رأسمالي ينطبق عليه ما ينطبق على أي مجتمع رأسمالي آخر، فهو نوع من التضليل الذي تمارسه النخب الليبرالية بمصر يحاول أن يبعدنا عن الحل المنطقي والوحيد لازمة المجتمع المصري وهو حتمية تبني الحل الاشتراكي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.