الثلاثاء ١٨ يناير ١٩٧٧ ، رايحين الجامعة الصبح بنفكر هنعمل ايه ردا على القرارات الغبية التي أصدرتها السلطة امبارح برفع أسعار كل السلع الرئيسيّة. وابتدت اجتماعات نادي الفكر الاشتراكي التقدمي في جنينة كلية الاقتصاد.
وانطلقت الاقتراحات حوالين مجلات حائط ومعارض وإقامة ندوات وأمسيات فنية تنتهي بمظاهرات نخرج للشارع عشان نشرح للجماهير خطورة نظام ارتمى في أحضان الإمبريالية اللي سانده سلطته على حساب تجويع الشعب!! واحنا مروجين خرجنا من الجامعة لقينا الجماهير سبقتنا وخرجت من نفسها تعلن غضبها على نظام السادات الذي كان بيمنيها بالرخاء بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل والصداقة مع أمريكا.
مصر كلها كانت في الشارع من اسكندرية لأسوان!! الجماهير تردد هتافاتنا التي كنا نرددها في أسبوع الجامعة والمجتمع (نوفمبر ٧٦) وهتافات الحملات الانتخابية لليساريين، اللي قرروا ينزلوا للشارع يخوضوا الانتخابات البرلمانية في ٧٦، وطبعا نجح منهم أفراد معدودين كان لهم صولات في البرلمان، بس كان المكسب الأكبر إن الشباب المشارك في حملاتهم، طافوا الشوارع والمناطق الشعبية وقدروا يوصلوا كلامهم للناس اللي خرجت النهارده تعلن رفضها لقرارات النظام!!
إحنا بقى مين؟ شباب معظمه في العشرينيات كنا لما بنخرج مظاهراتنا ونوصل للشارع، نادرا لما يكون وسطنا حد فوق الأربعين!! كان جيل آبائنا المناضلين معظمه خرج مكسور من اعتقالات وتعذيب الستينيات، لكن فضل منه ناس مواصلة النضال ومتمسكة بالامل تنقله لنا ومعاه دروس استفدنا من اخطائهم ومن مواقفهم الصحيحة وقبل كل ده من صمودهم!! علمونا أن الثقافة واكتساب الوعي مهمة نضالية أساسية.
انطلقنا نقرا ونثقف أنفسنا في السياسة والاقتصاد والتاريخ والاجتماع والنظريات الفكرية لفهم طبيعة السلطة وكيفية مواجهتها وطبعا معظم الكتب كانت ممنوعة من التداول، كنا بنساعد بعض بإمكانياتنا المحدودة وقروشنا القليلة عشان نحصل على كتاب نخبيه ونقرأه ونتبادله سرا بعيدا عن أعين الأهل قبل اعين الحكومة. وكانت الكتب دي تعتبر دليل اتهام لو اتقبض على حد ولقوها معاه!! حاولنا وأخطأت واثبنا واتعلمنا من اخطائنا وهزائمنا، اكتر من مكاسبنا!!. واتعلمنا من الكبار اننا وهبنا حياتنا لقضية أغلى من الحياة! وان منتهى امالنا اننا نمهد الطريق لثورة جاية اكيد.
كان معظمنا مؤمن ان فيه اجيال جاية حتجني ثمار نضالنا، وماعندوش اي اطماع في سلطة او ثروة او حياة مرفهة. حنعيش نناضل ويكفينا شرفا اننا نسلم راية النضال مرفوعة لجيل جاي يكمل! ما كناش بنعتبر الفقر عيب ولا فينا حد بيفتخر ان ابوه فلان ولا انه يملك ايه! كنا عارفين اننا اخترنا بإرادتنا طريق مافيهوش مناصب ولا ثروة ولا مجد شخصي!! وان الأشياء دي لها طريق تاني غير طريق الثورة اللي اخترناه بإرادتنا.
خلصت سنين الجامعة والبعض قرر ينتبه لحياته الشخصية ويبطل شقاوة! واخرين عرفوا ان الطريق. طويل فقرروا يدوروا على حلول فردية لحياتهم؛ اللي التفت لبناء مجد شخصي ومناصب وشهرة ، مستفيدا من اسم عائلة او ثروتها او نفوذ اب او علاقاته! واللي هاجر املا في حياة افضل لأولاده، واللي سافر الخليج عشان يقدر يدبر فلوس شقة وعربية ومصاريف تعليم الولاد، واللي يأس ومرض، لكن كان دايما فيه ناس تمسكت بحلم وهبت حياتها عشانه، فعاشت في أضيق الظرو ف مصممة على اختيارها، واورثت اولادها الحلم بدل ما تورثهم ثروة او تؤمن لهم مناصب.
منهم اللي حان اجله وهو متمسك بالحلم ومؤمن بثورة جاية، قضى حياته يمهد لها مع رفاقه، ومنهم اللي العمر أمهله لغاية ما شاف بعينه اول خطوة في تحقيق الحلم يوم ٢٥يناير ٢٠١١، فكانوا في الشارع جنب اولادهم كتفا بكتف!!
احنا مين؟ احنا جيل السبعينيات اللي ورثنا الحلم من مناضلي الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وعملنا بيه وناضلنا عشانه ورثناه لأولادنا ووقفنا جنبهم في اول خطوات تحقيقه.
المشكلة ايه؟ المشكلة ان بَعضُنَا اتخيل لما شاف بداية تحقيق الحلم، واتهيأله انه جه وقت جني الثمار والحصول على تمن النضال، فانحرفت بوصلته، وهرول ناحية السلطة يطبل لها املا في اي مكسب رخيص تسمح بيه: مقعد في مجلس، برنامج تليفزيوني، وزارة!! اللي ييجي من المحسنين!! ونسيوا ان المشوار لسة طويل وان الثمار حتجنيها اجيال جاية بعد معارك كتير، فهروا وسطهم رقص وضيعوا احترامهم وباعوا تاريخهم بالرخيص أوي.
لكن دايما بيفضل الباقين على العهد المتمسكين بالحلم، رغم كبر السن واعتلال الصحة ووهن الجسد!!
إحنا مين؟ احنا اللي زي ما احنا، اخترنا طريقنا من اكتر من اربعين بإرادتنا الحرة وتعالينا على ما هرول عليه آخرون عشان حافظنا على بوصلتنا سليمة ، وأملنا نفضل كده لاخر نفس “ماشيين عارفين، مع مين على مين، دايما واضحين، مش بين دا ودا” كل يناير وكل المكملين بخير.