الرئيسية » تقارير وتحقيقات » 68 عاما على النكبة الفلسطينية.. وحنظلة مازال يقاوم

68 عاما على النكبة الفلسطينية.. وحنظلة مازال يقاوم

وكالات

في الذكرى الـ68 للنكبة الفلسطينية التي راح ضحيتها وطن بأكمله؛ لا حاجة لتحويل هذه الذكرى الأليمة لحائط مبكى فلسطيني أو عربي أو اجترار المزيد من الأحزان والدموع، فيما قد يكون من الدال والإيجابي حقا ملاحظة أن حنظلة مازال يقاوم، كما أن ثمة حاجة لتأمل جذور الثقافة التي أنتجت هذه النكبة.

ككائن معذب وغاضب ومقاوم، جاء حنظلة الغاضب (المقاوم الفلسطيني العربي الأشهر في تاريخ الكاريكاتير كما ابتدعه الفنان الراحل ناجي العلي الذي أبكى عشاق فنه بشخصيته الطفولية الخالدة)، بيديه المعقودتين خلف ظهره في تناوله للمذابح التي تعرض لها الفلسطينيون والعرب، ليدين مع شخصيته الكاريكاتورية الأخرى فاطمة وبلسان الشارع العربي ثقافة النكبة.

وفيما أكدت مصر في مجلس الأمن الدولي، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري أن  ظهور صراعات جديدة في المنطقة لن ينسينا القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العيش في وطن آمن، فإن شكري نفسه لفت إلى حقيقة دالة، هي أنه  منذ اندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي منذ ما يقرب من 70 عاما بدأ الفكر المتطرف في الانتشار بين الدول العربية.

وواقع الحال أن الفكر السياسي العربي مدعو في الذكرى 68 لمزيد من الإنتاج الثقافي حول الحقيقة التي تحدث عنها وزير خارجية مصر بشأن العلاقة بين النكبة الفلسطينية وانتشار التطرف، وتأكيده في الجلسة الوزارية الأخيرة لمجلس الأمن الدولي على أن عودة الاستقرار للمنطقة العربية لن تتحقق إلا بإقامة دولة حقيقية للفلسطينيين وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.

كما أن الفكر السياسي العربي مدعو لمزيد من فهم المعنى العميق الذي تقوم عليه إسرائيل تاريخيا وثقافيا وعقائديا. فهي وإن كانت لا تزال دولة مغتصبة وعدوانية تحظى بدعم الغرب، فإنه من الصحيح أيضا القول إن هذا الوصف بحاجة لمزيد من الإضاءة الداخلية وكشف الجديد من العلاقات الدالة مع المتغيرات المتلاحقة إقليميا ودوليا واتجاهات التغير عالميا.

ولئن حق التساؤل عن  موقع حنظلة في اهتمامات عواصم القرار الدولي والقوى العظمى ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب، فقد تكون الإجابة في ثنايا طرح نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”  الأمريكية أمس للسناتور تيد كروز حول ما أعلنته طهران عن تطوير صواريخ باليستية جديدة واهتمامه المفرط بأمن إسرائيل، دون أن يتطرق ولو بكلمة عن أمن بقية دول المنطقة، ناهيك عن  آلام حنظلة في الذكرى الـ68 لنكبته.

فاللافت أن يكتب تيد كروز في “نيويورك تايمز” طرحا حول الصواريخ الباليستية الإيرانية الجديدة التي قيل إن مداها يصل إلى 2000 كيلومتر، أي أنها قادرة على الوصول لأي هدف في منطقة الشرق الأوسط، غير أن هذا السناتور الجمهوري لا يعنيه في ذلك كله سوى إسرائيل.

فإسرائيل – كما يقول تيد كروز – هي الحليف الذي لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بتهديدها من جانب ما يصفه بـ”صواريخ الملالي”، فيما قد تنتهي القراءة الفاحصة لهذا الطرح إلى أن هذا السياسي اليميني الأمريكي لا يكاد يفرق بين أمريكا وإسرائيل أو يرى أي هامش من اختلافات بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية!

وهكذا؛ فإن تيد كروز يرى أن على الولايات المتحدة التحرك فورا لتعزيز القدرات الدفاعية للحليف الإسرائيلي، ويؤكد أنه سيتحرك هذا الأسبوع وخلال الفترة المقبلة مع رفاقه في الكونجرس لتصحيح ما يصفه بخطأ الرئيس باراك اوباما عندما أحجم عن تقديم التمويل الكافي لبرامج الصواريخ الإسرائيلية.

وبكل الإعجاب يتحدث تيد كروز عن نظام  القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ، فيما يدعو إلى مزيد من التمويل الأمريكي السخي من أموال دافعي الضرائب لمزيد من منظومات وبرامج التسلح للحليف الإسرائيلي، بعد بروز خطر جديد على أمن إسرائيل يتمثل فيما أعلنته طهران مؤخرا بشأن صواريخها الباليستية الجديدة.

وقد يكون من العبث التساؤل في مشهد كهذا، عما إذا كان تيد كروز وكثير غيره من الساسة الأمريكيين والمتنفذين في واشنطن يشعرون بآلام  حنظلة المكبل المقيد والمحروم من دولته الوطنية الفلسطينية المستقلة، فيما تمر 68 سنة على نكبته وهو مازال محروما من حق العودة للوطن السليب والأرض المغتصبة والدار التي طرد منها.

ولئن كان المفكر الأمريكي التقدمي وعالم اللغويات نعوم تشومسكي لا يستبعد تحقيق سلام عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفق حل الدولتين حسب مقابلة صحفية نشرتها مؤخرا جريدة الأهرام ، فإنه يشترط إصرار الولايات المتحدة على هذا الحل وسحب دعمها للإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة.

وإذا كان تشومسكي اليهودي بحكم الديانة هو أحد أهم المفكرين المعاصرين على مستوى العالم الذين تصدوا لفضح أباطيل الفكر الصهيوني العدواني، فقد رأى المحلل النفسي الأشهر سيجموند فرويد وهو منحدر من عائلة يهودية في النمسا، أن المكون الأساسي للشخصية اليهودية يتمثل في اعتقاد اليهود على نحو كامل ومطلق بأنهم  شعب الله المختار .

وهذا الاعتقاد ناقشه فرويد بصورة مفصلة في كتابه  موسى والتوحيد، معتبرا أنه  يشكل ظاهرة فريدة في تاريخ الأديان ، جعل الإسرائيليين حتى اليوم يؤمنون على نحو مطلق بأن الحقيقة ملك لهم وحدهم ولا حق خارج ما يرون وما يفعلون حتى لو كان عدوانا غاشما على أقدس مقدسات الآخرين.

ولعل تلك الرؤية لفرويد تفسر على نحو ما ما يحدث من حين لآخر من تحرشات إسرائيلية بالمسجد الأقصى وهي تحرشات تصل أحيانا لحد العدوان الاستفزازي على حرمة المسجد، فيما تضرب جذور هذا الفكر الصهيوني المتطرف في ثقافة تؤمن بأن هجومهم على أعدائهم هو  هجوم إلهي من دولة تجسد إرادة السماء على الأرض ، وهو ما يفسر أيضا الكثير من الجرائم الدموية والوحشية الإسرائيلية منذ النكبة الأولى في فلسطين.

ولعل خطورة هذا النوع من الثقافة تتجسد في أنه لا يجعل مسألة الاعتقاد بهذا الاختيار الإلهي مجرد إيمان خالص ينحصر بين الإنسان وخالقه وهو ما يمكن تفهمه وقبوله في سياق حق الإنسان في الإيمان الحر، وإنما الأمر يتعدى ذلك كله ويتخطاه إلى العمل والممارسة، فتبنى عليه دولة ويؤسس باسمه جيش ونظام وتبنى علاقات غير طبيعية بين الثقافات.

وكما قيل بحق، فإن بعض القضايا تبدو على السطح وكأنها قضايا سياسية فقط ولكن التعمق فيها يكشف عن أنها فى الحقيقة قضايا ثقافية ترتبط بجوهر النظرة للعالم والوجود.. فثقافة الاستعلاء الدموي والإبادة والاقتلاع حاضرة بقوة ودموية فى فلسطين، كما هي حاضرة في الغضب المقاوم والثقافة المناوئة للمظلومية التاريخية.

واللافت أن مذابح النكبة لم تدفع رغم كل دمويتها الثقافة الغربية لإصدار كتاب على مستوى هذا الحدث الجلل والذي يشكل عدوانا لا ريب فيه على الجوهر الإنسانى للإنسان أينما كان، فيما قد يكشف ذلك الموقف المغاير لمواقف غربية حيال قضايا أخرى لا تخص الفلسطينيين أو العرب ككل عن معنى  الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير .

ومن الملاحظات الدالة أيضا أن المجتمع الدولي كما تمثله الأمم المتحدة لم يشكل أية لجنة دولية للتحقيق في مذبحة صبرا وشاتيلا التي وقعت في بيروت عام 1982 وأحجمت القوى الغربية المهيمنة على المنظمة الدولية عن أية دعوة لتشكيل مثل هذه اللجنة.

فثقافة الاستعلاء الدموي التي أبادت الهنود الحمر وأسقطت ملايين الضحايا للحروب الاستعمارية في آسيا وافريقيا وأشعلت حربين عالميتين في القرن الماضى، هي ذاتها الثقافة التي تؤازر من منطلقات أيديولوجية ونفسية وعوامل مصلحية الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية الفلسطينية وتهويدها.

وفى ظل أفكار كهذه قد يكون من قبيل التفاؤل المفرط الحديث عن احترام التعددية الثقافية والجوهر الإنسانى أينما كان، بقدر ما تثير تساؤلات مريرة حول تجاهل النموذج الثقافي الأحادي المهيمن على توجهات وسائل إعلام وصحف غربية تتشدق باحترام حقوق الإنسان لحقائق وتفاصيل النكبة الفلسطينية أو عدم نشرها بالصورة التي تتناسب مع فداحة ما حدث.

وهذه الثقافة هي وجه آخر لثقافة الإبادة المستمدة من  فكرة إسرائيل التاريخية  التي قامت عليها أمريكا ذاتها، وهي فكرة  احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ ، ليصبح صاحب الأرض غريبا في أرضه بملامح نفسية شرحها المثقف الفلسطيني رجاء شحادة في كتاب بالإنجليزية منذ أكثر من عقد كامل عنوانه:  غرباء في البيت .

وفي كتاب صدر بالإنجليزية بعنوان: يوميات الاحتلال ، طرح المؤلف الفلسطينى رجاء شحادة رؤيته الغاضبة لحال وطنه في ظل الاحتلال الإسرائيلي حيث المستعمرات اليهودية تتخلل ثنايا المشهد في الضفة الغربية والطرق الالتفافية تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم.

وقدم رجاء في هذا الكتاب الذي يغطى بيومياته الفترة من عام 2009 وحتى عام 2011، رؤية تجمع ما بين الغضب والجمال ليحق وصف هذا الكاتب بأنه  رجل غاضب ومع ذلك فهو تأملي النزعة يكتب ببساطة وجمال رائعين .

إنه كائن معذب وغاضب ومقاوم على طريقته تماما مثل  حنظلة، وإذا كان المحامي والناشط الحقوقي الفلسطيني رجاء شحادة غاضبا في كتابه الصادر فى لندن حيال إحجام حلفاء إسرائيل ومانحيها عن التحرك لمنع التمييز ضد الفلسطينيين، فقد تناول فى كتاب سابق صدر بالإنجليزية أيضا بعنوان : مشاوير فلسطينية  وحصل به على جائزة  اورويل  البريطانية لأفضل كتاب سياسى فى عام 2008، دور الغرب بقيادة الولايات المتحدة في مساعدة إسرائيل على تحدي قرارات الأمم المتحدة.

وفي كتابه الغاضب بنبضات جمال، تطرق رجاء شحادة لما عرف بـ الربيع العربي  ليحلم بمنطقة واحدة يسودها السلام والكرامة والأمل، غير أن هذه الأحلام مازالت بعيدة عن الواقع بل أنها قد تتحول لكابوس على غرار ما يحدث في  المشهد السورى ودماء السوريين التى تسفك يوميا، فيما تحول جزء كبير من هذا الشعب العربي العزيز لنازحين ولاجئين.
والفكر الصهيوني اليميني العدواني يشجع دوما أية ممارسات تقسيمية للخارطة العربية بدولها الوطنية ويستفيد من مظاهر انهيار الدولة الوطنية أو تآكل سيادتها وهو ما يتجلى في حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية على القول إن  سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل .

ووسط تلك المأساة؛ ليس للمراقب أو حتى رجل الشارع العربي أن يشعر بدهشة حيال مشهد اجتماع حكومة بنيامين نتنياهو مؤخرا في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لإعلان أن إسرائيل لن تتنازل أبدا عن الجولان، و أن الوقت قد حان لاعتراف الأسرة الدولية بالسيادة الاسرائيلية على الجولان إلى الأبد .

وحتى تتحقق رؤية مثقف فلسطيني مثل رجاء شحادة في أن كل ما يقيمه الاحتلال إلى زوال يوما ما، كما زال كل احتلال من قبل في التاريخ، سيبقى الغضب وجرح الكبرياء وجمرات القضية ووجع المظلومية التاريخية وذاكرة النكبة ومقاومة الاغتصاب.
68 عاما على النكبة ومازالت ثقافة الاغتصاب والاستعلاء الدموي مستمرة، و حنظلة  مازال يقاوم ولم ولن يستسلم، وفي الذكرى الثامنة والستين للحدث الجلل في تاريخنا العربي المعاصر لم ننس المجازر والأمهات الذبيحات يحتضن أطفالهن الغارقين في الدم، ولن نغفر ولن نصفح حتى تعود الحقوق السليبة لأصحابها فى فلسطين.. حتى ينعم الفلسطيني المعذب والمقاوم  حنظلة  بوطن مستقل مثل بقية البشر في هذا العالم.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.