وكالات
أثارت التحذيرات التي أطلقتها حركة حماس – من نفاد صبرها على استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي – التساؤلات حول الخطوة القادمة التي تنتوي الحركة الإقدام عليها في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع الساحلي الضيق الممتد على البحر المتوسط.
كما أثارت في الوقت نفسه مخاوف سكان القطاع من جولة رابعة من الحرب في الوقت الذي لم يتعافوا فيه بعد من التداعيات الكارثية للعدوان الإسرائيلي الذي وقع في صيف عام 2014 وسط استفحال أزمات الكهرباء والفقر والبطالة وبطء عملية إعادة إعمار آلاف المنازل المدمرة نتيجة العدوان.
ويرى سياسيون ومحللون فلسطينيون أن تحذيرات حماس التي جاءت على لسان نائب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية خلال مهرجان أقيم في غزة الأسبوع الماضي لا تعني بالضرورة اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي لأن وضع قطاع غزة لا يحتمل حروبا ، معتبرين أنها ليست سوى رسالة للمجتمع الدولي بالالتفات إلى معاناة غزة قبل فوات الأوان.
وأشاروا إلى أن تصريحات حماس التحذيرية تهدف إلى تحريك المياه الراكدة جراء طول فترة الحصار المفروض على القطاع وعدم بروز أمل في الأفق واتساع حالة السخط بين الغزاويين ، خاصة بعد إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلية الأخيرة التي منعت دخول الإسمنت والتهديدات بشن عملية عسكرية جديدة .
وفى هذا الصدد ، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة لوكالة أنباء الشرق الأوسط: “إسرائيل غير معنية بأن تصل الأمور إلى حد الانفجار.. الوضع السياسي والجبهة الداخلية والرأي العام الإسرائيلي ليس مهيأ لخوض حرب جديدة في هذه المرحلة”.
وأشار أبو ظريفة إلى أن ما يدلل على ذلك أن حكومة نتنياهو أعلنت أن النفق المكتشف جنوب قطاع غزة الشهر الماضي بني قبل عام 2014 في محاولة لتفادي أي ضغوط من قبل الجمهور الإسرائيلي أو اليمين المتطرف للتصعيد ضد غزة.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في الثامن عشر من أبريل الماضي العثور على نفق هجومي تابع لحركة حماس يمتد من شرق رفح جنوب قطاع غزة إلى داخل إسرائيل متجاوزا الجدار الأمني الفاصل بعشرات الأمتار، وهو ما أثار ردود أفعال إسرائيلية غاضبة من الحكومة والمعارضة على حد سواء.
وقال القيادي في الجبهة الديمقراطية (فصيل يساري وأحد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية) طلال أبو ظريفة :”حماس هي الأخرى غير معنية بالتصعيد لأن واقع غزة ما بعد حرب عام 2014 كارثي ..فلم يتم إنجاز سوى 28% مما هو مطلوب إعماره ومعدلات البطالة والفقر تزداد والأزمات الحياتية تتفاقم فلا مواد بناء ولا كهرباء ولا ماء صالح للشرب”.
وبحسب تقارير منظمات محلية ودولية ، فإن 40% من سكان القطاع البالغ عددهم 95ر1 مليون نسمة يقعون تحت خط الفقر، فيما يتلقى 80% منهم مساعدات إغاثية ، بالإضافة إلى أن 922 ألف لاجئ بغزة أصبحوا بحاجة للمساعدات، إلى جانب حاجتهم الملحة للرعاية الصحية والمأوى والتعليم والحماية الأساسية والأمن ، وأن 6 من كل 10 عائلات تعاني من انعدام الأمن الغذائي، منها 27% انعدام حاد،و16% انعدام متوسط،و14% نقص في الأمن الغذائي.
وقال أبو ظريفة :” الأمور في قطاع غزة وصلت إلى مرحلة لا يطيقها البشر، في ظل استمرار الحصار وإذا لم تعالج القضايا الحياتية للمواطن في جانبها الاقتصادي والاجتماعي ، فكل الاحتمالات مفتوحة … وإذا ما شعرت حماس أن الانفجار سيكون بوجهها ستحاول توجيهه ليكون في وجه الاحتلال”.
ووجه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية رسالة تحذير شديدة اللهجة لإسرائيل من مغبة استمرار حصارها لقطاع غزة ، حيث قال – في كلمة ألقاها خلال مهرجان جماهيري حاشد نظمته حماس الخميس الماضي وسط مدينة غزة تحت عنوان “لحن الانتفاضة” ..:” لا تسيئوا تفسير صبرنا في غزة إذا استمر الحصار، نحن لا نستطيع أن يبقى شعبنا في مثل هذه المعاناة” . مضيفا :”لا يجوز استمرار الحصار على غزة وإبقاء 2 مليون فلسطيني في هذا السجن الكبير”.
واستطرد قائلا:” واجهنا حروبا ثلاثة ، وقادرون على الثبات ، ولكن للصبر حدود ..لا تسيئوا تفسير صبرنا ..لا تضيقوا على غزة ..لا تبقوها في فضاء مغلق برا أو بحرا أو جوا.. الميناء حقنا..المطار حقنا ..فتح المعابر حقنا..حرية الحركة وإدخال الإسمنت وكافة مستلزمات الحياة والعيش بكرامة حقنا”.
وأوقفت إسرائيل، في الثالث من شهر أبريل الماضي إدخال الإسمنت لصالح القطاع الخاص في غزة بدعوى استخدامه من قبل حركة حماس في تشييد تحصينات عسكرية، وهو ما نفته الحركة.
وخلال المهرجان الذي تخلله استعراضات فنية تحاكي عمليات طعن وخطف ينفذها فلسطينيون ضد جنود إسرائيليين ، قال ناطق ملثم باسم كتائب القسام في كلمة مقتضبة :” تحذير أخير.. فليعلم الجميع انه لم يعد هناك ما يمنعنا من اتخاذ القرار .. رفع الحصار عن غزة أو الانفجار”.
ولم يستبعد المحلل السياسي مصطفى الصواف انفجار غزة في وجه الاحتلال الإسرائيلي إذا استمر الحصار الخانق لغزة. مؤكدا أن القطاع على حافة الانفجار ، وقال الصواف “حماس وجهت على لسان هنية والقسام رسالة تحذير للاحتلال مفادها أن صبر الشعب الفلسطيني على وشك النفاد ، وإن لم تتحرك الأمم المتحدة والأطراف المعنية بإبقاء حالة التهدئة فإن الانفجار الشعبي قادم تجاه الاحتلال”.
واعتبر أن الانفجار في وجه الاحتلال ليس بالضرورة أن يكون عسكريا . مستبعدا أن تقدم كتائب القسام والفصائل المسلحة في غزة على البدء بعمل عسكري ضد إسرائيل في حال عدم استجابتها لرفع الحصار.
وقال الصواف “المقاومة تدرك طبيعة الأوضاع في غزة بعد حرب 2014 وأزمات القطاع الكثيرة والوضع الإقليمي وبالتالي ليس من الوارد أن تبدأ بهجوم على الاحتلال لتحريك الأوضاع”. غير أنه شدد على أنها على استعداد للدفاع عن الشعب الفلسطيني في حال إقدام إسرائيل على توجيه ضربة جديدة للقطاع.
وشنت إسرائيل حربا دامية على قطاع غزة أطلقت عليها اسم “الجرف الصامد” في صيف 2014 استمرت 51 يوما وأسفرت عن استشهاد نحو 2200 فلسطيني وإصابة نحو 11 ألفا آخرين ، بالإضافة إلى تدمير آلاف المنازل والبنى التحتية المتهالكة أساسا بفعل الحصار الذي فرضته على القطاع عقب فوز حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006.
وقال الصواف: “غزة بمثابة برميل بارود والواقع فيها لم يعد يحتمل والأوضاع الاقتصادية والإنسانية في غاية السوء والخطورة والصعوبة .. الانفجار ضد الاحتلال هو الوسيلة الوحيدة لتغيير هذا الوضع في ظل إحكامه للحصار وعدم التزامه ببنود اتفاق التهدئة وصمت المتجمع الدولي وتجاهله لمعاناة مليوني فلسطيني في القطاع”.
كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد أعلن عن توقف إعادة إعمار المساكن التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة جراء منع إسرائيل إدخال الأسمنت إلى القطاع منذ نحو شهر”.
وقال المكتب في بيان قبل أيام إن المنظمات التي تقدم مساعدات “اضطرت إلى تعليق مساهمتها المالية لإصلاح مساكن تعود لأكثر من 1370 عائلة، بسبب ندرة الأسمنت والارتفاع الكبير الأسعار”. وأضاف “كما تأخرت عمليات الدفع لـ1550 عائلة، كانت ستبدأ بإعادة الإعمار بسبب النقص في الأسمنت”.
وبحسب “أوتشا”، فإن 75 ألفا لا يزالون، مهجرين داخل قطاع غزة، بعد هدم منازلهم خلال الحرب التي شنتها إسرائيل صيف عام 2014″، وأنهم “يعانون النزوح لفترات طويلة، بسبب القيود المفروضة على وصول مواد البناء الأساسية، وعدم وجود تمويل للمنازل”، لافتة أن النقص الحالي في الأسمنت أدى إلى اضطراب وظيفة نحو 40 ألف شخص يعملون في قطاع البناء والتشييد.
وتشير إحصائية صادرة عن وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية إلى أن إجمالي الوحدات المتضررة من العدوان الإسرائيلي على غزة يبلغ 171085 وحدة سكنية، منها 12558 وحدة سكنية مهدمة بشكل كلي، و12721 متضررة بشكل جزئي وغير صالحة للسكن، و145806 وحدات متضررة بشكل جزئي.