الرئيسية » مقالات » 10 مشاهد تلخص أزمة الداخلية والصحافة

10 مشاهد تلخص أزمة الداخلية والصحافة

من عهد عبد الناصر مرورا بالسادات ومبارك والسيسى انتفض الصحفيون دفاعا عن حرية الصحافة واستقلال النقابة.

ريشة الصحفيين ضمانة للحرية وريشة القضاة والمحامين ضمانة للعدالة.

الانظمة السلطوية اعتبرت سلالم النقابة فضاء للتعبير او التنفيس.

انتفاضة 4 مايو ردت الاعتبار للصحافة والنقابة وما بعدها تفاصيل.

الاسئلة الكبرى للخروج من الازمة:

هل يمكن أن تستقر مصر بدون توجهات تنتصر للحرية والعدالة والكرامة؟

وهل يمكن كسب المعركة ضد الارهاب بدون سياسة تميز بين الاقلام والقنابل ؟

وهل يصلح للتقدم للامام أن يدير المجال الامنى المجال السياسى؟

ازمة نقابة الصحفيين أزمة كاشفة لمحيط يتجاوز عبد الخالق ثروت – شامبليون ونافذتها تصلح لاطلالة على الوطن من خلال رصد10 مشاهد تساعد فى التحليل والاستتاج :

1- ارتبطت الازمة باحداث 15 و25 ابريل الخاصة بسعودة جزيرتى تيران وصنافير بإعلان مباغت، تواكب مع زيارة الملك سلمان، سبقته ترتيبات شملت تفاهمات مصرية – اسرائيلية – سعودية – امريكية، وبدور مشهود للادارة المصرية فى اثبات سعودية الجزر! وقيام بعض الوزارات باخراج الجزر من خريطة مصر! حتى قبل العرض على البرلمان  .. صاحب هذا التحول الدراماتيكى  احتجاجات شعبية  طافت فى شوارع طلعت حرب وعبد الخالق ثروت وشامبليون وهى كلها فى محيط النقابة التى أعتلى سلمها رافضو سعودة الجزر بشعارهم المدوى (عيش حرية ، الجزر دى مصرية) واحاط بهم عن قرب وعن بعد قوات الامن التى القت القبض على مئات من الشباب، يوم الاحداث وقبلها من المنازل والمقاهى، وعلى اجنحة هذه القوات انتشر  انصار السعودة الذين رفعوا اعلام السعودية مع صور السيسى، ومنهم من قالت: (جلالته عاوز الجزر وماله ياخدهم وفوقهم الاهرامات وابو الهول)       هذه مقدمة لا يجوز تجاهلها او القفز عليها لانها سترتبط بتداعيات أخرى مهمة، لها صلة بالهامش المتاح لحرية التعبير فى المجال العام وقد اضيفت الى القضايا الساخنة قضية أخرى حساسة (سعودة الجزر المصرية) تزيد الاستقطاب السياسى والاحتقان.

2- يرتبط بالازمة ايضا مسألة سلالم نقابة الصحفيين، كمنبر للحركات الاحتجاجية، وقد كان هذا المنبر مقبولا من الانظمة السلطوية فى عهود مختلفة (وحتى قبل ظهور السلالم  ظهر حزب الحديقة كفضاء للمعارضة لم يغلق أبوابه دون أصوات احتجاج من خارجها) كمتنفس للتعبير ومظهر للديمقراطية او حتى مجالا للتنفيس، والازمة كشفت عن الضيق بهذا الهامش والدلالة الرمزية التى ينطوى عليها .. وهى اشارة أخرى على ما يمكن ان يصيب المجال العام من انحسار ، ومخاطر هيمنة المجال الامنى على المجال السياسى.

3-ايضا لا يمكن تناول الامر دون دراسة مفاجأة شباب الصحفيين، فهم الذين فرضوا ايقاع الجمعية العمومية، وقطعوا الطريق على ميول التهدئة لدى مجلس النقابة، فهم الذين هتفوا بالحاح “الرئاسة .. الرئاسة” عندما جرى الحديث عن اعتذار الوزير او الحكومة، وهم الذين صرخوا “مصرية .. مصرية” كلما تمت الاشارة الى الجزر فى سياق تتبع الاحداث. وكان الفرق واسعا بين الاجتماع التمهيدى لمجلس النقابة مع رؤساء التحرير والقيادات الصحفية والذى مال الى التهدئة وبين سخونة الجمعية او الاجتماع الحاشد، الذى ارتفع فيه سقف المطالب فى اشارة الى ميول ومزاج شباب الصحفيين، وقد يكون ترمومتر للحالة المزاجية للشباب عموما، وقد تم التعبير عنها هذه المرة بالمشاركة وليس المقاطعة.. وهذه قراءة أخرى لا يجوز تجاهلها لمن يريد أن يسمع ويفهم!

4- هذه الحالة ليست مقطوعة الصلة بالسياق العام ولكن الادارة الحكومية للازمة فاقمتها، فلم يكن اقتحام النقابة ضروريا وتحت ضغط حاجات ملحة كضرورة ضبط مجرمين او خلية تصنع عبوات ناسفة داخلها،  وفضلا عن تجاوز اعراف وتقاليد تارخية تم تجاوز  تدابير قانونية مهمة مرتبطة بالمادة 70 من قانون النقابة التى تقضى باشراف النيابة العامة وحضور النقيب او من يمثله . وبصرف النظر عن تهافت حجج ترزية القوانين عن أن الحالة كانت حالة “ضبط واحضار” وليس تفتيش، وكأن الضبط والاحضار يمكن أن يحدث دون تفتيش! فإن المعنى الاهم للقيد القانونى هو وضع قيود على دخول الامن للنقابة، كضمانة لئلا يتغول عليها الامن وكحصانة للمهنة، مثل تحصين العدالة من تغول الامن بإشتراط موافقات معينة لتفتيش منزل القاضى أو مكتب المحامى، والمسألة اذن لا تتعلق بالريش ويشمل هذا السياق ايضا تصاعد الازمة بمباركة رئيس الوزراء والنيابة العامة الى حد التهديد بعقوبة نقيب الصحفيين نفسه بذريعة ايواء عناصر هاربة من العدالة ثم فرض حصار على مبنى النقابة، بداعى ان النقابة ليست فوق القانون وليست دولة داخل الدولة وليس على رأس الصحفيين ريشة ، ودخول الصحفيين الى نقابتهم عبر حواجز محكمة، رافعين الكارنيهات، عبر طابور طويل، فى مشهد استهدف الاذلال والاهانة.

5-هذا التوجه فى عمومه ساعد على توحيد الكتلة الرئيسية للصحفيين للدفاع عن فضاء واسع يعد شرطا حاسما لمزوالة مهنة تتعلق بتداول المعلومات والاراء ونقابة تشغل موقعها فى صدارة نقابات الرأى ، كانت دوما معنية بالتفاعل مع القضايا العامة، ومنبرا للتعبير عن الميول والاختلافات، وما الح عليه الصحفيون من حصانات ارتبط بحصانة لكل من يملك القلم صحفيا او كاتبا او مواطنا امسك القلم تعبيرا عن مظلمة، فهى حصانة للحرية ولحق الشعب فى التعبير والمعرفة

والدفاع عن هذا الفضاء ليس دفاعا عن ملكوت مهنى، بل عن الحق فى الوجود والحق فى التنوع والحق فى المعرفة والحق فى التعبير لاطياف تنتمى الى مدارس مختلفة وتعبر عن ميول شتى ، وهى تتحد لحماية الفضا.وفى كل العهود وحد العدوان على هذا الفضاء الصحفيين من كل الاطياف، حدث فى عهد عبد الناصر بعد قرارات بنقل صحافيين معادين لنظامه الى اجهزة ادارية حكومية وحدث فى عهد السادات عندما حاول تحويل النقابة الى نادى اجتماعى، وحدث فى عهد مبارك عندما حاول تمرير القانون 93 (المعروف بقانون حماية الفساد) وتغليظ العقوبة على النشر فى هذه المنطقة الحساسة (وهى المنطقة التى نشأت فيها رأسمالية المحاسيب) ، ثم تكررت فى عهد السيسى بإقتحام مقر النقابة (وهو ليس مبنى، بل معنى وكرامة ورمز) وفى الوعى الصحفى العام كان الهجوم على هذا الفضاء قرين الرغبة فى التسلط والاقصاء والاستبداد.

6- من هنا يبدو الحديث عن تسيس النقابة للازمة وعدم معالجتها كازمة نقابية حديث فارغ من أى مضمون، فهى أزمة سياسية نقابية بإمتياز، وعلى الاغلب فإن الازمات فى نقابات الرأى ومهن المعلومات والاراء ترتدى طابعا سياسيا، فهى أزمة مرتبطة بالجزر، وبالحق فى تداول المعلومات والاراء (ونلاحظ على الهامش انه تم حجب مقالات ضد السعودة والغاء برنامج وتغييرات فى قمة اتحاد الاذاعة والتليفزيون لسماحه بالرأى الاخر فى مسألة الجزر) وهى ازمة مرتبطة بتغول الاجهزة الامنية على المجال العام، وبسؤ الادارة الحكومية، وبإنحياز جهات التحقيق، وبالدلالة الرمزية للسلالم، وبمكانة النقابة واعرافها وتاريخها.. وهنا يلزم التشديد على ضرورة التمييز بين تسيس الازمة، وتحزيب الازمة والواقع أن النقابة لم تحزب الازمة ،  فالكتلة الرئيسية اجتمعت على مشتركات تاريخية فى دور النقابة ودور الصحافة، ضد الاقتحام وضد حبس الصحفيين واصحاب الرأى، وضد تغليظ العقوبة فى قضايا النشر وضد حصار النقابة ومصادرة السلالم.. والنقابة لم ترفع ابدا غير اعلام مصر ولم تتزين بصور غير صور شيوخ وشهداء وسجناء المهنة، ولم تقبل ابدا ان يطوف انصار السعودة بعلم السعودية انتصارا لحقها فى الجزر المصرية.

7- وما يمكن الحديث عنه ليس تسيس الازمة، فهى ازمة سياسية بإمتياز، وانما الادارة السياسية للازمة،من قبل النقابة، وطبيعة المطالب والسقف، وهو بالفعل كان مرتفعا، بالبوصلة والفوران والغضبة الشبابية، التى فجرها كل ما سبق، فجرها الاقتحام وفجرها محاولات التضييق والاهانة والاذلال، وهى الغضبة التى لم يملك عضوا واحدا من المجلس، حتى ممن انضموا لجبهة تصحيح المسار، معارضتها، بل تشابكت ايديهم تأييدا وهتافا وتجاوبا مندمجين مع التيار الرئيسى، دون شذوذ.. وشأن كل سقف، فهو سقف تفاوضى، تكون الحلول الفعلية أدنى منه.

ولكن ما لا ينبغى أن يغيب عن الجماعة الصحفية أن انتفاضة 4 مايو كانت ردا عاصفا حاسما على جريمة اقتحام النقابة وما كشفت عنه من ميول وتوجهات، وأن الانتفاضة الصحفية ردت للنقابة والمهنة والمبنى الاعتبار، وما بعد ذلك تفاصيل.

8- وبصرف النظر عن السقف، وما قد يستمر التمسك به أو التراجع عنه، فقد حدث شرخ، والشرخ يمكن أن يتسع أو يضيق، حسب توجه أطراف الازمة، ومن ناحية النقابة فانها ومنذ البداية رفضت تصريحات وزير الخارجية الامريكى كيرى عن اوضاع الصحافة فى مصر وتدخل الحكومات الاجنبية فى الازمة، كما سجلت وهو موقف مشهود لها رفضها للارهاب ، وبعد الازمة تراجعت خطوة الى الخلف، سواء بتصريحات قلاش والمجلس بأن حلول الازمة لا تستلزم اعتذار الرئيس، وكذلك باصدار بيان ادان الهجوم الارهابى على الشرطة فى حلوان، وبتأجيل مؤتمر الثلاثاء القادم اسبوعا لافساح مجال للتهدئة، وبفتح قنوات اتصال مع البرلمان صاحب الولاية على الحكومة ، ومن ناحية الحكومة انتهجت اسلوبا مزدوجا فمن ناحية فتحت ابواب حوار عبر البرلمان، ومن ناحية أخرى شنت هجوما دعائيا واسعا، حظى بقبول قطاعات من الرأى العام، زينت فيه الصحفيين كدولة داخل الدولة ، تضع نفسها فوق القانون والحساب، وتتجاهل ضغوط الارهاب وتستخدم كذراع لمحاولات التفكيك، فيما استمرت محاولات شق الصفوف بجبهة تصحيح المسار والدعوة الى جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من المجلس، عن طريق صحفيين يشغلون مواقع قيادية فى الصحف ونجوم فضائيات من الموالين.

9- والتوجه الغالب لدى دوائر فى الحكم هو استكمال الهجوم المضاد متعدد الجبهات لشق الجماعة الصحفية، ومعلوم أن تفكك الجبهة التى بدت موحدة يوم 4 مايو  كان متوقعا وهو امر يساعد عليه قانون النقابة والنقابات المهنية عموما، الذى يسمح بتمثيل النقابة للعاملين واصحاب الاعمال (او من يمثلهم) فى كيان واحد معا وبالتالى يجمع العمل النقابى بين الوزير والخفير، وبين ممثلى الملاك والعاملين، ويمكن لوزير الصحة أن يكون نقيبا للاطباء ولوزير الرى ان يكون نقيبا للمهدسين ولرئيس مجلس الادارة ان يكون نقيبا او عضوا فى نقابة الصحفيين ومجلسها، والتشريعات لم تميز بين النقابة التى تدافع عن مصالح العاملين والاتحاد المهنى الذى يضم كل العاملين فى المهنة بغرض تطويرها .. ويتصل الفرز الجارى الان وعمليات الاستقطاب بين النخبة القيادية المتنفذة والتيار الرئيسى العريض.. ومن المهم هنا التمييز بين الطابع الدعائى لحملة تصحيح المسار وبين حدود قدرتها الفعلية، فوظيفتها التشويش، ولو انعقدت أى جمعية عمومية طارئة سوف تدعم توجهات جمعية 4 مايو وتجدد الثقة فى مجلس النقابة او من بقى وفيا منه لمطالب جموع الصحفيين.

10- وفى كل الاحوال فإن جمعية 4 مايو بما بثته من رسائل احرزت نتائج لا يمكن لاى تطور اخر محوها وهى فى جوهرها رسالة رفض للاستعلاء الامنى والسياسى والتقييد على الحريات ورسالة رد على اقتحام النقابة كانت لها تداعيات واسعة وجرس انذار بميلاد جيل غاضب من الصحفيين، اما اعتذار الرئيس (الذى تراجع عنه مجلس النقابة) اسوة باعتذاره للمحامين بعد ضرب بعضهم بالاحزمة والاحذية  او  اقالة الوزير، فهى أمور تصب فى صالح النظام السياسى إن حدثت ، لكن المؤكد ان الحكومة بدورها، وبصرف النظر عما تحرزه من مكاسب جزئية هنا وهناك، ان لم تأخذ خطوة للخلف بعد هجومها المضاد، قد تجد نفسها تخسر بالنقاط فى جبهة تلو أخرى، من المحامين الى الاطباء الى الصحفيين ومن اسوان الى الاسماعلية الى عين شمس والدرب الاحمر، ، فأى حكم رشيد لا يستقر بإستخدام ادوات العنف فقط، بل ما يمكن أن يرتكز عليه من الشعور بالرضا العام والقدرة على تجديد شرعيته، او على الاقل الحفاظ عليها، حتى لا تتعرض للتأكل

وبعد أن تسكت المدافع تظل هذه هى نفسها الاسئلة التى تطارد اجهزة الحكم ومؤسساته، ومن ابرز هذه الاسئلة: هل يمكن أن تستقر مصر بدون توجهات تنتصر للحرية والعدالة والكرامة؟ وهل يمكن كسب المعركة ضد الارهاب بدون سياسة تميز بين أصحاب الاقلام وحملة القنابل ؟ وهل يصلح للتقدم للامام أن يدير المجال الامنى المجال السياسى، أم أن هيمنة المجال الامنى تفضى الى تدهور السياسة والامن معا؟ وهى اسئلة تتعلق بمستقبل النظام السياسى بأكثر ما تتعلق بمستقبل النقابة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.