الرئيسية » أخبار » #الرئيس_في_الميزان.. الرئيس والتعليم

#الرئيس_في_الميزان.. الرئيس والتعليم

لعل المتابع لتطور اوضاع التعليم في مصر يلاحظ حالة التردي  البشع  التي تعرض لها التعليم المصري عبر  السنوات الثلاثين الماضية  حتي وصل الأمر الي ادراج  مصر  في الترتيب  قبل الأخير في تقرير التنافسية الدولية  الصادر عن  المنتدي الإقتصادي العالمي في “ديفوس”.

لعل حصر مشكلات التعليم المصري في الجانب الفني وحصرها في مشكلة البنية التحتية او الميزانيات  – لعل ذلك – تلخيصا مخلا  يجرد التعليم المصري  من جذر مشكلته وهو السياسات العامة والسياسات التعليمية التي هي  توأم ملتصق لايمكن فصله، فمشكلة التعليم المصري تتركز في بنيته السلطوية وحرص النظم السياسية علي عدم ” مقرطة ” النظام التعليمي وربطة بالاهداف الأيديولوجية لها من خلال طريقة ادارة المؤسسات التعليمية  وبنية المقررات الدراسية والمناهج . فمنذ السبعينات وبعد اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع اسرائيل تم اخضاع  المقررات الدراسية  لمراجعة شاملة جردتها من كل افكار العداء لإسرائيل والولايات المتحدة والإمبريالية  عامة وغرس افكار تكرس افكار التمييز الطبقي والجنسي والسياسي. وتم التركيز بشكل اساسى علي مناهج ومقررات اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ والجغرافيا  ثم أتت الهجمة الثانية بعد احداث 9 سبتمبر 2001 علي مكونات التعليم المصري بحجة تنقية المقررات من الافكار الجهادية والتكفيرية  ثم كانت الموجة الثالثة بعد 30 يونيه 2013 حيث تم الاطاحة بأي ذكر للثورات واسبابها الاقتصادية والاجتماعية .

كذلك ركزت النظم السياسية في مصر منذ عهد السادات علي نغمة واحدة وهي ان السبب الرئيسي لانهيار المنظومة التعليمية يكمن في مجانية التعليم  مشيرين الي وجوب انسحاب الدولة من العملية التعليمية نحو خصخصة كاملة للنظام التعليمي المصري الذي هو نفسه نظام مهترىء وموزع بين نظم تعليمية متنوعه منها الحكومي والتجريبي والقومي والأزهري الديني  والخاص والدولي حيث تغيب رؤية شاملة تحدد لهذا النظام رؤية او هدف وحيث تتداخل الجهات  المشرفة  عليه ابتداء من وزارة التربية والتعليم لادارة الجودة احد الجهات الممولة من  البنك الدولي الي اكاديمية المعلم  ومراكز قومية للمناهج والامتحانات حيث تتداخل اعمال هذه الجهات وتتناقض  وتغيب عنها الرسالة او الهدف.

الحقيقة المادية الملموسة التى يعرفها جميع المصريين هو شكلية مجانية التعليم حيث ينفق المصريين حوالى 20 مليار جنية سنويا على الدروس الخصوصية والكتب الخارجية بدأ من رياض الأطفال وحتى الجامعة.  ثم ما هى أهمية الشهادات الدراسية الصادرة من الحكومة المصرية التى تريد أن تبيعها كسلعة لمن يريد الدفع والتى لا تعبر الا عن القدرة على الغش والحفظ للإجابات النموذجية على الأسئلة المتوقعة، غير إتاحة فرص العمل فى الحكومة والقطاع العام التى توقف التعيين فيهم عمليا، والقيد فى بعض النقابات المهنية، ورخص ممارسة بعض المهن الحرة، و هى فرص لا تتيح سوى فرص عمل محدودة فضلا عن التكلفة الباهظة المالية والنفسية والعقلية على الطلاب وأسرهم وافسادهم وتجهيلهم وتشويههم نفسيا. أين هى مجانية التعليم التى تمن بها الدولة على المواطنين، وترى إنها سبب لإفساد التعليم  فى حين يدفع أولياء الأمور المصريون حوالى 20 مليار جنية سنويا على الدروس الخصوصية فقط  غير المصاريف الدراسية وفى نفس الوقت لا يتلقى أولادهم تعليما جيدا، كما أن المدرسين أنفسهم يطحنون فى تلك العملية بعد اليوم الدراسى الرسمى الذى يحصلون مقابله على مرتبات متدنية، وبرغم ذلك تنتشر الأمية بكافة أشكالها فى أوساط الأطفال والصبية كما تنتشر بين الكبار، سواء المنتظمين فى المدارس، أو الذين تسربوا من التعليم، أو من لم يدخلوا المدارس أصلا.

ويرصد تقرير للمعهد البريطاني في مصر ووفقًاً دراسة أعدها مركز المعلومات في مجلس الوزراء المصري، يتلقى %10 من الطلاب دروسا خصوصية، كما أن ١١% من طلبة المرحلة الابتدائية يحصلون على دروس خصوصية في جميع المواد الدارسية ، وتستحوذ الدروس الخصوصية على ٥١ مليار جنيه من دخل الأسر. كما كشف الاستطلاع أن 66 % من الأسر المصرية تنفق ما يزيد عن ١١١ جنيه شهري على الدروس الخصوصية، والسبب من وجهة نظر أولياء الأمور هو أن الشرح الذي يقدمه المدرس بالفصل غير كاف ،بالإضافة إلى عدم قدرة الطفل على الاستيعاب في ظل العدد الكبير داخل الفصل، وهو ما يفسر الأموال الطائلة التي تنفق على الدروس الخصوصية، وهناك من ينفق على الدروس ليس لضمان فهم أبنائهم وانما لمجرد ضمان نجاحهم في الامتحان.

 

والحقيقة ان النظام السياسي في مصر يُهدر نص دستوري هام نص عليه دستور 2014 وهو المادة 19

” التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية.والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.”

عندما زار الرئيس بعض دول جنوب شرق آسيا كان التعليم هو التوجه الأول للنهضة في هذه الدول في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس السيسي ” يعمل أيه التعليم في بلد ضايع”

وإذا تأملنا أوضاع التعليم قبل الجامعي وكيف تدهورت خلال الأربع سنوات الأخيرة نجد التالي:

–           تطور الإنفاق الحكومي علي التعليم في عدد من الدول الإفريقية نجده ارتفع في الكاميرون من 11.7% عام 2000 إلي 15.6% عام 2012 . وفي جامبيا من 11.9% إلي 13.8% .وفي أثيوبيا من 14.1% إلي 24.4% عام 2010. لكن في مصر انخفض من 12.5% عام 2005 إلي 10.6% عام 2011 ثم وصل إلي 8.8 % من الإنفاق الحكومي في موازنة 2017/2018.

–           الإنفاق الحكومي علي التعليم في مصر في العام الحالي أقل مما كان عليه عام 2005 رغم الزيادة النقدية الظاهرة. كما انه أقل من الكاميرون 15.6% وغامبيا 13.8% وجنوب أفريقيا 20.6% والنيجر 18.2% ورواندا 17.7% وتونس 17.3% .

–           ارتفعت كثافة الفصول في المدراس الابتدائي الحكومية من 45.8 تلميذ/ فصل عام 2014/2015 إلي 48.3 تلميذ/ فصل عام 2016/2017، كما ارتفعت كثافة الفصول في الاعدادي من 43.1 تلميذ/ فصل إلي 44.4 تلميذ/ فصل وفي التعليم الثانوي العام الحكومي من 40.9 تلميذ/ فصل إلي 41.6 تلميذ/ فصل. بما يجعل التحصيل الدراسي في غاية الصعوبة ويزيد الاعتماد علي الدروس الخصوصية والكتب الخارجية والمراكز التعليمية.علماً بأن المعلن في الكتاب الاحصائي للوزارة متوسطات عامة بينما تصل الكثافة في بعض المدارس الي 100 و 150 تلميذ لكل فصل.

–           ارتفع عدد المعلمين والمعلمات من 905.4 ألف عام 2014/2015 إلي 918.2 ألف عام 2016/2017 ، التعليم الخاص من 71.6 الف معلم الي 74.6 الف معلم إضافة الي 168.3 الف معلم بالمعاهد الأزهرية.

–           عندما اصدرت حكومة نظيف القانون ( 155 لعام 2007 ) المعروف بالكادر الخاص للمعلمين قيل وقتها ان الهدف من القانون هو رفع الحالة المادية  والمعنوية للمعلمين بهدف اصلاح العملية التعليمية ، وقد شابت القانون عند تطبيقه مجموعة  من الاخطاء التي اساءات للمعلمين بعقد اختبارات لاجتياز الدرجات السابقة وتسكين المعلمين علي المسميات الوظيفية الجديدة ثم كان الحصاد في نهاية الامر هزيلا تمثل في زيادة 50% من الأجر الأساسي عُرفت “ببدل الاعتماد”.

–           عند صدر قانون الخدمة المدنية 18 لسنة 2015 فسرت الوزارة بأنه يقتصر علي العاملين بجهاز الدولة غير المشمولين بالكوادر والنظم الخاصة ولذلك عندما صدرقرار علاوة 10% غلاء معيشه عام 2015 استثني المعلمين منها رغم تجميد رواتبهم عند اساسي عام 2014 واحتاج الامر للانتظار مدة طويلة ليصدر قرار رئيس الجمهورية 99 لعام 2015 ليضم المعلمين للعلاوة وان بقي المعلمين يصرفون رواتبهم ومكافأة الامتحانات علي اساسي 2014 بينما تستقطع منهم الضرائب علي اساسي 2018 في وضع شاذ وهزلي يخرج عن كل عقل وفكر.

–           فضلا عن الكيان النقابي الهزيل واجهت حركات المعلمين ونقاباتهم المستقله برفض من قبل الحكومة ووزارة التعليم ورفض التواصل مع هذه الكيانات او الاعتراف بها مهدرة قرار د. احمد البرعي وزير القوي العاملة عام 2011 بالاعتراف بهذه النقابات المستقلة. فضلا عن تجميد حكم المحكمة برفع الحراسة عن نقاب المعلمين ورفض اجراء انتخابات جيدة وبقاء المعلمين بلا نقابات تدافع عن مصالحهم.

–           أرتفع الانفاق النقدي علي التعليم في الموازنة من 86 مليار جنيه 2013/2014 إلي 106 مليار جنيه 2017/2018. رغم تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار. ورغم ذلك انخفض الانفاق علي التعليم الي إجمالي الانفاق الحكومي من 12% عند بدء ولاية السيسي الي 8% في الموازنة الأخيرة.

–           رغم نص الدستور ان يصل الانفاق علي التعليم الي 4% للتعليم قبل الجامعي و 2% للتعليم الجامعي من الدخل القومي إلا ان الواقع يخالف ذلك . بل علي العكس انخفض إجمالي الانفاق علي التعليم قبل الجامعي والجامعي من 4% من الناتج المحلي 2014 الي 2.6% في 2017.

–           يوجد توسع في التعليم الخاص من 6899 مدرسة يتعلم بها 1.8 مليون عام 2014 إلي 7385 مدرسة خاصة يتعلم بها 2.1 مليون تلميذ. وتعددت انظمة التعليم الخاص البريطاني والامريكي والالماني اضافة الي مدارس النيل الدولية والمدارس اليابانية والتي توقف العمل بها بعد اعتراض الجانب الياباني. تتراوح مصاريف التعليم الخاص للتلميذ بين 103 ألف جنيه في السنة في المدارس الكندية و 170 ألف جنيه في المدراس الأمريكية الدولية وتصل الي 400 ألف جنيه في السنة للتلميذ في كايرو أمريكان كولج.

–           دخلت القوات المسلحة في سوق التعليم الخاص من خلال مدارس بدر الدولية والتي تبدأ الدراسة بها في KG1  بقيمة 20.9 ألف جنيه في السنة وتصل الي 31.9 ألف جنيه للتلميذ في الصف الثالث الاعدادي.

–           يتم الان تغيير نظام الثانوية العامة لتصبح مرحلة منتهية والغاء مكاتب التنيسق للالتحاق بالجامعات.

لقد تراجعت جودة التعليم وتخلفت المناهج الدراسية وطريق التدريس وتردي وضع المعلمين في مصر وازدادت الأزمة خلال حكم الرئيس السيسي . ولم تطرح رؤية بديلة بل اصبحت مصر اخر الدول العربية من حيث مؤشرات جودة التعليم .لذلك نري ان ما اتضح علي مدي السنوات الماضية في مجال التعليم يجعلنا مطالبين بموقف واضح. هل نحن مع استمرار تنفيذ هذه السياسات وتردي اوضاع التعليم في مصر.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.