كتب محب عبود
قبل25 يناير بعدة شهور حين تسارعت خطوات الاعداد للتوريث، كان الشباب بيسألونى البلد رايحه على فين؟ كنت باقول لهم الامور موش ممكن تستمر على كده والنظام بيلعب لعبه خطره جداً شبه العبث فى الجينات، ممكن ينتج عنها اشياء غير متوقعه؟ بصراحه كنت حاسس اننا داخلين على حاله مختلفه؟ لكن كيف ومتى وقدر اتساعها لا أعرف!! لكنها كانت تُذكرنى بلحظات ما قبل اغتيال السادات، حين اصدر قرارات التحفظ، وفيها تم حبس مصر كلها تقريباً، يمينها على يسارها على مسلميها على مسيحييها، الصعيد وبحرى، النوبه وسيناء، كنت متأكد ان هذا الوضع لا يمكن يستمر فى المدى القريب، لكن كمان لم اكن اعرف بدقة ماذا سيحدث!!! ولما كانوا يلحوا عليا فى السؤال وماذا بعد مبارك؟ كنت اجيب (نشيله الاول ثم نصطفى مع بعض!!) اعتقد ان هذه الاجابة كانت مصدر البلاوى لما جد من أحداث طوال الفترة الماضية!!
قبل انفجار بركان الثورة اعتقد بيوم او اثنين، دُعيت لمؤتمر فى حزب الغد، وكانت هذه اول مره اذهب لمقر الغد منذ شهور بعد تفجر الخلاف بينى وبين قادته وفى مقدمتهم ايمن نور، ودار المؤتمر حول المشاركة فى تظاهرات 25 يناير وكان الشباب فى حاله من الانفعال الشديد، الى حد اننى خشيت عليهم، ماذا لو لم يستجيب الشارع لهم؟؟ خاصة ان الثورة التونسية كانت قد انفجرت واعتقد ان زين العابدين على كان قد فر الى الخارج….وهذا دفع الطموحات لهؤلاء الشباب لاقصى درجاتها، لهذا دعوت الناس للمشاركة، لكننى قلت انه اذا لم يستجب الناس، فهذا لا يعنى اننا اخطأنا ولا الكُفر بان الناس هم مصدر التغيير ولكن معناه اننا مازال امامنا جولة او جولات اخرى.
فى هذا اليوم وجدت الشباب الذين حولى ينسجون مؤامرة نبيلة، فقد كان مشروعهم الا اشارك، لانهم كانوا يظنون اننى مُستهدف، وبالتالى لم يقبلوا ان يخبرونى متى ولا أين يبدأون التظاهرات، غير اننى كنت اتوقع ذلك منهم وسجلت تليفونى واسمى بعيداً عنهم، ولهذا اثناء ما كانوا يقنعوننى بانه لاداعى لوجودى جسدياً، كنت قد حددت متى واين سأشارك!!
فى المدرسة مريت على الفصول لجميع المدرسين أؤكد عليهم المشاركة، ولكن لا احد يستجيب، واخذوا يتندرون انت احضر لنا! يوم 25 يناير خرجت الساعه 10 صباحاً الى اسواق الشريف فى العصافره، الشارع كان خالياً من الماره تماماً، بعد فنرة جاء رفيق المظاهرات معى والذى شاركته تقريباً كل المظاهرات فى الايام التاليه، ابنى وصديقى محمد فؤاد، انتقلنا لاحد الشوارع الجانبيه، حتى راينا تجمعات الشباب تتحرك بضعة عشرات، وذهبنا فى مجموعات صغيره الى ميدان مكه المُكرمة وهناك وجدنا الشباب باعداد ليست قليله، وبدأت المظاهرات … ارحل…ارحل… (موش عارف ليه البعض بيقول ان شعار ارحل ظهر متأخرا ) سارت المظاهرات فى الشوارع الجانبية فى العصافره قبلى غير ان الملاحظة التى ادهشتنى هو هذه الزيادة المطرده فى الاعداد، والتى لم اشهدها منذ تظاهرات 1977، وبعدها سارت المظاهرات بجوار السكه الحديد قبلى ثم عبرنا خط السكه الحديد، كنت فى الجزء الاول فى المظاهرة لكننى لم ارى الصفوف الاولى، وحين نظرت خلفى وجدت الجموع الحاشده، ش ملك حفنى بحرى ثم الكوبرى الى ش ملك حفنى قبلى لم استطع ان ارى اخر المظاهرة، لكن الناس من حولى تتحدث عن مظاهرات فى كل انحاء الاسكندرية، تنتقل المظاهرة الى ش جمال عبد الناصر الناس تتحدث عن انه سيتم التحام بين مظاهرتنا ومظاهرة اخرى بدأت من عند جامع الشيخ عبد الحليم محمود علشان العدد، كدت اضحك!! من الفرح والسعاده، هو احنا لسه محتاجين العدد يزيد!! ما خير ربنا كتير، وصلت المظاهرة الى فيكتوريا، وهناك لمحت عربية مطافى الراجل بيلف بالعربيه وسط الحموع ومن شدة خوفه من الناس كاد ان يدهسهم، لكن الناس طمنوه، واتاحوا له مسار للخروج بعيداً عنهم ، استمرت المظاهرة فى ش ابوقير، شباب صغير ، ورجاله كبار، وبنات وستات واطفال، اغنيا وفقرا، المصريين جميعهم فى الشارع، عند مصطفى كامل بدأنا نشم رائحة الغاز ونسمع طلقات، لكن الناس ماشيه فى اتجاهها، وكأن نشوة الثوره قد اسكرتها، هناك تقريباً عند قهوة شكرى شفت حشود العساكر قاطعين الطريق عند محطة سيدى جابر تقريباً، ويطلقون النار وقنابل الغاز، الناس بتندفع فى الشوارع الجانبيه، وانا لم اعد ارى!! نوع قنابل الغاز ده، فكرنى بحالة زملاءنا من جامعة القاهرة بعد انتفاضة 18، 19 يناير، فى المظاهرات اللى حصلت بعد بدء الدراسة، لما كانوا بييجوا لنا السجن بعد القبض عليهم، وكانت وجوههم ملتهبة زى المحروقه، الناس تدفعنى وانا لا ارى، ولا استطيع التنفس، اصوات حولى تقول اغسلوا وجوهكم بكوكاكولا، ماحدش يغسل وشه بميه، وانا لا قادر كده ولا كده لانى موش شايف اصلاً، المهم باحاول افتح عينى لقيتنى تقريباً لم اتحرك اكتر من 10 متر فى ش جانبى، ولقيت فى وشى امناء شرطة تقريباً واقفين هربانين من الضرب، قالوا لى ما تفضلش واقف كده امشى حتى وانت مغمض! بعد شويه لقيت نفسى جنب شريط الترام والناس بتجيب لى قلة ميه علشان اغسل وشى، عربية ميكروباص معديه وقف وقال اركب حاعديك خلف الضرب وانت اتصرف، بصراحه انا اصبحت مفعولاً به لانى لم اعد قادراً على الرؤية تماماً والتهاب شديد اشعر به فى عينى
الى لقاء اخر اقص عليكم شهادتى عن اليومين التاليين اللى قبل 28 يناير
محب عبود
كتبت هذه الشهاده العام الماضى وأعيد نشرها