كتبت – هاجر محمد موسى:
يبدو أنه اختلط علينا فهم ما عناه الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما دشن “عام الشباب”، حيث تخيلنا أنه العام الذي سيحيا فيه الشباب حياه كريمة، لكن سرعان ما أظهرت الوقائع والمؤشرات أنه عام الموت البطيء والسريع، سواء بالإهمال، أو عدم المبالاة، أو بالتغاضي عن حقوقهم، أو من الإهمال الذي يتوغل في القطاع الصحي والحكومي في كل شبر من أرض الوطن.
على سرير بالرعاية المركزة بدار المسنين بمدينة نصر، يرقد “أيمن سامي عبد العليم” والذي لم يكمل الـ30 عامًا، في غيبوبة تامة، وفقدان كامل للحركة منذ أكتر من سنه ونصف، إثر حادث مروري تعرض له الشاب المصري المغترب، أثناء عودته من عمله بإحدى جرائد الإمارات، والتي يعمل بها منذ 5 سنوات، في مثال لضحايا الإهمال المتكرر ولا مبالاة المسؤولين تجاه الشباب،
جروح بالغة بالرأس، ونزيف داخلي، وكدمات دموية، أدخلت الشاب الثلاثيني في غيبوبة تامة، لكن الأطباء أكدوا لأهله ضرورة سفره لاستكمال العلاج بأحد مراكز الإفاقة المتخصصة في ألمانيا، وحاجته إلى “كورسات” علاج طبيعي، ورعاية طبية، وتأهيل بدني مكثف في مستشفىً متخصص في ألمانيا، تفاديا لحدوث مضاعفات طبية خطيرة ويُصاب بـ”قرحة الفراش”، و”متتأخرش حالته الصحية أكتر من كدة” بحسب ما قال أحد أصدقائه في نبرة يسودها الألم.
ويضيف الصديق نفسه لـ”التحالف”: “حالة أيمن بتسوء يوم بعد يوم، لعدم وجود مستشفيات أو مراكز إفاقة تعالج حالته في مصر”.
أجرى أيمن 4 عمليات جراحية في رأسه خارج القاهرة، إلى أن استقرت حالته وتوقف النزيف الداخلي، لكنه دخل في غيبوبة عكسية، ليبدأ نزيف من نوع آخر، حيث يتكلف العلاج أكثر من 10 ملايين جنيه، بحسب ما ذكرت إحدى المستشفيات الألمانية التي راسلتها عائلته للوقوف على أسعار العلاج ومحاولة تدبيرها، ليضيف أحد أقاربه في مرارة “إحنا مصريين.. يعنى اللي داخل على أد اللي خارج..”.
ويعاني أيمن حاليا من جرح شديد بالرأس، ونزيف داخلي بطيني، وتجمع دموي خارج الجافية، وكدمات دموية جبهية على الجانب الأيسر، وتم إدخاله لوحدة العناية المركزة الجراحية لتركيب منزح خارج بطيني إلا أن الآثار الجانبية للعملية أدت لمضاعفات تستلزم خضوعه للعلاج الطبيعي المكثف لإعادة تأهيله عصبيًا.
وعلى سلم التجاهل، يقف علي السيد محمود، ضحيه الحكومة والواسطه، شاب سكندري عمره 24 عامًا، وحاصل على بكالوريوس في الزراعة، وسط مساعيه للحصول على درجة الماجستير في علوم الأغذية.
عمل علي بأحد المصانع حتى يتمكن من إنجاز مهمته التي تركزت في العلم فقط دون غيره، كان متفوقًا في دراسته ويحلم بمستقبل جيد لخدمة وطنه مصر، ولكن إرادة الله فوق الجميع، ففي 3 أغسطس الماضي، وفي نزهة مع أصدقائه بعد منتصف الليل بمنطقة الأزاريطة بطريق كورنيش الإسكندرية، دهسته سيارة ملاكي تسيير بسرعه جنونية.
ويصف أحد أصدقاء “علي” الحادث الأليم قائلا: السيارة كانت تسير بسرعه 150 كم/ساعة الساعة 2 ليلا، ودهسه السائق وهرب فورًا، ويضيف: أرقامها “س د و 5763”.
أصدقاء علي أطلقوا حملة عبر “فيس بوك” للوصول للجاني، الأمر الذي دفع الأخير لتسليم نفسه، ليخرج بعدها بكفالة 1000 جنيه.
أصدقاء علي كان لهم رأي آخر، وقالت “أ. س.” زميلته في العمل، إن صاحب السيارة يعمل بجهة سيادية، وله “ضهر”، فقدر يبعت سواق ويخرج منها، و”علي مالوش ضهر، فمات ومحدش حس بيه”، إلا أنه لم يتسن للتحالف الوقوف على صحة هذه الرواية.
وختاما لدينا “هدير مهران”، ضحيه فساد المسعفين والمنظومة الصحية في مصر، والتي فدت زوجها وابنها، فعاقبها النظام بالتجاهل.
يقول محمد مهران أخو الفقيدة، أختي الصغيرة 24 سنه، كانت مسافرة مع زوجها وابنها القاهرة وعملوا حادثه، بس زوجها بخير وابنها بخير لأنها فديته في حضنها وخدت هي الخبطة.
ويضيف في ألم: الدكتور قال إن حالتها متأخرة، والمخ توقف عن العمل وفقد أغلب وظائفه، موضحًا أنها تعيش على أجهزة التنفس الصناعي، وبانتظار توقف القلب لتنتقل إلى رحمه الله، وذلك بسبب عدم وصول الأوكسجين للمخ.
ويكشف محمد لـ”التحالف”، أن تقرير المستشفى أثبت أن الأسعاف نقلتها دون تركيب قصبه هوائية، مما أدى لعدم وصول الأوكسجين للمخ، الأمر الذي أدى لوصول حالتها لما هي عليه، وذلك في إشارة لفساد منظومة المسعفين في مصر.
ألم الحادث لم ينس محمد آلاف المصريين الذين يتعرضون لمواقف مشابهة يوميا، ليضيف في تصميم: مش هنسيب حق هدير عشان محدش تاني يتعرض للي شفناه، ربنا ما يكتبها علي حد، الوجع اللي عندنا كبير ومش هيخف، الإهمال والفساد بيموت ولادنا.
ويستطرد: أنا فوجئت بأن أغلب المسعغين خريحي كليات التجارة والآداب، وبياخدوا دورة لمدة شهرين، وهي غير كافيه لتعليمهم، بالإضافة لعدم توفر آليات الإسعاف اللازمة بالسيارات، ليختتم حديثه في مرارة: حد يقولي ده اسمه إيه؟! حسبي الله ونعم الوكيل.