الرئيسية » فن وثقافة » مقتل “سميرة موسى” و”راقية إبراهيم” بين المنهج العلمي والخرافة

مقتل “سميرة موسى” و”راقية إبراهيم” بين المنهج العلمي والخرافة

وكالات

“شهوة القتل.. نجمة الخراب.. وردة الدم وحصار الأنفاس والأيام.. عواء الريح وقشعريرة اللحظة الغادرة!.. يد الموت تشنق الفجر النقي وتعصف بأحلامنا”.. كلها مشاعر تثيرها قضية مقتل العالمة المصرية النابهة سميرة موسى منذ نحو 64 عاما لكن هل كانت الممثلة المصرية راقية إبراهيم متورطة بالفعل في هذا الحادث” ؟!!.
هذا ما يجيب عنه كتاب جديد للزميل معتز شكري هو”بستان المعارف” الذي يتقصى بدايات ما تردد فجأة في بعض الصحف ووسائل الإعلام حول تورط الممثلة المصرية اليهودية الشهيرة راقية إبراهيم واسمها الحقيقي راشيل إبراهام ليفي في حادث مقتل العالمة المصرية النابهة الدكتورة سميرة موسى وهو الحادث الذي وقع بالولايات المتحدة في أواسط العام 1952.
وبتتبع هذا الموضوع بدأب بحثي يتوصل معتز شكري إلى أن الأمر ليست له أية مصداقية ولا يقف على قدمين” مشيرا إلى أن كل الكتابات التي رددت تورط راقية إبراهيم في قتل الدكتورة سميرة موسى “تعود إلى أصل واحد ومصدر وحيد لهذه المعلومة المدعاة وهو المؤلف الإذاعي الدكتور محمود علي فهمي”.
ويضيف معتز شكري” إن هذه المقولة انفرد بها محمود علي فهمي “دون دليل علمي أو موضوعي واحد ثم تلقفها الجميع كعادتنا المستشرية في انتهاج واحدة من أخطر آفات المنهج غير العلمي والتفكير غير العلمي وهو ما يسمى غريزة القطيع”.
ووفقا لبحث معتز شكري فإن الدكتورة سميرة موسى قضت في الولايات المتحدة بينما كانت الممثلة راقية إبراهيم في مصر واستمرت فيها حتى العام 1956 عندما هاجرت وعاشت لفترة في نيويورك حيث امتلكت “بوتيكا لبيع التحف والمجوهرات”.
وكان ذلك كما يقول معتز شكري بعد أن عملت في قسم إعلامي تابع للوفد الإسرائيلي بالأمم المتحدة فيما يورد أيضا تأكيدات مصادر عدة بأنها كانت تعمل في الحقيقة بإدارة العلاقات العامة في الأمم المتحدة لإتقانها عدة لغات.
ويلفت إلى أن هذه الممثلة لم تكن ممن سارعوا بالهجرة من مصر بعد حرب 1948 ولا عرف عنها أي ميول صهيونية أو صلات تجعلها في دائرة الشك.
ويوضح معتز شكري ان ما قيل عن مكافأة راقية إبراهيم على قتل العالمة المصرية سميرة موسى “بتلميعها سينمائيا” أمر بالغ الغرابة لأنها لمعت بالفعل قبل سنوات طويلة من حادث مقتل سميرة موسى حيث أتيح لها بطولة مسرحية “سر المنتحرة” للكاتب الكبير توفيق الحكيم ثم صارت بالفعل من نجوم الصف الأول في السينما المصرية عندما شاركت الموسيقار محمد عبد الوهاب بطولة الفيلم الشهير “رصاصة في القلب” العام 1944 .
وجاء هذا الطرح للباحث والكاتب معتز شكري في “بستان المعارف” الصادر عن مكتبة الآداب بالقاهرة ليتضمن عدة بحوث ومقالات في اللغة والأدب والفكر والتاريخ فيما يقول المؤلف إنه سعى لمذاق خاص في هذا الكتاب يجذب به القارئ ويدفع عنه السأم والملل من خلال نوع من التجديد في الشكل والمضمون.
ولئن عرفت الثقافة الغربية هذا النوع من الكتب الأقرب لما يمكن تسميته مجموعة مقالات بحثية غير أنها ليست دراسات بالمعنى الأكاديمي الصارم، ولكنها في الوقت نفسه، ومع كونها موجهة للجمهور العام ملتزمة التزاما كاملا بالمنهج العلمي في البحث فها هو معتز شكري الذي درس الأدب الانجليزي يقدم للثقافة العربية كتابا من هذا النوع.
والزميل معتز شكري الذي عرفته وكالة أنباء الشرق الأوسط على مدى سنوات طويلة كواحد من انجب أبناءها في عالم الصحافة والكلمة له اهتمامات شديدة التشعب واسعة الطيف وهو ما يتجلى في تنوع كتاباته .
ولا يخفي معتز شكري وهو يثير هذا الموضوع مقصده في السعي لترسيخ الوعي “بطرق التفكير الصحيح القائم على مرتكزات منهج البحث العلمي والمنهج النقدي” بعيدا عن الجوانب السلبية لما يسميه”بروح القطيع والتفكير الخرافي والأوهام”.
فهو يرى أن أساس مشكلاتنا يرجع إلى أن حياتنا “غير منضبطة منهجيا وسيجد القارئ تطبيقا واضحا لذلك في تناول معتز شكري للأقاويل التي ثارت حول الممثلة راقية إبراهيم وألقت عليها بظلال قاتمة ليفندها ويدحضها.
ومنذ بداية كتابه يؤكد معتز شكري على عشقه لتراب فلسطين، ولكنه في الوقت نفسه يحث على ضرورة إعمال العقل، والتوثيق والاعتماد على تحري المنهج العلمي الموضوعي في كل كتاباتنا ودراساتنا وألا نخلط الشخصي بالموضوعي ولا الخرافي بالعلمي.
وقد يعيب الناقد على هذا الكتاب الجديد في مبحثه الخاص بالممثلة راقية إبراهيم أن مؤلفه لم يحاول بوضوح التفرقة بين اليهود والصهاينة حتى بدا أحيانا وكأن لا فارق بينهما مع أن الفارق كبير فنحن مثلا لا مشكلة لدينا مع اليهود أو اليهودية كدين خلافا لواقع الحال مع الصهاينة والصهيونية كأيديولوجية سياسية ذات مضمون احتلالي واغتصابي.
غير أن أي ناقد منصف لابد وان يشعر بالإعجاب بالتزام معتز شكري بالمنهج العلمي في هذا الكتاب الجديد وتفنيده لمقولات خاطئة مثل أن راقية إبراهيم هي أخت الممثلة نجمة إبراهيم التي كانت يهودية بدورها وهو وان كان ينفي دور راقية إبراهيم في اغتيال العالمة المصرية الكبيرة سميرة موسى لا يستبعد تعرضها بالفعل لحادث اغتيال ولكن من تدبير جهات لا علاقة لهذه الممثلة بها.
وواقع الحال إن هذا الطرح لمعتز شكري يثير قضية مسارعة البعض بإصدار الأحكام القاطعة إيجابا أو سلبا دون وقائع ومعلومات بل، ومحاولة “لتسييس المسألة حسب الموقف او الرغبة في الإثارة والرواج” غير أن ذلك كله لا يحول دون أهمية معرفة ملامح المشهد الاستخباري الإسرائيلي.
فقد لا يعرف البعض أن جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية “أمان” هو أكبر وأهم جهاز في مجتمع المخابرات الإسرائيلية ويصل عدد العاملين فيه لخمسة أضعاف عدد العاملين في جهاز المخابرات العامة “الموساد” وربما أكثر كما أن موازنته أكبر بالضرورة وهو يدير الآلية الأكثر أهمية لجمع المعلومات الاستخبارية على مستوى كل أجهزة المخابرات في إسرائيل ممثلة في “الوحدة 8200”.
ومن ثم فإن جهاز المخابرات العسكرية هو المسؤول أمام الحكومة عن التقديرات الاستخبارية وصياغة الأولويات المعلوماتية الحيوية لأجندة مجتمع المخابرات الإسرائيلية والتي تقضي بتفعيل كافة وحدات جمع المعلومات البشرية والإلكترونية..وهذا ما يقوله يوسى ميلمان الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الاستخبارية والأمنية في سياق دراسة عميقة حقا عن الموساد.
وفي كل الأحوال فنحن ما زلنا نعيش في عالم غير آمن بقدر ماهو غامض ومحير ويشكل معينا لبعض المبدعين مثل جون لوكاريه الذي شاد عالما روائيا مشوقا مستمدا من قصص التجسس إبان الحرب الباردة وتناول في بعض إبداعاته حروب المخابرات في الشرق الأوسط كما فعل في رواية “الطبالة الصغيرة” الصادرة عام 1983 غير أنه تحول في السنوات الأخيرة للتعليق على الأحداث السياسية مثل الحرب الأمريكية على العراق أكثر من اهتمامه بالإبداع الروائي، وبات يدلى بآراء مباشرة في عالم السياسة بدلا من الطرق الالتفافية التي يقتضيها الإبداع!.
وكلما تذكرنا العالمة المصرية الراحلة سميرة موسى تشتعل الأحزان وقد تكون قضيتها بحاجة لباحث يتمكن عبر منهج علمي دقيق من الوصول للحقيقة لأن هذه القضية لم يغلق ملفها أبدا في الوجدان المصري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.