الرئيسية » صوت اليسار » التركيبة الطبقية للسلطة في مصر ، هل العسكر طبقة ؟

التركيبة الطبقية للسلطة في مصر ، هل العسكر طبقة ؟

القاهرة – محمد العجاتي

النداء العدد 298

يسقط يسقط حكم العسكر”… شعار رفعه كثير من الشباب المصري في مواجهة حكم المجلس العسكري بعد “ثورة يناير” العام 2011، وعاد إلى الساحة من جديد بعد وصول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم.

كثير من الشباب اليساري تبنى هذا الشعار وقام، بالتبعية، بتعميق الفكرة لربطها بالحكم في مصر منذ ثورة العام 1952، للتأكيد على أنها انقلاب عسكري أدى إلى سيطرة القوات المسلحة على الحكم، منذ ذلك الوقت، وحتى تاريخه.

وبرغم ما يمكن مناقشته من تحوّلات خلال السنوات الستين الماضية، وبرغم ما يمكن الحديث عنه من صلاحيات للمؤسسة العسكرية منذ نشأة الدولة الحديثة المصرية على يد الجندي الألباني محمد علي (1804- 1841)، إلا أننا كيساريين، يجب أن نلتفت إلى قضية مهمة في هذا الشأن، وهي “مفهوم الطبقة”، واختزاله في فئة اجتماعية أو وظيفية محدودة.

وهنا يجدر بنا أن نسأل: هل الطبقة لصيقة بالوظيفة أو بعكس ذلك هل الوظيفة محددة للانتماء الطبقي في القرن الحادي والعشري؟ وبالتالي هل عسكر 1952 هم ــ أنفسهم عسكر 2016 من المنظور الطبقي؟

العلاقة بين الطبقة والدولة جدلية في بلداننا العربية، بسبب البنية الفوقية للدولة الحديثة، التي جاءت بهندسة فوقية من حاكم صاحب مشروع، أو من مستعمر أراد التحديث لخدمة مصالحه، ويطرح ذلك تساؤلا: أيهما يستخدم الآخر؟ هل الدولة أداة الطبقة للحكم والسيطرة أو العكس؟

يفسّر “جويل مجدال” هذه الجدلية، مستخدماً مفهوم الدولة العميقة الذي يشير إلى الدولة الأمنية التي تتغلغل فيها شبكات المصالح والفساد بين رجال المؤسسة العسكرية، ورجال الأعمال، ورجال القضاء، وأعضاء المجالس التشريعية، بشكل يقترب من الدولة داخل الدولة.

وبرغم ارتباط نشأة هذا المفهوم بالخبرة التركية، وبخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، وبالرغم من أنه يمكن ملاحظة عدد من التشابهات بين السياق التركي وغيره من السياقات العربية الحالية، من حيث تغلغل الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة، إلا أنّ نظرة متفحصة في الواقع العربي، تأخذ في الحسبان تقسيم “مجدال” لأنماط العلاقة بين المجتمع والدولة في الدول النامية، تكشف لنا عن بعدٍ آخر في تعريف الدولة العميقة، حيث لا تقتصر تلك الدولة العميقة على تشابك مصالح الفساد مع مصالح المؤسسة الأمنية، ولكن هناك مدى أبعد يتعلق بتغلغل الدولة، من خلال مؤسساتها الأمنية والخدمية في المجتمع، بشكل يحرم المجتمع من أي قدرة على الحركة المستقلة أو الحرة،  هذه المساحة المفتقدة من الحرية التي تعد مطلبا لنشوء رقابة مجتمعية تستطيع أن تحدّد مضمون الممارسات العادلة وغير العادلة.

وحتى نتمكن من فهم الجدلية السابقة، يجب أن نفرّق بين الطبقة المسيطرة والطبقة الحاكمة، فليس بالضرورة أن تحكم الطبقة المهيمنة بذاتها، وإنما يمكن أن يكون لها وكيل يتولى السلطة، ويحصل على نصيبه من دون أن تكون هذه الطبقة في الواجهة، فالنظام الرأسمالي غالباً ما تتفرغ فيه الطبقة العليا لمشروعاتها، وتنوب عنها الشريحة العليا وأحيانا الوسطى من الطبقة الوسطى. وقد يحدث أن لا تقع سلطة الدولة في قبضة طبقة اجتماعية واحدة، وإنما تقع السيطرة عليها من قبل تحالف طبقي من طبقات ومن فئات اجتماعية مختلفة، فينجم عن ذلك قيام سلطة معبرة عن ذلك التحالف الطبقي، وعن مصالح القوى الاجتماعية المكوّنة له، لكن ذلك لا يغيّر كثيراً من حقيقة التلازم بين الدولة والطبقة (2)،  إلا أنه أحيانا ما تخلق الدولة عبر ممارساتها طبقة خاصة بها مثلما حدث في نهايات فترة التحرّر الوطني، حيث نمت طبقة من البورجوازية الجديدة، التي كانت قد حصلت على أكبر مكاسب ممكنة، في ظل سيطرة الدولة على قطاعات الإنتاج، وكان في صالحها، في تلك اللحظة، تحوّل النمط الاقتصادي الى اقتصاد السوق، بما يمكّنها من تحقيق أرباح عبر الوساطة في بيع وخصخصة الشركات، أو الدخول في شراكات مع شركات عالمية عبر تأسيس وكلاء محليين، أو حتى كما حدث في بعض الحالات شراء هذه الشركات بذاتها (3).

وعليه، يمكننا بوضوح تبيّن أن الوظيفة لا يمكن بعد التطورات في التركيبات الاجتماعية واختلاف البني الاقتصادية في القرن العشرين أن تظل في القرن الحادي والعشرين محدّداً حاسماً للانتماء الطبقي، ففي الحالة المصرية مثلاً، فإنّ الطبيب الذي يمتلك عيادة خاصة في منطقة راقية هو من الطبقة الأغنى في مصر، بينما الطبيب الذي يعمل في مستشفى حكومي أجره لا يصل إلى 100 جنيه مصري، وبالتالي فهو من الطبقات الأدنى، وما بينهما أطباء.

وهنا نتوقف أمام التركيب الطبقي لضباط 1952 (تنظيم الضباط الأحرار)، والتي تمثل معظم الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وهم أولئك الذين فتحت لهم أبواب الكلية العسكرية بالمصادفة في دفعة قبول استثنائية بناء على طلب من سلطات الاحتلال البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك لزيادة عدد أفراد الجيش المصري لدعم القوات البريطانية خلال الحرب.

وبالتالي، وبالمنطق الطبقي، كان من المفترض أن تقوم سلطة ما بعد 1952 بإضعاف قوة الطبقات الأعلى الحاكمة (ملاك الأراضي) عبر سياسات الإصلاح الزراعي التي قامت بها بعد أقلّ من ثلاثة شهور من قيام الثورة. ومع مرور الزمن وسيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم في فترة حكم “جمال عبد الناصر”، وتحوّلها إلى شريك في الثورة في فترة “أنور السادات”، ثم دخولها في الاقتصاد بعد سياسات الخصخصة في عصر “حسني مبارك”، تحوّلت القيادات العليا وحتى الوسطى من المؤسسة العسكرية إلى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى اجتماعياً، أو حتى الطبقة الأغنى بالمعيار المالي. وبالتالي تحولت طموحات من هم أدنى في السلم الوظيفي للمؤسسة إلى اللحاق بمن هم في الطبقات الأعلى. وهذه هي التركيبة الطبقية للمؤسسة التي حكمت خلال فترة ما بعد “ثورة يناير” وحتى الآن، وهو ما يعكس ميلها إلى السياسات النيوليبرالية، وعدم مساسها بشركائها الطبقيين في الحكم، والذين يمثلون الواجهة المدنية لها، والتي يتم من خلالها تفكيك شبكة الضمان الاجتماعي الناصري، وركائز السياسات الخارجية المبنية على فكرة الدوائر الثلاث، وفي القلب منها مفهوم القومية العربية.

قد نرفع شعاراً خلال تحرّكاً تعبيراً عن موقف مباشرٍ إلا أن تحوّل هذا الشعار إلى منهج تحليلي، فهذا يعد استسهالاً يقود إلى فهم مشوه للواقع.

هذا المقال  نقلاً عن موقع الحزب الشيوعي اللبناني

 (1)  Joel S. Migdal, Strong Societies and Weak States: State- Society Relations and the State Capabilities in the Third World, (Princeton, N.J:Princeton University Press, 1988.

(2) عبد الإله بلقزيز، ما يشبه الفوضوية في الليبرالية والماركسية، مجلة الرأي الآخر، عدد 46، يوليو 2010، http://is.gd/Wc04Lj

(3)  انظر نورهان شريف وآخرون، “فوق الدولة: الشركات متعددة الجنسيات في مصر”، القاهرة: المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ط2، أبريل 2015.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.