وصف الرئيس السادس عشر لأميركا الراحل ابراهام لنكولن الديمقراطية بأنها:” حكم الشعب من قبل الشعب لأجل الشعب”. حاول أن يعمل بموجب هذا المبدأ فانتزع “العبيد” في عهده بداية تحررهم حتى اغتيل وهو يحضر مسرحية. لكن الكاتب الإيرلندي العريق أوسكار وايلد ناقض تماماً هذا التعريف الأميركي للديمقراطية فاعتبرها:” قمع الشعب من قبل الشعب لأجل الشعب”.
يقيني أن السياسيين اللبنانيين منذ الاستقلال حتى اليوم استندوا إلى تعريف وايلد لا إلى تعريف لنكولن، ثم اخترعوا تعريفاً خاصاً بهم للديمقراطية يقول:” قمع الشعب من قبل الشعب ضد الشعب ولصالح الطبقة الحاكمة”…
المؤشرات الأولى للانتخابات اللبنانية المقبلة في أيار/مايو، تفيد بأمرين: أولهما أن الطبقة التقليدية خائفة ولذلك تحاول ألا تغير بعض الرؤوس المستمرة منذ أكثر من ٣٠ عاما، وثانيهما أن هذه الطبقة ستنسج علاقات غريبة عجيبة وتتحالف مع الخصوم والحلفاء، لا بل مع الشيطان، حتى تحافظ على المناصب والزعامات والمكتسبات خصوصا أن الاكتشافات النفطية تسيل لعاباً كثيراً عن الطبقة التي نهبت الشعب وأثرت ايما ثراء.
لا شك أن القانون الانتخابي الجديد، حفظ للطبقة السياسية هامشاً واسعاً من الإبقاء على احتكار السلطة. هو فتحَ مجرد نوافذ صغيرة لمرور بعض نسمات الديمقراطية. بمعنى أن المحادل القديمة ستستمر في محاولة سحق قرار الشعب خصوصاً اذا بقي الشعب خانعاً. لكن يمكن حدوث اختراقات رمزية جيدة بشرت بها بعض تحركات المجتمع المدني الناجحة قبل فترة.
من هذه النوافذ بالضبط، يستطيع السياسيون والاعلاميون والمثقفون والمبدعون والنخب وكل مواطن أو موظف أو مسؤول يؤمن بضرورة التغيير الهادئ ووضع أسس لديمقراطية حقيقة ( لم تقم في لبنان منذ الاستقلال )، أن يعملوا حثيثاً في المرحلة المقبلة لإنجاح مجموعة من النواب الوطنيين الشرفاء . تكون هذه المجموعة قادرة في المجلس المقبل على إسماع صوت المواطن ونقل همومه والضغط لاستصدار تشريعات تناسب الشعب، لا الفاسدين.
أقترح أن تكون اللائحة باسم ” اللائحة الوطنية” بدون أي تسميات أخرى، وتمتد على مساحة الوطن، قافزة فوق الطوائف والمذاهب والمحسوبيات، بحيث يتضامن مرشحوها وداعموهم لخلق دينامية جديدة في الوطن بعيداً عن الاصطفافات الكريهة والضيقة التي أسست لحروب وسمحت لامراء الحروب بأن يصبحوا ملوك الفساد. اقترح كذلك أن يكون لهذه اللائحة الوطنية برنامج انتخابي موحد.
وهنا لا بد من سؤالين لفخامة الرئيس ميشال عون، ولحزب الله.
الرئيس عون وعد في خطاب القسم بـ ” إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل “. نجح عهده في وضع قانون انتخابي جديد لكنه بقي قاصرا عن تأمين عدالة التمثيل الحقيقية. لذلك يحق لنا أن نسأل الرئيس:” هل ستميز عهدك يا فخامة الرئيس بتحالفات انتخابية تجمع فيها الوطنيين الحقيقيين والممثلين الفعليين للشعب ونظيفي الكف فتحصن عهدك بنخبة برلمانية مشرِّفة، أم أن تيارك سيضطر للسير على الطريق التقليدية في تحالفات مناطقية وطائفية وحزبية وعشائرية وزعمائية، تعيد إلينا الوجه نفسها والمصائب عينها؟ وهل هدف الانتخابات بالنسبة للتيار هي توفير نخبة برلمانية تعبر عن الشعب، أم الهدف هو توفير أرضية جيدة لايصال الوزير جبران باسيل الى الرئاسة؟ ” ( علما ان الرجل ذكي ونشيط ويحق له هذا الطموح، خصوصاً ان منافسه الأبرز للرئاسة المقبلة الوزير سليمان فرنجية والذي يتمتع بكاريزما وشعبية ممتازان لا يتحرك كما ينبغي لتحصين نفسه في المرحلة المقبلة ) .
أما السؤال الثاني للسيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله فهو التالي:” خضت يا سماحة السيد حربا ضروسا ضد إسرائيل فوقف الجزء الأكبر من الشعب ومن كل الطوائف خلفك حتى انتصرت، لكن ثمة من وقف ضدكم وتآمر عليكم في خلال تلك الحرب. ثم انخرطت في الحرب السورية تحت شعار مقاتلة الإرهاب والحفاظ على الأماكن المقدسة وحماية محور المقاومة، لكن ثمة من وقف ضدكم وقاتلكم وشن حربا سياسيا وإعلامية كبيرة عليكم، فمن سيكون حليفكم في الانتخابات المقبلة ومن هو الخصم؟ ”
لا شك أن المرحلة حساسة أمام الحزب الذي وضعته أميركا ودول غربية وبعض الدول العربية على لائحة الإرهاب، وهو حريص على تدوير الزوايا في الداخل لاستمرار معركة ” المحور” التي هي أهم بالنسبة له حاليا ومستقبلا. لكن الأكيد أن أي خذلان من قبله لحلفائه الذين تقاتل بعضهم مع طائفته لنصرة الحزب لن يمر مرور الكرام . لا شيء سيحصن المقاومة الا وجود مجموعة من النواب الوطنيين المؤمنين بالمقاومة حتى ولو اختلفوا مع الحزب على أمور ثانوية أخرى تتعلق بالمفهوم الديني او الاجتماعي ..الخ.
أما السؤال الأبرز للمواطنين اللبنانيين المؤمنين فعلاً بضرورة قيامة هذا الوطن من تحت رماد التقليد والفساد والظلم والاستعباد، فهو التالي :” هل ستذهبون هذه المرة الى صناديق الاقتراع لتصوتوا مرة جديدة لمن أفقركم ونهبكم، أم ستصوتون لمرشح وطني يُسمع صوتكم في البرلمان ، بغض النظر ان كان هذا المرشح ينتمي الى طائفتكم أو لا ؟ القرار لا شك بيدكم ”
يبقى أن المشروع الانتخابي لأي مرشح وطني سهل، أهمه قريب الأجل وبعضه بعيده. وهذه أهم مطالب الناس التي يفترض ان تكون في البرنامج الموحد للائحة الوطنية:
• توفير المياه الصالحة للشرب في البيوت
• توفير الكهرباء الى كل البيوت بلا مولدات النهب.
• تأمين الطبابة والضمان الصحي وضمان الشيخوخة لكافة الناس ووقف جشع المستشفيات
• تأمين التعليم عبر رفع مستوى الجامعة اللبنانية والمدارس الحكومية ( من خلال رفع رواتب المعلمين لجذبهم الى هذه المدارس وتحسين البرامج واللغات ) طالما انه من المستحيل تخفيض أقساط الجامعات الخاصة التي يعود جزء كبير من ريعها الى الزعامات التقليدية.
• إقامة ورشات عمل وتأهيل مهني ومكاتب خاصة تهتم بالعاطلين عن العمل مع المباشرة فورا بالبحث عن كيفية توفير فرص عمل شهرية للشباب ووضع استراتيجية تربط بين الجامعات وسوق العمل.
• تعزيز الأمن وحل مشكلة زحمات السير عبر تسهيل النقل العام ( النظيف والصحي والحديث ) وتوفير تسهيلات لسائق التاكسي ( على غرار ما هو في الغرب) لشراء سيارات جديدة وتأمين حياة لائقة بهم.
• تعزيز القطاع القضائي اللبناني وتوفير أكبر قدر من استقلاليته، لأنه الوحيد مع اعلام شريف يمكنه أن يساهم في إعادة لبنان الى مصاف الدول غير الفاسدة.
• العمل حثيثا على تشجيع الزراعة في بلدنا الخصب، بحيث نحقق الاكتفاء الذاتي بدل استيراد الزراعات واللحوم والمواد المسرطنة.
• العمل على تشجيع السياحة من خلال تعزيز الخدمات المتعلقة بها وضبط الأمن. ان واحدة من أهم ثروات لبنان المقتولة هي السياحة التي يمكنها لوحدها ان تسد عجز الخزينة.
• وضع لجنة قضائية وبرلمانية ومن نخب اقتصادية شريفة لمراقبة مال النفط المقبل وكيفية ضخه في القطاعات المنتجة والتي توفر فرص عمل للشباب.
صدقوني هذه هي فقط المطالب الملحة للمواطنين، أما بقية المطالب المتعلقة بالديمقراطية والحريات وإلغاء الطائفية وغيرها فهذه ستكون ثمرة عمل وجهد النواب الوطنيين الذين سيدخلون الى البرلمان، لو قرر المواطن اللبناني أنه يريد أن يعيش أفضل لا أن يبقى خادما لمن يسحقه.
هكذا فقط نحمي لبنان ونعتز به….