*هل تعتقد أن هناك ضغوطا دولية وراء هذه الانفراجة أم أن النظام أحس بأنه حقق كل ما يريده داخليا؟ أم أن هناك تحديات في الفترة القادمة تستوجب تكوين جبهة داخلية قوية؟
– الافراج عن معتقلي العيد لاينسينا أنهم كانوا محبوسين احتياطيا منذ 9 شهور وان الافراج شمل ٥ فقط كإخلاء سبيل على ذمة القضية، والمشكلة أن حبسهم احتياطيا هم وغيرهم كان اجراء متعسفا، فما كتبه وقاله معصوم مرزوق ومحمد رمضان وجمال عبد الفتاح ويحيى حسين وأبو الفتوح ود. رائد سلامة وعشرات غيرهم من المحبوسين احتياطيا فى قضايا راى، معروف ومنشور ولا يمكن تغييره وحكمة الحبس الاحتياطى من الأصل هى منع المتهم من العبث بدليل إدانته أو الهرب أو التاثير على الشهود، فهل ينطبق ذلك على المتهمين فى قضايا راى ممن جاهروا برايهم ونشروه فى مصر ولم يبرحوها ولم يختفوا أو يقاوموا السلطات، والشهود ضدهم تقارير وشخصيات أمنية لا يمكنهم التاثير فيها؟ أم تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة خارج نطاق القانون؟ لهذا نطالب النيابة العامة بالافراج عنهم ولو على دفعات حتى يمضوا ما تبقى من رمضان وأيام العيد مع أهاليهم، وإلا اختفت الحدود بين الجنايات والأفكار وبين الراى والمولوتوف.. لهذا كله يصعب إعطاء تقييم الآن ويلزم انتظار خطوات أخرى.
* هناك ظاهرة ملفتة للانتباه، فكثير من مشاهير المعارضين خرجوا من الوسط الصحفي، أنت وحمدين صباحى وعبد الخالق فاروق وعمار علي حسن وعشرات غيركم، هل لديك تفسير؟ وهل معنى ذلك أن النظام لم يترك على مدى العقود السابقة غير حرية الكلام ومنع حرية العمل السياسي وسط الجماهير؟
– هناك شخصيات أخرى خرجت من أماكن أخرى، والمعارضة كتلة متنوعة تمثل تيارات مختلفة، ولكن ستجد أيضا معارضين في نقابات أخرى، ونقابات الرأي عموما تكون أكثر قدرة على إنتاج أناس مرتبطين بهموم الشعب، فهذا هو الشيء الجوهري الذي يفسر ماتطرحه، ولكن هناك آخرين خرجوا من تخصصات أخرى بما في ذلك الهندسة والطب الى آخره، ولكن يمكن أن تكون النسبة زادت في الصحفيين في فترة، وفي فترة اخرى بين أوساط المحامين، فحركة الوفد في 1919 كان أساس تشكيلها المحامون، وطبعا نقابة الصحفيين ومهنة الصحافة ترتبط بمهنة الدفاع عن الحقوق ومهنة تداول المعلومات والآراء، وبالتالي من الطبيعي أن يبرز منها عناصر معينة تقود المعترك السياسي وتحاول أن تمثل صوت وضمير الشعب، لأن الصحفي يفترض أنه ضمير الشعب، ومأساة الصحافة هو الصراع بين أن يكون الصحفي خادم السلطان أو ضمير الشعب وصوت الحقيقة.
* أظن أنه سبق إلقاء القبض عليك أكثر من مرة، إحداها مع د.محمد السيد سعيد رحمة الله عليه، نهاية الثمانينات، كم مرة تم اعتقالك وما هي ظروف كل اعتقال؟
– اعتقلت مرتين، إحدهما أثناء الحركة الطلابية في السبعينات خلال الاعتصام الشهير الخاص بجامعة القاهرة في الانتفاضة الطلابية الشهيرة اللي كانت تحت شعار “الحريات الديمقراطية واقتصاد الحرب ومواصلة المعركة ضد الاستعمار وضمان الحقوق والحريات للناس” هذه كانت انتفاضة يناير 1972/1971 وتواصلت في 1973، وأنا اعتقلت عندما اقتحمت قوات الأمن المركزي قاعة الاحتفالات الكبري في جامعة القاهرة، وخرجت مع الدفعة الاخيرة من الطلاب ولم تتحول الى قضية ولم تصدر فيها أحكام وتم الإفراج عني نهاية هذه الفترة.
وأما المرة الثانية التي تم اعتقالي فيها، فكانت بمناسبة حركة التضامن مع عمال الحديد والصلب عام 1989 عندما اقتحمت أيضا قوات الامن المركزي مصنع الحديد والصلب، وتم اطلاق الرصاص على العامل “عبد الحي” ومات حينها وحصلت حركة تضامن مع العمال، لأن وزير الداخلية حينها كان ينتهج سياسة جامحة جدا قائمة على سياسة القبضة الحديدية وشعاره المعلن كان “أنا عاوزهم جثث”، وانتهى الأمر بإقالة الوزير وخرجنا أيضا من هذه الحبسة بدون أي أحكام وحفظت القضية، واحتفلت بنا نقابة الصحفيين.
* ما هو تقييمك لتجربة الحركة المدنية الديمقراطية، وأنت عضو فيها، فكثيرون يرون أنها لم تحدث اختراقا وعانت من نفس أمراض الحركة السياسية؟
– رغم كل القيود وحالة الحصار، حققت الحركة المدنية إنجازا مهما وتحولت لرقم فى المعادلة بالذات فى حملة الانتخابات الرئاسية التى دعت الحركة الى مقاطعتها باعتبارها انتخابات بلا ضمانات، على طريقة جورج الخامس يفاوض جورج الخامس، وفى الاستفتاء على الدستور الذى دعت فيه الحركة المواطنين للتصويت بـ “لا” واعربت عن تقديرها لكل أشكال رفض التعدى على الدستور، بما ذلك المقاطعة الايجابية الواعية، ولاحظ أن المناخ الذى تعمل فيه الحركة، يقيد من فرص نشاطها، واكتفى هنا بمثالين: الأول أنه فى اعقاب المؤتمر الصحفى الذى اعلنت فيه الحركة مقاطعة الانتخابات تم تقديم ١٣ بلاغا فى ١٣ محافظة ضد قياداتها بتهم الإضرار بالاقتصاد القومى وتعطيل الدستور ونشر اخبار كاذبة وإشاعة الفوضى.. ترتبط بهذه البلاغات حملة إعلامية تتهم قيادات الحركة بأنهم عملاء وخونة وممولون.. الخ.
والمثل الثانى خاص بالاعتداء على رؤساء الأحزاب وغيرهم من الحضور فى حفل الافطار بالنادى السويسرى!! والاعتداء عليهم تم في حفل إفطار ولم يكونوا في صدارة حركة احتجاج، وما أن رفع أذان المغرب وقبل أن “يتسمموا بالسم الهارى”، “الفطار” تطايرت فوق رؤسهم الكراسى، وبينهم ثلاثة زاملوا الرئيس السيسى فى مجلس الوزراء حين كان وزيرا للدفاع، وهم د البرعى ود عمرو حلمى وكمال أبوعيطة، وتمت التغطية على عملية البلطجة بالزعم أنها كانت خناقة بين بودى جاردات رؤساء الأحزاب الممولين الخونة بسبب خلاف على مواقع الجلوس، مع أن الموائد كانت مستديرة لا مكان فيها للصدارة، حتى أننى سألت الأمن الوطنى إن كانوا يعرفون بودى جارد مستعد يركب معى الميكروباصات، والأمر تجدد مع الموقف من حملة “لا للدستور” فقد أصبحت بطلا في مخططات الجماعات الإرهابية.
* لماذا اتسم أداء الحركة بالارتباك حتى في مواجهة اعتقال اعضاء فيها أو مقربين منها مثل يحيى حسين عبد الهادي المتحدث السابق باسم الحركة ومعصوم مرزوق وغيرهما؟
– لم يحدث ارتباك وانما الحركة ليست متصرفة في أدوات القوة حتى تصدر قرارا بإطلاق سراحهم، لا هي نيابة عامة ولا هي وزارة داخلية، هي حركة معارضة تعمل تحت الحصار وغير مرحب بها وكثيرا ما تلاحق أعضاءها البلاغات في النيابات المختلفة، وبالتالي ما جرى لأعضاء فيها من الممكن أن يطال أي عضو، وهي لم ترتبك، إنما تخوض حملة للدفاع عن سجناء الراي وتقوم بمساندة أسرهم إذا كان الأمر يحتاج مساندة، والسجناء ضمن أحزاب، والأحزاب لم تملك أن تفعل شيئا لهم أيضا، ونحن طوال الوقت أخدنا موقف تضامن مع المهندس يحيي حسين ومع السفير معصوم مرزوق، ومع شخصيات من داخل الحركة أو خارجها.
* كيف يمكن للمعارضة أن تعمل في ظل هذا التضييق الأمني والسياسي، هل هناك أفكار معينة يمكن الخروج بها من عزلة النخب المعارضة عن القاعدة الجماهيرية؟
– إجابتي على هذا السؤال تمثل انفرادا لكم، حيث عقد اليوم وقبل اجراء هذا الحوار مباشرة، اجتماع سبقه عدة اجتماعات تمهيدية على مدار الأيام الماضية، وفي خلال أسابيع سوف يتم الإعلان عن ائتلاف سياسي جديد، يضم صوتا برلمانيا ممثلا في تكتل ٢٥-٣٠، وأجنحته السياسية ممثلة في الحركة المدنية الديمقراطية والأحزاب والمجموعات الشبابية التي تطمح إلى التغيير، وهذا الالتقاء ينهض على أساس طاقة الأمل التي فتحت من خلال خبرة عملها المشترك في الاستفتاء، والرسالة التي بثتها نتيجة الاستفتاء للناس، بأن هناك رفضا جماهيريا، وهناك كتلة هجرت الموقف السلبي ومستعدة تهجر الكنبة لإحداث تغيير إيجابي، وهذا مطروح ومطلوب جدًا لمنع البلاد من الانزلاق إلى انفجار، والاتجاه بها إلى تغيير سِلمي ديموقراطي؛ وهذا هو السبب الذي يدفع أجنحة سياسية أن تأتلف على أساس الحلم معًا والعمل معًا لبناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة، تنهض على مبدأ توازن السلطات والاعتراف بالحق في التعددية والتنوع، وأن يوجه الاقتصاد لإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين، إضافة إلى مواجهة مشاريع الهيمنة والتبعية والاعتراف بالتنوع الثقافي والفكري، كما تضع على أجندتها مقاومة الفقر والتخلف إلى آخره.
المناقشة داخل هذا التيار تنضج وتتطور، والجانب البارز فيها هو الروح الإيجابية العامة المبدئية وتغليب المصلحة الجماعية والانطلاق، مما يعتبر بارقة أمل ويمثل لحظة قوة تقدم للأمام، في بناء تيار يحمي الدولة المدنية الديموقراطية ويجنب الوطن مخاطر الفوضى والتعصب والطائفية والانقلابية إلى آخره، وهناك اتجاه لإعداد وثيقة سياسية هدفها الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، وتكتيك هذا التيار سيكون الاستفادة من كل المعارك الانتخابية النيابية والنقابية، ومساعدة الناس على نيل الحق في التنظيم، وبالتالي فإن فكرة أن لدى هذا التيار طموح لتغيير السياسات لصالح الشعب وتقديم نفسه كبديل للسلطة القائمة هو طموح مشروع، لأن أساس النظام السياسي هو تداول للسلطة، وليس عيبا أن يؤكد التيار أنه يريد السلطة، أو يقول: أنا مختلف معك في السياسات وأريد أن أحكم، ليس لأني أريد الكرسي، ولكن لظني أن إدارتي للسياسات ستحقق نتائج أفضل للبلاد.
وللحوار بقية والي الحلقة التالية