الرئيسية » تقارير وتحقيقات » مدحت الزاهد في آخر حوار مع خالد محي الدين قبل وفاته

مدحت الزاهد في آخر حوار مع خالد محي الدين قبل وفاته

في ذكري رحيل الاستاذ خالد محي الدين عضو مجلس قيادة الثورة ومؤسس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ، تعيد التحالف نشر آخر حوار أجراه مدحت الزاهد مع الاستاذ خالد محي الدين قبل وفاته

العدل بدون حرية.. جنة تحت الحراسة والديمقراطية بدون عدالة، منافسة في غابة
قالوا لجمال: خالد بيتحداك، فسقطت في انتخابات اللجنة التنفيذية
السادات اتهمني بأن العيال بتوعي بيهاجموه
انسحبت في هدوء من فرح هدى عبد الناصر لأن البروتوكول فصل بيني وبين زملائي وأبنائي
حوار: مدحت الزاهد

في جولة الاستئناف، كنت قد وجهت لخالد محيي الدين الاتهام بأنه كثير الاستقالة ودافع هو عن نفسه بأنه قد انحاز لكل توجهات ثورة يوليو الكبرى، مع استجابته لشرط الضمير، الذي أملى عليه أن يقول لا عند الضرورة دون أن ينتقل إلى مواقع الأعداء، أو يهدم جسور المودة مع الثورة التي شارك في صنعها.

وفي جولة النقض لخص خالد تجربة عمره وقال: أن تجربة التاريخ تثبت له أنه لا مجال لمقايضة العدل بالحرية، فالعدالة بدون حرية تجعل البشر أسرى في (جنة تحت الحراسة) والديمقراطية بدون عدالة تجعلهم (أحراراً في غابة يفترس فيها الكبير الصغير). وقال خالد أن البشرية تناضل من أجل بلورة نموذج يجمع العدل والحرية في كل واحد، بعد أن تراوحت بسبب ملابسات تاريخية كثيرة بين الاختيارين.

وقال خالد أيضاً أن هذا هو الحلم الباقي.. وهو الأمل في الخلاص
* أستاذ خالد: أحزاب المعارضة متهمة بالجمود والمسئولية عن ركود الحياة السياسية وبالعجز عن تطوير نفسها، وهناك قائمة طويلة من الاتهامات؟
– تقصد اتهامات الحزب الحاكم والحكومة للمعارضة.. هذه أول مرة أسمع فيها عن حزب للأغلبية يدعو أحزاب الأقلية لتطوير نفسها ويحملها مسئولية فشله وبدلاً من أن يطوروا هم أنفسهم بتبني فكر جديد يقوم على احترام حقيقي لقواعد الديمقراطية، فإنهم يجعلون المعارضة شماعتهم. والحقيقة ان قضية تطوير الحياة السياسية في مصر في ملعب الحكومة فالمعارضة لم تصدر قانون الطوارئ، أو مباشرة الحياة السياسية، أو قانون الأحزاب والصحف و الجمعيات الأهلية. كما لا يمكن تطوير الحياة السياسية في ظل الطوارئ، و مع القيود على حرية الأحزاب في العمل وسط التجمعات الجماهيرية، وعقد مؤتمراتها في الشارع.. ولا مع القيود على حق تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف، وكل أشكال التعبير والتنظيم. ومعروف أن حزب الحكومة يحتكر أجهزة الإعلام التي كانت مملوكة للاتحاد الاشتراكي، ولا يترك للمعارضة سوى الفتات.. السؤال هو، هل ننتقل إلى تعددية حزبية حقيقية أم نبقى أسرى لنظام سياسي يبقى على الأحادية في إطار تعددي. والجواب على هذا السؤال يمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر.
* وهل تنتظر مصر الاستجابة لهذا التحدي بمنحة من الحكومة؟

– لا، نحن لا ننتظر، ولكني فقط أرد على الاتهام الغبي.. نحن ندعو لتغيير ديمقراطي شامل، وندعم كل حركة تصبو إلى هذا الهدف، ولدينا برنامج معلن ومعروف من أجل الإصلاح السياسي، ومشاريع قوانين في البرلمان، وتحالف من أجل الإصلاح مع قوى المعارضة الأخرى بلور مبادرات كثيرة.
والإصلاح الديمقراطي مسألة ليست سهلة، فهو يحتاج إلى حشد أكبر وعزيمة أشد.

* لكن مصر تكاثرت فيها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فلماذا الإلحاح على التغيير الديمقراطي بالذات؟

– ببساطة لأنه من هنا نبدأ، لأن الديمقراطية هي التي تنظم قواعد المشاركة والمنافسة بين قوى تختلف في رؤاها، وصولاً إلى الأصلح، أما تقييد الحريات وحرمان الشعب من حكم نفسه بنفسه فإنه يفتح الطريق للفساد السياسي.
وبلاد العالم الثالث المتقدمة هي البلاد التي سارت في الطريق الديمقراطي وأبرزها الهند والبرازيل.. الأقليات تحكم في الهند، فرئيس الجمهورية مسلم ورئيس الوزراء من السيخ وانديرا غاندي سقطت في الانتخابات.
وهناك ملاحظة أخرى، فكل المجتمعات الديمقراطية متقدمة، لأن احترام الشعب والرأي العام عامل أساسي في نهوض الأمة.

سلامة ونزاهة الانتخابات وحرية المنافسة ينبغي أن تبدأ من المحليات.. المحليات هي الخطورة الأولى في التطور الديمقراطي، حكام الدول الكبرى بدأوا حكام منتخبين للولايات، وهناك برلمانات للولايات تتمتع بسلطات رقابية حقيقية.
كما لا يمكن شن مواجهة حازمة ضد الفساد بدون انطلاق هذه المواجهة من المحليات، فكثير من المصائب تحدث لأن معظم الإدارات الهندسية (على سبيل المثال في المحليات) فاسدة، وباختصار فإن المحليات هي المدرسة الأولى لممارسة الديمقراطية وتحقيق الرقابة.

* وهل كان ذلك واضحاً لك في أزمة مارس 54 التي أطاحت بك منفياً من مجلس قيادة الثورة؟

– للأمانة أريد أن أقول أنه كان في مصر في ذلك الوقت تيار شعبي يرفض عودة الجيش إلى الثكنات ويرفض عودة الأحزاب، بعد أن سأم من فساد اللعبة السياسية قبل الثورة، وبدأ يتطلع إلى فكرة المستبد العادل، أو إلى النظام والحاكم الذي يحقق له بعض أحلامه ولو مقابل التنازل عن بعض حريته.
هذا التيار لم يكن موجوداً في الشارع فقط، بل أيضاً في الطبقات الوسطى وشرائح من الطبقات العليا، بعض أقاربي وأقارب زوجتي كانوا يهاجمونني بشدة بسبب موقفي من الديمقراطية، وبالتالي من الخطأ الادعاء أن الاختيارات التي تصارعت في مصر في ذلك الوقت كانت تعبيراً عن ميول مزاجية مقطوعة الصلة بأوضاع الحياة السياسية في مصر في ذلك الوقت. والنتيجة أن تيار عريض قد مال بإرادته الحرة إلى اختيار جمال وباقي الأعضاء.

* وهل هذا تقييم جديد لأحداث مارس 54؟

– لا، أنا شرحت هذا الرأي في أكثر من مناسبة، ولكنى أدافع عن اختياري فقط، بل كنت أيضاً أشرح اختيار زملائي، حتى أن زكريا محيي الدين قال لي: لقد عبرت أزمة مارس بتركيزك على الشروط الموضوعية التي أحاطت بمواقف مختلف الأطراف.

* ربما ساعدت المكاسب الوطنية أيضاً في تمرير خط مارس، أو عقد هذه المقايضة بين المكاسب الوطنية والاجتماعية اللاحقة، وبين الديمقراطية؟

– نعم بالقطع، فقد كان لي قريب كنا على خلاف دائم لأنه كان يكره جمال كراهية شديدة، ولكني وجدته في حضني عندما أعلن جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس إلى شركة مساهمة مصرية.
كان الشعب كله يحلم باسترداد القناة. ثم كانت معركة السويس التي رفعت عبد الناصر واختيارات ثورة يوليو الوطنية إلى عنان السماء، وساعدت في بناء قدرتها على تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية ناضل من أجلها الشعب طويلاً.
وهذا التحول الكبير هو الذي أبقى على جسور ممتدة بيني وبين ثورة يوليو، وعلاقة حب واحترام ومودة بيني وبين جمال.
……..
* لكن تجربة التاريخ تثبت مع هذا أن مقايضة الديمقراطية بالمكاسب الوطنية والعدالة الاجتماعية، أو مقايضة العدالة بالديمقراطية قد أثبتت فشلها. تجارب كثيرة سقطت لأن حارس المكاسب كان مقيداً. وتجارب أخرى تنذر بكوارث لأن احتكار رأس المال قد جرد الديمقراطية من كل محتوى؟

– هذا استنتاج سليم، فقد كان يمكن أيضاً أن تستمر الثورة ويصبح حزب عبد الناصر هو حزب الأغلبية في ظل الديمقراطية. وكان يمكن لهذا الاختيار أن يقطع الطريق على ظواهر كثيرة أحاطت بالثورة مثل ظاهرة مراكز القوى، والشللية، أو ضعف المشاركة الجماهيرية الإيجابية الفعالة في عمليات صنع القرار والرقابة، إلى آخره وللأمانة فإن هذه المقايضة لم تكن مقصورة على مصر وحدها، فأحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية ارتبط بهذه الفكرة بالذات: إعلان حزب واحد باعتباره حزب كل الشعب، ثم سيطرة المكتب السياسي على الحزب، وسيطرة السكرتير العام على المكتب السياسي، وتعيين كل المسئولين عن مختلف مجالات العمل من أعضاء الحزب ومن أهل الثقة، وهو ما أدى إلى شيوع البيروقراطية، وسلبية الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير عن المشاركة في القرار وفقاً لنظرية التفويض هذه.

– ولا شك أن سقوط المجموعة الاشتراكية، وانتكاسة أنظمة حركة التحرر الوطني كان له أسباب عديدة، غير أن نظرية الحزب الواحد.. حزب الشعب، قد ساعدت على هذه النتيجة، وجردت الناس من الأسلحة الضرورية للدفاع عن مصالحهم.
* أستاذ خالد: لقد قدم الفكر المحافظ وما تسمى بالليبرالية الجديدة خياراً آخر، ركز على ديمقراطية للنخب، مع هجوم واسع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين في صورة بشعة من صور العدوان على الحق في الحياة.

– نعم، لأن جوهر الديمقراطية هو إتاحة حق المشاركة للمواطنين جميعاً في عملية صنع القرار، وتمكين الأطراف الأضعف من المساهمة الفعالة في الحياة السياسية، والرقابة على أداء السلطات التنفيذية، كما أن جوهر الديمقراطية هو تمكين المجتمع من أن يحقق عدالة في توزيع موارده وفي تعبئة كل قواه من أجل التقدم.. فكل مواثيق حقوق الإنسان تؤكد على أن الدولة لابد أن تكفل للمواطنين الحق في الغذاء والسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية، وهي التزامات اجتماعية لا يمكن لأي دولة مسئولة، مهما تكن طبيعتها الاجتماعية، أن تتخلى عنها بدون أن تقود المجتمع إلى كارثة، وقد اجتهدت البشرية كثيراً، وأظنها تتجه إلى إبداع نظام يجمع بين العدل والحرية، لأن العدل بدون حرية يجعل الإنسان أشبه ما يكون بأسير في قصر، أو حتى جنة، ولكن تحت الحراسة. أما الحرية بدون العدل فإنها تحول الضعفاء إلى أحرار في غابة يأكل فيها القوي الضعيف

* عودة إلى أزمة مارس.. هل كان اختيارك يختلف لو عادت بك الأيام إلى مارس 54؟

– التاريخ لا يعرف كلمة “لو”، لقد أردت فقط أن أوضح الظروف والملابسات الموضوعية التي أحاطت بالأزمة.. لاحظ أن تضحية السوفيت بالديمقراطية تمت في ظروف حصار ومن أجل تعبئة واسعة للقوى الذاتية للمجتمع ولو عبر إجراءات قسرية بهدف الدفاع عن المكاسب التي تحققت.. كما أن هجوم الفكر المحافظ الجديد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتم لتحقيق مصالح قوى الاحتكارات والرأسمالية في ابتلاع موارد العالم والمجتمع لصالح حفنة قليلة، مع تجريد الأغلبية من الأسلحة الحقيقية للدفاع عن مصالحها. والمهم في قراءة التاريخ أن نستخلص الدروس والخبرات، وأن نعيد قراءته لا على طريقة (ليس في الإمكان أبدع مما كان)، ولا على طريقة (تصفية الثأر)، بل لاستخلاص شيئاً للمستقبل.

* ربما ساعدت هذه النظرة الموضوعية في الإبقاء على جسور الارتباط مع كل إيجابيات يوليو.؟

– نعم، لكن أرجو أن تلاحظ أن أي نظام سياسي ليس كتلة صماء تتحرك مفرداتها كقطع الشطرنج بأمر من الزعيم، وعلى سبيل المثال فقد حدثت أزمة أخرى في علاقتي بعبد الناصر عندما رشحت نفسي للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي.. وقد ذهبت قبلها لشعراوي جمعة لأسأله: هل عندكم قائمة؟ أجاب: لا. سألته: مش عاوزين حد بالذات ينجح؟ أجاب شعراوي: لا. سألته مرة أخرى: هل تستبعدون عناصر معينة؟ أجاب شعراوي مرة أخرى بالنفي وأضاف: على فكرة فإن فرصتك في الانتخابات كبيرة. ثم سألني: هل ستدخل الانتخابات؟ فأجبت: في هذه الحالة أنا نازل.. نازل. وما حدث أن الصورة قد نقلت لجمال على أساس أن خالد تقدم للانتخابات متحدياً له بقوله: أنا نازل.. نازل. فأصدر جمال توجيهاته باستبعادي، والنتيجة أنني حصلت على 20 صوتاً فقط من قرابة 200 صوت، كما سقط معي في هذه الانتخابات عزيز صدقي وسيد مرعي.
بعدها عاتبني جمال على تحدي سلطته، فشرحت له حقيقة ما جرى.. وقال: ولكنك لم تستأذن قبل الترشيح، وفهمت منه أن تفاهماً قد جرى بين أعضاء مجلس قيادة الثورة بألا يرشح أحداً نفسه بدون إذن، ويبدو أن الأطراف الأخرى عندما لاحظت غضبه من ترشيحي أرادت أن تسايره في مشاعره ونقلت له الصورة مغلوطة.
* وهل كانت هذه هي آخر مظاهر التوتر في علاقتك بجمال؟

– العلاقة بين الأصدقاء والرفاق كثيراً ما تشهد توترات وشد وجذب، وقد حدث أيضاً أنني قد دعيت إلى حفل زفاف هدى جمال عبد الناصر، وذهبت إلى الحفل، وكان قد أقيم في خيمة واسعة بها شرفة عالية، ووجدت أنني لا أستطيع أن أجلس بجوار زملائي أعضاء مجلس قيادة الثورة ولا حتى من هم دونهم في الوضع البروتوكولي، ولما سألت عرفت أن السبب في ذلك أنني لا أحمل قلادة النيل.. وكان عبد الناصر قد منح أعضاء المجلس هذه القلادة، لأنه عندما قرر حل المجلس أراد أن يمنح أعضاءه وضعاً دستورياً.. والوضع البروتوكولي لحاملي القلادة يأتي بعد رئيس الجمهورية مباشرة.. ولم يمنحني جمال القلادة فجاء موقعي بعيداً عن زملائي، وحتى من هم دونهم بروتوكولياً من أبنائي.. فانسحبت من الحفل بهدوء، وبعد انسحابي عرفت أن صلاح سالم لم يذهب هو الآخر إلى حفل الزفاف لأنه مثلي كان قد خرج من المجلس ولم ينل القلادة.
بعد ذلك دعوني لحفل زفاف شقيق عبد الناصر على كريمة عبد الحكيم عامر، لكني لم أذهب وأرسلت برقية تهنئة وباقة ورد.

– بعدها عاتبني عبد الناصر وقال: لم تحضر الزفاف مع أنك كنت في القاهرة بصحة وعافية، فشرحت له، والغريب أن جمال رد عليّ بقوله: لو أعطيتك القلادة سوف يتهموني بالشيوعية، أجبته: أنت خايف من اتهامك بالشيوعية، مع أنني لست شيوعي، ومع أنك صادرت أراضي وأممت مصانع ووضعت ناس تحت الحراسة! وقد اتبعت هذا الموقف بعدها بالنسبة لكل الاحتفالات الرسمية في كل العهود اللاحقة، لأنه لا يوجد في البروتوكول منصب اسمه (عضو سابق بمجلس قيادة الثورة)، وبالتالي كان ترتيبي يأتي متأخراً جداً عن شخصيات محترمة ولكنها في سن أبنائي!.. وعموماً كان يمكن حل هذه المشكلة بدون منحي القلادة مع استصدار قرار بمعاملة خالد محيي الدين معاملة أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولكن هذا لم يحدث

* قد ترجع المشكلة إلى أنه كان من الصعب مكافئة متمرد.. أو مساواته بالذين اعتزلوا في صمت. على العموم هل انتهت بذلك حالات التوتر؟

– لا.. كانت هناك حالة أخيرة ربما كان السبب فيها السادات، فعندما أسسنا حركة السلام وبدأنا في الدعوة لمؤتمر عالمي للعدل والسلام في الشرق الأوسط، تأييداً لموقف مصر وثورتها وتوجهاتها ودورها، ناقشت جمال في الترتيبات وكان ذلك في أعقاب سقوطي في انتخابات اللجنة التنفيذية العليا، فطلب مني جمال أن أناقش هذه الترتيبات مع السادات.. ولما ذهبت بالسادات فوجئت به يهاجمني بقوله (العيال بتوعك بيلعبوا ضدي)، ولما استفسرت أجاب بأن فريد عبد الكريم يهاجمه، وذكر أسماء لأعضاء آخرين في لجنة السلام. انفعلت وقلت له أنهم أعضاء قياديين في الاتحاد الاشتراكي، وليسوا (بتوعي)، كما لم يكن لي (بتوع) أصلاً. ولم أكن أحب هذا الأسلوب ولا أظن أنهم كانوا يحبونه مثلي وسألت السادات عن مسئوليتي عما يقوله فريد عبد الكريم في الاتحاد الاشتراكي، وهل أنا وصي على أفكاره؟ وهل ربطته بي علاقة تبعية لأنه عضو في لجنة السلام؟
المهم أنني ذهبت إلى لطفي الخولي وكنت منفعلاً للغاية لأني ذهبت لجمال أناقشه في مؤتمر للعدل والسلام فحدثني عن إنني أتحداه، وأحالني للسادات الذي هاجمني بادعاء تسليط (بتوعي عليه). وفي انفعالي تحدثت عن جمال والسادات بألفاظ جارحة.. وما حدث أنه كانت هناك تسجيلات في منزل لطفي الخولي. وبالطبع تسبب هذا الانفعال في فتور علاقتي بجمال.

– وكنت قد استأذنته قبلها في قبول منحي جائزة لينين للسلام، ووافق جمال، وبعد الأزمة لم يحضر من المسئولين حفل تسليمي الجائزة في القاهرة سوى الوزير محمد نصير، كما حضر فريد عبد الكريم الذي لم يكن (بتاعي) أو (بتاع حد) بل كان شخصية محترمة يمارس خلافاته الطبيعية مع السادات. ولم ألتق بجمال بعدها إلا لإعداد الترتيبات النهائية لمؤتمر السلام، فاستأذنته أن يستقبل شاندرا (سكرتير حركة السلام العالمي) من الهند، وكان قادماً إلى مصر، بينما أنا مرتبط بزيارة لبلغاريا فاستأذنت جمال في استقباله ووافق، وقد أعددت نفسي لمصالحته بعد عودتي، لأني بعلاقة الحب والمودة التي جمعتني بجمال كنت حريصاً على أن يصفو الجو بيننا ولا يبقى في نفسه شيئاً عالقاً. وبعد عودتي من بلغاريا كان عبد الناصر مهموماً بمتابعة أزمة أيلول الأسود وترتيبات القمة العربية. ثم صدمت مثل كل المصريين بفقدان مصر واحداً من أكبر زعاماتها الذين جسدوا إرادة الشعب في الاستقلال. وكما رأيت فإن مصر لم تصدق، ولا أنا، أن ابنها البار قد رحل بجسده عن هذه الدنيا. بعد أن ترك فيها أثراً لا يمكن إنكاره رغم أي اختلاف.

( هذا الحوار نشره مدحت الزاهد في جريدة التجمع والتي كان رئيس تحريرها )

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.