نظرا لأن تعديل الدستور هو مسألة تهم كل المواطنين، فقد قررت أن أستخدم حقوق المواطنة التي منحها لي الدستور القائم وأناقش بكل التجرد والموضوعية هذه التعديلات المقترحة، وأجمل رأيي فيها فيما يلي:
الدستور هو مجموعة من القواعد القانونية ، وهو كما يقولون أسمي القوانين، وتعريف القاعدة القانونية أنها تصدر للاستجابة لحاجة عامة ، ولها ما يبررها من طلب إجتماعي لعلاج موقف يشعر الجميع بضرورة التصدي له بوضع قاعدة يلتزم بها كل المواطنين، وفي حالة هذه التعديلات المقترحة لا يشعر من يقدمونها بأي حاجة لشرح الأسباب التي تدعوهم إلي إقتراحها، وهي في النهاية تلبية لرغبة شخص أو مجموعة من الأشخاص، وهو مايسقط عنها أي طابع قانوني.
وعندما تقترح تعديلات علي أي دستور ، فلابد أن تكون أسباب هذه التعديلات هو ما ظهر من عدم تناسب هذه المواد المقترح تعديلها مع الواقع بعد الأخذ بهذا الدستور وتطبيقه عمليا، وفي حالة دستور ٢٠١٤، فإنه لم يجر تفعيل نصوصه كما أوضحنا في موقع سابق، وبالتالي ليس من المقبول عقلا أن يطالب أحد بتعديل نصوص دستور لم تجد حظها من االتطبيق.
ويقول الداعون إلي هذه التعديلات أنها ضرورية لكي يتمكن رئيس الجمهورية من تنفيذ برنامجه، ولكن لا أحد يعرف ما هو هذا البرنامج، وإذا كانوا يقصدون مشروعات البنية الأساسية الجارية، فمعظمها قد اكتمل، ومازال أمام الرئيس عامان يكفيان لإتمام هذه المشروعات، وفضلا علي ذلك فأهمها لم يخضع لنقاش عام ومن المشكوك فيه أن تكون ضرورية ، إن لم تكن تبديدا للموارد النادرة في أوجه ليست ذات أولوية في بلد مطحون بعجز الميزانية ومديونية خارجية ثقيلة. وأعني بذلك مشروع عاصمة إدارية وعاصمة أخري صيفية في العلمين.
الهدف الأساسي من هذه التعديلات هو مد فترة رئيس الجمهورية وتمكينه من الترشح مرات عديدة بعد انتهاء فترته الثانية ، وهو ما يتناقض صراحة مع نص المادة ٢٢٦ التي حصنت المادة ١٤٠ الخاصة بمدة رئاسة الجمهورية التي لا يجب أن تتجاوز ثماني سنوات علي فترتين، ومن ثم فهي تحايل علي نص هذه المادة بادعاء أنها تقتصر علي مدد تولي الرئاسة وليس فترة كل مدة، لأن الحد الأقصي بحكم المادة المحصنة هو ثماني سنوات فقط.
التعديلات الخاصة بالمؤسسات القضائية هي نسف لمبدأ الفصل بين السلطات لم يقدم عليه أي رئيس سابق لمصر، وهو يتناقض مع مباديء المساءلة ويشكك في عدالة القضاء عندما يتصدي لتجاوزات السلطة التنفيذية التي تتحكم في قمته، وهو تركيز هائل للسلطات يتنافي مع مباديء الحكم الرشيد.
أما فيما يتعلق باستحداث منصب رئيس الجمهورية أو مجلس شوري، فلا يعلم أحد مدي جدوي ذلك إذا كان الرئيس قد ألغي عمليا استقلال منصب رئيس الوزراء بتدخله المستمر في شئون الحكومة التي ينبغي أن تترك لرئيس المجلس، ومع تحول مجلس النواب إلي أداة طيعة في يد السلطة التنفيذية بامتناعه عن ممارسة ااختصاصاته في الرقابة عليها، وتسليمه لها بالحرية الكاملة في وضع السياسات وتخصيص الموارد دون أي مناقشة جادة لها في ذلك.
وأخيرا من الخطير إقحام القوات المسلحة في الخلافات السياسية بجعلها مسئولة عن حماية النظام السياسي والطابع المدني للدولة وذلك بخلاف ما هو متوقع منها كواجب مقدس في حماية حدود الوطن والتصدي لأي اعتداء خارجي ومشاركة أجهزة الأمن في أداء واجباتها في صيانة الأمن الداخلي عندما تعجز عن ذلك وهو ما نشكرها عليه.
الاستاذ الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وعضو مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي