خدعوك فقالوا كن محايدا. فالحياد كلمة يضحكون بها على دارسى التاريخ والصحافة وحتى القانون ليجردونهم من انحيازاتهم الفكرية والعاطفية ,فالتاريخ مثلا تختفى من صفحاته معنى الحياد سواء كان تاريخ قديم أو حديث لأن التاريخ يكتبه المنتصر,فالكتاب والشعراء فى بلاط الحاكم المنتصر يملاوؤن الالاف من صفحات الكتب بالروايات الخيالية حول عظمة الحاكم المنتصر وتنظم مئات القصائد فى شجاعته واقدامه ويبقى التاريخ وجهة نظر لكاتبه فالمؤرخين الموالين للحاكم يقدسونه والمعارضين له يحقرونه وحتى كتب التاريخ الاسلامى تفيض بالخرافات والاساطير وكذلك بعض كتب التفاسير فمن أين مثلا علم المؤرخون أعمار الانبياء أو أن الشجرة التى أكل منها سيدنا أدم هى شجرة تفاح وليست شجرة خوخا أو كريزا على سبيل المثال وما الدليل على أن حواء هى التى أخرجت أدم من الجنة وأوعزت له بالأكل من الشجرة فهذه روايات توارثناها من كتب قديمة دون تنقيح ولعل بالضرورة صاحب الرواية الاولى كان رجلا أراد ان يصب لهيب غضبه وحقده على امرأته فألف تلك الرواية ونقلها الرجال الناقمين على نسوتهم من بعده فى مئات الكتب دون أن يخضعوا هذه الرواية لتصديق العقل البشرى أو يرجعونها لمصدر دينى فلايوجد فى الكتب السماوية الثلاثة مايدل على أن حواء هى التى أغرت أدم ورغم ذلك ذكر القرأن الكريم أن الشيطان وسوس لهما أى وسوس لكليهما وليست حواء هى المسئولة الى يوم يبعثون عن الخروج من الجنة الذى كان لحكمة عظمى وهى تعمير الارض وعليه كتب مئات المؤرخين والفلاسفة والشعراء على مر التاريخ ملايين الصفحات من الذم فى حواء بصورة فجة وغيرمنطقية انحيازا منهم ضد النساء واذا كان التاريخ يكتبه كتبة الحاكم المنتصر وحاشيته فالقوانين والدساتير تسنها الطبقة الحاكمة وهذا لايقتصر على الامبراطوريات القديمة الغابرة بل حتى فى أعرق الديمقراطيات فى العالم تنتخب الشعوب ممثلين لهم فى المجالس النيابية من مرشحى أحزاب تنفق على دعايتها الانتخابية الشركات العملاقة وتسن القوانين لخدمة مصالحهم الاقتصادية وحتى روؤساء العالم المتقدم يخضعون لاختيار هذه الشركات واذا كان هذا حال التاريخ والقانون فما بالكم بالاعلام الذى تختفى من أبجدياته التطبيقية كلمة حياد فوسائل الاعلام مقرؤة كانت أومسموعة او مرئية أو حتى الكترونية هى منحازة فى برامجها ومحتواها وأرائها لصالح المالك والمعلن والراعى الرسمى وهذا يحدث فى العالم كله ولان بلادنا رائدة فى النفاق واخترعت منذ مهد التاريخ التهليل والتقديس للحاكم ففى بلادنا نتفوق على كل بلاد العالم فى التطبيل المجانى لنظام الحكم ولو سقط النظام ليلا هللوا فى الصباح المبكر للنظام الجديد وسطروا له بأحرف من نور تاريخ زائف فى نفس اللحظة التى يتحدثون فيها عن فجور وطغيان النظام المنهار أو كما فعل أحد الشعراء رحمه الله حين نعى السادات واستبشر الخير والنعيم على يد مبارك فى نفس القصيدة عقب مقتل السادات فلايوجد اعلام محايد فهذه الكلمة كلمة منسية بين طيات الكتب التى تدرس لطلاب الاعلام . فقط فى بلادنا رجال الاعمال مالكى وسائل الاعلام مناصفة مع القوات المسلحة الباسلة يقدمون فروض الولاء للحاكم ليحصلوا على مكاسب وسرقات جديدة ولأنه لايوجد حياد فأنا شخصيا لست محايدة اطلاقا .أنا منحازة لثورة يناير ضد أعدائها ومنحازة للنساء ضد القهر والعنف اللائى يتعرضن له .أنا منحازة للعمال ضد نهب أصحاب العمل لحقوقهم وافقارهم ومنحازة للعلم ضد الخرافة والاساطير.
